أوردت تقارير صحافية عن شهود عيان قولهم إن المجزرة التي وقعت أخيرًا في مدينة التريمسة الصغيرة ربما كانت الفظاعة الأبشع التي تُرتَكب منذ بدء الانتفاضة في سوريا.
من مراسم دفن جثث ضحايا مجزرة التريمسة |
أشرف أبوجلالة من القاهرة، وكالات: وصف سكان المدينة السورية المحاصرة الطريقة التي تمت من خلالها مطاردتهم من منازلهم وملاحقتهم من جانب قوات النظام بعد سبع ساعات من القصف المتواصل أثناء القيام بهجوم واسع النطاق خلَّف وراءه أكثر من 150 قتيلاً يوم الخميس الماضي.
وتحدثت الدفعة الأولى من المراقبين، التي وصلت إلى المدينة المُدَمَرة يوم أمس السبت، عن مشاهد الدمار الكثيرة، في وقت بدا فيه أن حالة من الصدمة تهيمن على كثيرين، لدرجة جعلتهم غير قادرين على التحدث عن محنتهم، وقد تم وصف ما حدث في هذا المجتمع الزراعي الصغير، الذي يتألف من ستة آلاف نسمة، ويقع في الجزء الشمالي الغربي من حماه، بأنه أسوأ فظاعة يتم ارتكابها منذ أن بدأت الانتفاضة السورية.
في حديث لهم مع صحيفة الأوبزرفر، حمَّل اثنان من شهود العيان من التريمسة قوات النظام والشبيحة مسؤولية الهجوم، الذي جعل كثيرين يفرون من منازلهم واختفاء أكثر من 100 شخص. وقالت سيدة من هناك تدعى أم خالد: quot;لم نفهم سبب تهجمهم علينا. فنحن لم نضر بالمنطقة. وكل ما نقوم به هنا هو تنظيم المظاهراتquot;.
وأضافت أم خالد، التي عاشت حياتها كلها في التريمسة، أن الأشخاص الذين كانوا يحاولون الهرب عبر الحقول القريبة كان يتم ضربهم بالرصاص. وزعمت أن قوات النظام قامت بأخذ بعض الجثث، بينما تم تكبيل أيادي البعض الآخر، ومن ثم إعدامهم من دون محاكمة.
في مقابل ذلك، بثت وكالة الأنباء السورية الحكومية يوم أمس روايات مفصلة بخصوص ما حدث في التريمسة، حيث عزت المجزرة التي وقعت هناك إلى إحدى العصابات الإرهابية، التي تتألف من 200 إلى 300 رجل، وقد زعمت أنها تضم مقاتلين عربًا وأجانب، وكشفت عن أسماء وصور أربعة منهم، قالت إنهم من الزعماء.
وهي المزاعم التي نفاها تماماً هذان الشخصان المقيمان في التريمسة، وكذلك المزاعم التي تحدثت أيضاً عن أن مدينتهم دعمت إحدى الجماعات الإرهابية أو تعرّضت للتخريب من قبل أي من تلك الجماعات. وأكد الشخصان في الإطار عينه أن الجيش السوري الحر لا يحظى بوجود قوي في المدينة. وتابعت أم خالد حديثها بالقول: quot;أقسم أنه لا يوجد بيننا أي إرهابيين أو سلفيين أو أي شخص من الخارج. والناس هنا مذعورون منذ قدوم قوات النظام للقرية في مطلع العام وقتلها 40 شخصاً مناquot;.
بينما قال شخص آخر مقيم في التريمسة، فضّل أن يتم تعريفه فقط باسم محمد، quot;بدأت عمليات القصف في تمام الساعة الـ 5.30 صباحاً وانتهت في تمام الـ 2 ظهراً. وبدأ التوغل في منتصف النهار من شمال القرية. ودخل الشبيحة ورجال جيش النظام القرية، واحتلوا أسقف المباني المرتفعة وبدأوا في إطلاق النار على أي شيء يتحركquot;.
وتابع محمد: quot;أطلقوا النار على كثير من المدنيين في الرأس، وبعدها أقدموا على دفن الجثث. وقاموا بتكبيل أيدي المدنيين، ثم قاموا بإطلاق النار عليهم في الرأس. وقاموا بحرق المتاجر والمنازل والعائلات بداخلها. وبعد ما حدث، حاول أعضاء الجيش السوري الحر دخول القرية للمساعدة على دفن الشهداء وإعانة الجرحى، لكنهم لم يتمكنواquot;.
وأعقب بقوله: quot;أخذ المجرمون الكثير من جثث الشهداء والمدنيين المصابين معهم، وبات كثير من الأشخاص في عداد المفقودين، وقاموا بحرق الجثث بما لا يسمح بتحديد هوياتهمquot;.
وقال مراقبو الأمم المتحدة، الذين دخلوا التريمسة يوم أمس، إن الهجوم استهدف على ما يبدو منازل وجماعات بعينها، معظمهم من الناشطين والمنشقين عن الجيش. وأوضحت الأمم المتحدة أن مراقبيها في سوريا شاهدوا مروحيات ودبابات، وهي تقوم بقصف التريمسة يوم الخميس، وقالوا إن سلاح الجو السوري قام بدور أساسي في الهجوم.
وعاود محمد ليقول: quot;دائماً ما كانت العلاقة بيننا وبين القرى العلوية سلمية، لكن بعض الشبيحة يأتون من هناكquot;. وختمت الصحيفة مع أم خالد بنقلها عنها قولها: quot;لم تحدث بيننا وبينهم مشاكل منذ مدة طويلة، لكننا أصبحنا نخشاهم الآن. ولا نريد أن نقترب من قراهمquot;.
وفتح احد سكان البلدة امام عدة اشخاص باب خزانة في منزل متفحم وقال: quot;لقد اختبأ شاب في هذه الخزانة، وعندما كشف الجنود مكانه قتلوه بكل دم باردquot;.
ولا تزال آثار بقعة دم ظاهرة تحت الخزانة مع أن لونها مال الى السواد نتيجة الحريق الذي التهم المنزل. وقد احرق ما بين 20 و30 منزلاً في هذه البلدة اضافة الى مدرسة في الهجوم الذي شنه الجيش الخميس. وقال الرجل الذي قاد مرافقيه الى منزل عائلة اليونس مصطفى المعروفة بدعمها للمتمردين quot;في هذا المنزل تم ذبح عدد من الاشخاصquot;.
وداخل المنزل لا تزال عدة جثث متفحمة ملقاة على الارض رغم مرور ثلاثة ايام على الهجوم الذي وصفته المعارضة مع قسم من المجتمع الدولي بـquot;المجزرةquot;.
وخارج المنزل شوهدت بقايا بشرية وقد تطايرت بسبب انفجار قنابل يدوية. اما الحمام الموجود خارج المنزل فبدا غارقًا بالدماء التي غطت جدرانه وأرضيته.
ويؤكد السكان لمراسل فرانس برس أن المهاجمين هم من الشبيحة الذين استخدموا ايضًا السلاح الابيض في هجومهم، كما اقتادوا معهم عددًا من الاشخاص بعد اعتقالهم.
ويروي السكان أن الدبابات استهدفت المنازل بقذائفها قبل أن يدخل الشبيحة لنهبها واحراقها.
وفي منزل مدرس اللغة الانكليزية محمود درويش لا تزال بقع الدماء ظاهرة على الارض. ويؤكد السكان أن الجثث اخرجت من هذا المنزل بالعشرات بعضها قضى ذبحًا وبعضها الآخر بالرشاشات أو القنابل اليدوية.
اما مستشفى البلدة المتواضع فتعرض لاضرار جسيمة وبدا وأنه كان مستهدفًا بالقصف.
وترك المهاجمون على جدران البلدة تحذيرات واضحة قبل انسحابهم مثل quot;بشار هو الرئيس أو البلاد الى الحريقquot; وquot;انتم فئران ونحن اسودquot;.
وفي المقبرة الرئيسية للبلدة حفر السكان على عجل نحو اربعين حفرة قبل يومين لدفن القتلى واكدوا أنهم وضعوا ثلاث جثث في كل حفرة. حتى أن الحفر لا تزال من دون شواهد ولا اسماء.
وفي مقبرة اخرى اكد احد السكان أن مئة جثة دفنت فيها.
ويؤكد المرصد السوري لحقوق الانسان أن القصف والمعارك في التريمسة اوقعت اكثر من 150 قتيلاً بينهم عشرات المقاتلين من المعارضة. واوضح ايضًا أن بعضهم quot;اعدمquot; أو قتل بينما كان يحاول الفرار في حين تم احراق نحو ثلاثين جثة.
التعليقات