زار موسكو يوم الجمعة مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية لإقناع الكرملين بإعادة النظر في موقفه من الأزمة السورية والمساهمة في مجهود هدفه تخطيط نقل السلطة من حكم الرئيس بشار الأسد، حليف روسيا القديم. ولكن كبير المفاوضين الروس أدلى عقب اللقاء بتصريحات لا مهادنة فيها قائلا لأحد الصحفيين إن موقف موسكو quot;قضية مبدأquot;.
دأب القادة الروس على القول إن هدفهم هو التحوط ضد عدم الاستقرار وليس دعم الأسد. وأشاروا إلى أن روسيا ستقبل بتغيير في القيادة السورية شريطة أن يكون بأيدي سورية، وليس مفروضا من الخارج، وهو احتمال يقول مراقبون انه مستبعد إزاء أعمال العنف إلي تمزق سوريا حاليا.
ولكن روسيا إلى جانب الاستمتاع بعنادها تُقدِم على مخاطر كبيرة أيضا. فان الكرملين بعد أن أخذ على عاتقه دور اللاعب الكبير في النزاع يتعرض إلى ضغوط تطالبه بتقديم بديل. وتواجه موسكو مشاعر إحباط تجاهها في العواصم الغربية حيث تُعد شريكا لقوات الأسد في قتل المدنيين، وتستعدي عليها شركاء روسيا في العالم العربي الذين ينظرون إلى موسكو على أنها تهب لنجدة حكام مستبدين.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن جيورجي ميرسكي الباحث المختص بشؤون الشرق الأوسط في أكاديمية العلوم الروسية quot;أن غالبية السكان في معظم البلدان العربية يؤيدون الثوار بطبيعة الحال ويعارضون الدكتاتور، وبالتالي فان سمعتنا تضررت ضررا كبيراquot;.
وأضاف ميرسكي انه quot;إذ تمكن بشار الأسد من كسب الحرب وبقي في السلطة فان غالبية السكان في البلدان العربية سينحون باللائمة على روسيا بالطبع، وان ضررا سيلحق بسمعتنا. وإذا أُسقط أيضاً فان كثيرين سيلومون روسيا في كل الأحوالquot;.
وكانت انتفاضات مصر وتونس صُورت في روسيا على أنها تطورات محلية صرفة من صنع شباب محبطين إزاء انسداد الآفاق الاقتصادية بوجههم. ولكن النظرة إلى النزاع في سوريا تختلف اختلافا تاما فهو يُصور على انه من تدبير بلدان أخرى في الغرب والعالم العربي ويخدم صعود الإسلام السياسي المتطرف. ومع تزايد أعداد القتلى في سوريا الذين تقدر الأمم المتحدة انهم زادوا على 10 آلاف قتيل فان المسؤولين الروس ظلوا مصرين على أن سقوط نظام الأسد سيؤدي إلى ما هو أسوأ.
وقال اليكسي بوشكوف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الروسي مؤخرا انه خلال حرب الشيشان quot;كنا نسمع اننا نستخدم القوة المفرطة وان مدنيين يُقتلون. ولكن ما كان مطروحا هو إتِّباع السيناريو اليوغسلافي أو الابتعاد عنه، والسيناريو اليوغسلافي كان اشد دموية بكثيرquot;.
ولكن تصاعد أعمال العنف مؤخرًا من جانب قوى الأمن السورية مستهدفة النساء والأطفال في أحيان كثيرة وضع روسيا في الزاوية للتقدم ببدائل.
وكانت محادثات الجمعة بين مبعوث وزارة الخارجية الأميركية فريد هوف ونائبي وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف وغينادي غاتيلوف محاولة للتوصل إلى توافق على عملية انتقال سياسي. واقترح احد المحللين نموذج اتفاقية دايتون عام 1995 التي أنهت حرب البوسنة.
ويمكن أن تقوم روسيا بدور أساسي في حفظ النظام خلال الانتقال السياسي بسبب علاقاتها الواسعة مع القادة العسكريين السوريين الذين تدرب الكثير منهم في الاتحاد السوفيتي السابق. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن رئيس تحرير مجلة الشؤون الدولية الروسية فيودور لوكيانوف quot;إن ما تحتاجه سوريا شيء من قبيل اتفاقية دايتون لأن الديمقراطية لن تفضي إلى حلquot;. وأضاف quot;ان لموسكو نفوذا على الأسد لا يضاهيه نفوذ آخر، والسؤال هو ما إذا كان لدى أي احد ما يكفي من الصبر لمحاولة تنفيذ ذلكquot;.
وقال بوغدانوف عقب اجتماع الجمعة انه لا يرى أي حركة ابعد من خطة المبعوث الدولي كوفي انان ذات النقاط الست لوقف إطلاق النار دون أن تتضمن دعوة إلى تنحي الأسد.
واتهم بوغدانوف قوى المعارضة وجهات أجنبية بالمسؤولية عن استمرار العنف قائلا إنها quot;تغازل متطرفين وراديكاليين من شتى الأصناف لتحقيق مآربهاquot;. وحين سُئل عما سيحدث إذا تدخلت قوى دولية دون تفويض من مجلس الأمن أجاب أن ذلك quot;سيكون كارثة على الشرق الأوسط بأكملهquot;.
وإذا كانت تكاليف موقف الكرملين تشتد وطأة على روسيا فان لدى الرئيس فلاديمير بوتين اسبابا داخلية قاهرة أيضا لرفضه التزحزح عن هذا الموقف.
وكان سلفه ديمتري ميدفيديف فقد ماء وجهه بين المتشددين في الحكومة الروسية لأنه لم يقف ضد التدخل الغربي في ليبيا الذي أطلق سلسلة أحداث تكللت بقتل العقيد معمر القذافي، حليف روسيا الآخر. ويرى محللون أن الموافقة على خطة انتقال سياسي في سوريا تهدد بوتين بمصير مماثل.
كما أنها ستعني التراجع عن موقف ما زالت أوساط معنية بصنع السياسة الخارجية الروسية تصفق له في موسكو. وفي هذا الشأن قال فيتالي ناومكين مدير معهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية لصحيفة نيويورك تايمز انه quot;من دون دعم روسيا لسقط الأسد وأعقب سقوطه التدخل وبالتالي فان روسيا أثبتت أنها قادرة على منع وقوع أحداث معينة في المنطقة، أحداث غير مرغوبة، لا لأننا نحب الأسد، بل لأننا نريد الاستقرار في هذه المنطقة ونعتقد أن هذا النوع من الهندسة السياسية قد يؤدي إلى عواقب كارثيةquot;.
التعليقات