مع استحضارهم سنوات العنف والفوضى التي عاشوها على وقع الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي، يشعر الجزائريون بالخوف من الانضمام إلى موجة الربيع العربي التي تجتاح المنطقة، خوفاً من تكرار السيناريوهات نفسها، على الرغم من أن الكثيرين منهم يرغبون بشكل أو بآخر في تعزيز الديمقراطية ومكافحة الفساد في الداخل.


لميس فرحات: تعتبر صحيفة الـ quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; أن الانتفاضات العربية تذكر الكثير من الجزائريين بموجات العنف والفوضى، وتثير المخاوف من التبعات السلبية لإحداث التغيير من الجذور.

قد يكون لهذه المخاوف مبررات، فمصر التي ظلت هادئة نسبياً منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في شباط/ فبراير 2011، يتخوف الكثير من مواطنيها ألا تنتج الثورة مجتمعاً حراً، حيث إن بعض الذين احتشدوا في ميدان التحرير لا يعتبرون أن نتيجة جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية تمثل نوعاً من التغيير الذي كانوا يأملون به.

اطفال جزائريون يلهون على الساحل البحري وتبدو في الصورة ملصقات إعلانية انتخابية

ونقلت الصحيفة عن جون ماركس، رئيس مركز quot;معلومات عبر الحدودquot; البريطاني المتخصص في تحليل المخاطر قوله إن quot;الجزائريين غاضبون بشكل عام، وهذا يبدو واضحاً من أعمال الشغب والاحتجاجات والإضرابات العمالية، التي تركز بشكل أساسي على القضايا الاقتصادية في الجزائرquot;، لكنه أضاف: quot;على الرغم من ذلك، لا أحد يرغب في العودة إلى مرحلة التسعيناتquot;.

أما في ليبيا، وعلى الرغم من توحد الثوار على هدف إسقاط نظام معمّر القذافي، إلا أنهم يعانون اليوم تصاعد الخلافات الإقليمية والقبائلية التي تتخذ في بعض الأحيان طابعاً عنيفاً، ما يمثل جرس إنذار، خصوصاً مع اقتراب إجراء انتخابات المجلس التأسيسي المقررة في 19 حزيران/ يونيو الجاري.

أما المثال الأكثر حدة فيتمثل في الأوضاع المتدهورة في سوريا، بما في ذلك مجزرة الحولة، التي أوقعت أكثر من 100 مدنيّ أخيرًا، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من أن البلاد تواجه خطر quot;حرب أهلية كارثيةquot;.

ونقلت الصحيفة عن لويزا دريس آيت حمادوش، الباحثة في العلوم السياسية في جامعة الجزائر، قولها إن quot;الشعب الجزائري يتمتع بالرخاء النسبي وحرية التعبير مقارنة بالكثير من الدول العربية، الأمر الذي يمثل صمام أمان يحمي من تفجّر الغضب الشعبي على غرار موجة الربيع العربيquot;.

وأضافت: quot;في حين أن السلطات الجزائرية حظرت وقمعت التظاهرات في العاصمة الجزائر، توفر الصحافة المستقلة والمشاكسة منبراً لمنتقدي الحكومة. وذلك لا يعني عدم وجود المشاكل، لكن الأوضاع ليست سيئة للدرجة التي تدفع الجزائريين نحو الثورةquot;.

يقول بعض الجزائريين إن ثورتهم قامت عام 1988، عندما وقعت أعمال شغب بسبب الركود الاقتصادي والمحسوبية السياسية، ما دفع القيادة إلى وضع حد لنظام الحزب الواحد، الذي تم اعتماده بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1962. وفي العام 1992، ألغى الجيش نتائج انتخابات برلمانية كان مقرراً أن يفوز بها حزب إسلامي، ثم انزلقت البلاد إلى حرب أهلية. ويعتقد أن ما لا يقل عن 150 ألف شخص لقوا مصرعهم خلال عقد من المعارك والاغتيالات والتفجيرات التي مزقت المجتمع الجزائري.

وأشارت الـ quot;ساينس مونيتورquot; إلى أن بعض الجزائريين يثقون بأن بوتفليقة قادر على تحقيق الاستقرار، لكن البعض الآخر يشكك في النظام السياسي الذي أبقى عليه في السلطة منذ عام 1999. ففي العام 2008، وسع البرلمان، الذى يهيمن عليه حزب quot;جبهة التحرير الوطنيquot;، حدود الولاية الرئاسية، الأمر الذي سمح لبوتفليقة بالفوز بولاية ثالثة مدتها 5 سنوات عام 2009.

وبالنسبة إلى كثير من الشباب الجزائريين، يبقى التصويت في تلك الانتخابات بلا معنى، حيث إنها لم تجتذب الشريحة العمرية دون سن الـ35عاماً، والتي تشكل ثلاثة أرباع السكان.

لكن صديق شهاب، نائب رئيس البرلمان، يرى أن الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2014 فرصة للطبقة السياسية الأصغر سناً للظهور على الساحة السياسية. لكن يبدو أن الكثير من الشباب الجزائري لن ينتظر حتى هذا الموعد لإثبات وجوده، إذ تقوم منظمات مثل quot;حركة الشباب المستقل من أجل التغييرquot;، التي يرأسها الناشط الشاب عبده بن دجودي، بالضغط في اتجاه اعتماد المزيد من الإصلاحات من خلال التنسيق بين الجماعات الاحتجاجية المختلفة في البلاد.

ويقول بن دجودي: quot;صحيح أن العديد من الإضرابات والتظاهرات لا تعبّر عن مطالب سياسية واضحة، لكنها تحقق المطالب الاجتماعية المرتبطة بالسياسةquot;.