بدأ حقوقيون وقدامى الثوار في الجزائر حراكًا لإجبار فرنسا على كشف أرشيفها الاستعماري والاعتراف بجرائمها في الجزائر. وتحدثت quot;إيلافquot; إلى ثلاثة حقوقيين بشأن خطط جزائرية لإعادة الأرشيف المنهوب قبل نصف قرن.


كامل الشيرازي من الجزائر: تفيد معلومات متوافرة إلى مساعي حثيثة تبذلها فعاليات حقوقية لاسترجاع الكمّ الهائل من الأرشيفات التي استولت عليها فرنسا quot;الاستعماريةquot; لدى طردها من الجزائر في الخامس من تموز/يوليو 1962، وإذا كان الأمر ظلّ خلال عقود رهينة مناشدات ووعود، فإنّ الفصيل الحقوقي في الجزائر يعوّل هذه المرة على آلية قانونية مرنة وفعّالة متاحة، تكفل استعادة الجزائر آلاف المستندات والوسائط السمعية البصرية الخاصة بماضٍ لا يزال غامضًا ويمتد إلى حدود قرن ونيف.

من نتائج الاحتلال الأوروبي التجارب النووية التي نفذتها فرنسا في الجزائر

في هذا الصدد، يكشف حسين زهوان، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (منظمة مستقلة)، عن تنسيق جارٍ لتحريك دعوى على مستوى القضاء الدولي للتعجيل في استرجاع بلاده للأرشيف، مشيرًا إلى افتقار فرنسا إلى أي داعم قانوني يبرر استمرارها في التحفظ على الأرشيف الجزائري رغم انقضاء الفترة القانونية للإفراج عنه.

يدرج زهوان أنّ فرنسا تعتبر هذا الأرشيف من أسرار دفاعها القومي، رغم خطورة انعكاسات رفضها تحديد مكان دفن النفايات المشعة التي تشكل تهديدًا خطرًا للجزائريين، في وقت يقدّر متابعون أنّ استعادة الأرشيف مرهونة بزوال نفوذ الأقدام السوداء (قدماء المستوطنين الفرنسيين في الجزائر)، وقد هدّد بعض من هؤلاء بحرق مقر الأرشيف في منطقة quot;أكس أون بروفانسquot; في جنوب فرنسا.

ويقدّر زهوان أنّ quot;التعاميquot; الفرنسي راجع بنظره إلى خشية فرنسا الرسمية من الإطلاع على أرشيفات سوداء، مثلما أنّ المسألة تتصل بحساسية بعض المستندات بالنسبة إلى الفرنسيين، ما يدفعهم إلى الإمعان في ممارسة quot;حماية خاصةquot;، والاكتفاء بالتلويح بورقة التفاوض مع الجانب الجزائري، وهي quot;مناورةquot; تخدم باريس بحكم الثغرات التي تشوب ملف الذاكرة.

بدورها، تشدد الناشطة الحقوقية فاطمة الزهراء بن براهم على تركيز مواطنيها على الجانب القانوني كورقة ضغط مهمة لإجبار فرنسا على إرجاع ما أخذته دون وجه حق، إلى جانب تعمدها دحض حقائق مهمة تخصّ تاريخ وحضارة الجزائر، لاسيما وأنّ فرنسا لا تزال تحتجز كامل أرشيف الجزائر التاريخي، الذي استحوذ عليه الغزاة لدى اجتياحهم الجزائر عام 1830.

كما تشدد بن براهم على ضرورة دفع الطرف الفرنسي إلى فتح الأرشيف النووي، لتحديد مكان دفن النفايات السامة والمواد المشعة التي تشكل تهديدًا خطرًا للإنسان والبيئة في الجزائر، وعليه، تبرز بن براهم مضيها في مطالبة فرنسا بخرائط التجارب النووية، التي كانت صحراء الجزائر مسرحًا لها في ستينيات القرن الماضي، ما يبرز حساسية إرغام فرنسا على إظهار الأماكن التي تعمدت تلويثها بأسلحة جرثومية.

حسين زهوان
فاطمة الزهراء بن براهم
مصطفى فاروق قسنطيني

وتدعو المحامية المخضرمة إلى تكثيف الضغط على المحتل القديم لدفعه إلى تسليم الأرشيف للفترة الممتدة ما بين 1942 إلى 1962، فضلاً عن مجموعة الوثائق التي استولت عليها الإدارة الاستعمارية، وتخص في الأساس مرحلة ما قبل احتلال فرنسا للجزائر في الرابع من تموز/يوليو 1830، في وقت يلفت المؤرخ quot;محمد القورصوquot; إلى أنّ اتصالات جرت بين 1980 و1981 بين مركز الأرشيف الجزائري ومصلحة الأرشيف التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية كانت على وشك الانتهاء، لكن تهديد بعض الأقدام السوداء بحرق مقر أرشيف quot;أكس أون بروفانسquot; في جنوب فرنسا، أجهض الاتفاق، موضحًا أن الحادث وقع في سياق رهانات الانتخابات الفرنسية التي واجهت فاليري جيسكار ديستان وفرانسوا ميتران آنذاك.

من جانبه، يلفت مصطفى فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الوطنية لحماية وترقية حقوق الإنسان (هيئة حكومية) إلى أنّ مماطلة فرنسا في تسليم كل أرشيف الثورة، واكتفاءها ببضع وثائق لا تغني ولا تسمن من جوع على غرار خرائط الألغام التي أودت بحياة الآلاف من الأبرياء في الماضي، جريمة يعاقب عليها القانون الدولي.

كما يؤكد أنّ تغييب هذا الأرشيف وما يمثله من مرجعية أساسية للكتاب والمؤرخين، أسهم في ترويج معلومات مغلوطة عن التاريخ الجزائري الحديث، وحالة من التشويه المقصود للثورة التحريرية ومحاولة (تجميل) الصورة البشعة للمحتل الفرنسي القديم، عبر إدامة (أرشيف مغلق يوجد محلّ تستر)، رغم أنّ quot;حقوق الشعوب لا تسقط بالتقادمquot;، تمامًا كمحاولة البعض القفز على آلام الجزائريين.

ويركّز متخصصون على ضرورة فتح الأرشيف النووي، لإدراك حقيقة الـ17 تفجيرًا نوويًا نفذتها فرنسا بين 13 شباط/فبراير 1960 و16 تشرين الثاني/نوفمبر 1966، وأسفرت عن مقتل نحو 42 ألف شخص، استخدمتهم فرنسا كـquot;فئران تجاربquot;، في تجارب نووية فاقت قوتها التفجيرية خمسة أضعاف قنبلة هيروشيما، ولا يزال آلاف الضحايا وسكان المنطقة يطالبون بمعرفة حقيقة ما جرى، في وقت تبقى فرنسا مصرّة على تحديد مكان دفن النفايات السامة والمواد المشعة التي تشكل تهديدًا خطرًا للإنسان والبيئة في الجزائر، تمامًا مثل معضلة الألغام الفرنسية التي زرعتها فرنسا في الجزائر.

حيث تسبّب 11 مليون لغم زرعها الجيش الفرنسي في الجزائر خلال الثورة التحررية (1954-1962)، في مقتل ما لا يقلّ عن 12 ألف شخص، بينهم 7328 جزائريًا خلال السنوات العشر الأخيرة، ناهيك عن تسببها في إعاقات وعاهات مستديمة لمئات الآخرين، وهي أرقام مخيفة برأي الخبراء، علمًا أنّ بيانات رسمية تؤكد أنّ ثلاثة ملايين لغم مضاد للأفراد، لا تزال مطمورة على طول الحدود الغربية والشرقية للجزائر شرقًا وغربًا على طول 1160 كلم، بعدما نجح جيشها في إتلاف ثمانية ملايين لغم خلال السنين الماضية.

ويقول باحثون لـquot;إيلافquot; إنّ الأرشيف المصادر من طرف فرنسا، يغطي زمن التواجد العثماني في الجزائر، إذ يعود إلى سنة 1516، إضافة إلى وثائق مهمة سبقت الغزو الفرنسي للجزائر، ووثائق أخرى تتعلق بكل الممارسات التي قام بها النظام الاستعماري الفرنسي في الجزائر، من مراسلات رسمية وأوامر بالقتل والاعتقال، وإحصائيات موثقة لكل ضحايا الممارسات الفرنسية البشعة، ولائحة بأسماء الذين خانوا بلادهم، ووثائق أخرى مهمة حول فترات دقيقة من تاريخ الجزائر، تتوزع بين مداولات الجهاز القضائي الفرنسي في الجزائر، ومراسلات رسمية لثوار جزائريين، وما طبع حكاية (فصل صحراء الجزائر عن الشمال)، وقد وضع المشرّع الفرنسي شروطًا تعجيزية تقضي بانقضاء مئة سنة للاطلاع عليها.