تختلف التقديرات حول المكان الذي يتواجد فيه الرئيس السوري بشار الأسد وعائلته، في وقت تنتشر في الصحافة الغربية صور من ألبوم يظهر لحظات حميمة كان يعيشها الأسد مع عائلته.


لندن: يعتقد البعض أن بشار الأسد وزوجته أسماء يختبئان في ملجأ محصّن تحت دمشق ويقول البعض الآخر إنهما انتقلا إلى قصر محاط بحراسة مشددة في مدينة اللاذقية الموالية للنظام.

وقبل أيام، كانت سوريا تعجّ بالشائعات القائلة إن أسماء الأسد نفسها هربت إلى موسكو مع أطفالها الثلاثة، بعد تفجير مبنى الأمن القومي الذي أسفر عن مقتل أربعة من كبار مسؤولي النظام الأمنيين والعسكريين، بينهم صهر زوجها. وفي النهاية، اضطرت وزارة الخارجية الروسية إلى نفي النبأ، وقال المتحدث باسم الوزارة الكسندر لوكاشيفيتش quot;إن هذه مصيدة إعلامية سيئة النية وأنصحكم بعدم الوقوع فيهاquot;.

ولكن انتشار مثل هذه التكهنات ليس مستغربا بعد أن وصل مقاتلو المعارضة إلى بوابة قصر الأسد في دمشق.وكانت تونس العام الماضي إحدى الدول العربية التي عرضت، بعيدا عن الأضواء، على أسرة الأسد ملاذا آمنا فيها إذا تنحوا عن السلطة. وايران احتمال آخر وكذلك روسيا، حامية النظام الأولى في مجلس الأمن الدولي.

ومن الطبيعي ان يريد الوالدان حماية أطفالهما وهذا ما فعله كثير من السوريين على اختلاف انتماءاتهم بالنزوح أو التخطيط للنزوح هربا من أعمال العنف.ومن المفارقات اللافتة في موقف الثنائي بشار وأسماء الأسد، بعد 18 شهرا من القمع الدموي لشعبهما، أنهما حاولا الحفاظ على أقرب ما يمكن إلى الحياة العائلية الطبيعية وسط الاعتقالات وأعمال التعذيب وآلاف القتلى في حملة الأسد ضد المحتجين على حكمه.

ويلاحظ مراقبون أن هذا الثنائي لم يكن ذات يوم عائلة اعتيادية بقصورهما وطائراتهما الخاصة، وثروتهما التي تزيد على مليار دولار. ولكن صورا فوتوغرافية نُشرت الآن لأغراض دعائية على ما يبدو، تبين بتفاصيل دقيقة كيف يعيش الإثنان حياة عائلية ملؤها الدفء، حياة لن يتسنى لهما العودة إليها ابدا بعد اليوم.

ويظهر بشار الأسد في الصور يحيط أطفاله الصغار بحنان الأب ومحبته متبادلا النكات مع زوجته المولودة في بريطانيا، يطفئ الشموع في عيد ميلاد ابنته الثاني. وفي صورة أخرى تظهر العائلة بمزاج استجمامي منشرح خلال رحلة جوية ربما على متن طائرة العائلة الخاصة من طراز فولكون 900 إلى قصرهما المفضل قرب اللاذقية على البحر المتوسط. ويُشاهد بشار نفسه يلتقط الصور مستمتعا بهوايته المفضلة.

وأُعطيت الصور الفوتوغرافية المستلَّة من البوم أسماء الأسد الخاص إلى صديق أجنبي في دمشق قبل اندلاع الانتفاضة في ربيع العام الماضي. ويُعتقد أنها التُقطت قبل 5 إلى 7 سنوات في سوريا ربما على يد مصوّر محترف. ويبدو أن الهدف منها تصوير العائلة على انها عائلة سعيدة، اعتيادية، عصرية. وتبدو حميمية الثنائي عفوية بحيث من المستبعد أن تكون مفتعلة أُخرجت لأغراض دعائية، كما ترى صحيفة الديلي تلغراف.

ولكن ما لم يره المصور وغالبية الزوار إلى سوريا وقتذاك هو أقبية التعذيب والدبابات والأسلحة الكيمياوية، التي تعتمد عليها الأسرة للاستمرار في حكمها الغاشم.

وما لا تراه العين بين صور حافظ ابن العشر سنوات الآن، وشقيقته زين ابنة الثماني سنوات، وشقيقهما كريم ابن السبع سنوات، هم الأطفال السوريون الذين لم يكونوا محظوظين مثلهم فقُتلوا خلال الانتفاضة، بعضهم تمزقت أشلاؤهم بالقصف المدفعي ضد الضواحي الثائرة وآخرون ذُبحوا في قراهم على ايدي شبيحة النظام في عربداتهم الانتقامية.

وحين التُقطت الصور الفوتوغرافية كان الأسد لم يزل رئيسا جديدا نسبيا يبشّر بنمط حكم جديد، وترك انطباعا بأنه رجل عصري منفتح واعداً بالاصلاح وتغيير الاتجاه. وكان بشار تزوج من أسماء بمراسم زفاف خاصة عام 2000 في دمشق يوم كانت وعوده في ذروتها.

وانغمست أسماء الجميلة، الذكية، الأنيقة، في العمل الخيري ودخلت قلوب الكثير من السوريين الذين كانوا تواقين إلى نفحة من الهواء المنعش، بعد سنوات من ركود الدكتاتورية. ويبدو أن صفاتها هذه كانت رصيدا وظفه زوجها لصالح حكمه، بحسب صحيفة الديلي تلغراف.
وطبقا لرواية أسماء نفسها التي نُشرت في مقابلة سيئة التوقيت مع مجلة فوغ تحت عنوان quot;وردة الصحراءquot; ، قبيل اندلاع الانتفاضة العام الماضي ، فان علاقتها ببشار بدأت عام 2000 قبل اشهر على وفاة والده ووراثته الرئاسة.

وكانت أسماء الأسد ولدت في لندن عام 1975 ونشأت في منطقة ايلنغ غربي العاصمة البريطانية وتعلمت في مدارس بريطانيا. وكانت تعرف بشار منذ طفولتها. فهو أيضا عاش في لندن للدراسة والعمل طبيب عيون. وحين كانت علاقتهما مستمرة عاد بشار إلى سوريا فيما واصلت أسماء حياتها المهنية في مصرف استثماري قبل أن تترك عملها من أجله.

وقالت أسماء لمجلة فوغ في حينه، إنها تركت العمل في تشرين الأول (اكتوبر) quot;لأننا وقتذاك كنا نعرف اننا سنتزوج في وقت ماquot;. وأضافت أنها لم تتمكن من البوح بأسباب استقالتها من عملها، وأن مديرها ظن أنها كانت مصابة بانهيار عصبي لأن لا أحد يستقيل قبل شهرين على نيل المكافأة عن ابرام صفقة مالية، كما فعلت أسماء.

وكان عام 2000 عاما استثنائيا لزوجها البالغ 46 عاما الآن. فوالده حافظ الأسد كان رئيس سوريا وأحد حكام الشرق الأوسط الاستبداديين. وخلال ثلاثة عقود من حكمه بقبضة حديدية دعم جماعات إرهابية ونفذ مجازر مريعة ضد خصومه، عندما كانوا يتجرأون على تحديه، وخاصة مجزرة حماة 1982 التي يُقدر ان 20 الفا قُتلوا فيها. وكان حافظ الأسد أعد نجله البكر باسل لوراثته، ولكنه قُتل في حادث سير فوجه الأب اهتمامه نحو بشار، الذي استمرت عملية تهيئته للرئاسة ست سنوات قبل وفاة والده.

واستبشر كثير من السوريين بمجيء بشار إلى السلطة، رغم توليه الرئاسة بالوراثة. إذ كان حافظ الأسد اباً صارما وبعيدا، طاغية في حياته العامة والخاصة، وربما كان هذا من اسباب خجل بشار الشاب وافتقاره إلى الثقة بالنفس. وكانت عائلة بشار الحميمة والعصرية جزءا بالغ الأهمية وفائق النجاح، من الصورة التي نقلها إلى العالم.

وفي منطقة زاخرة بالمتطرفين الاسلاميين، حرص بشار على تقديم العائلة بوصفها عائلة عصرية وعلمانية.
وبحسب القليل من الأجانب الذين اطلعوا على حياة العائلة في البيت، فان الصورة العامة كانت صادقة. وقال الكاتب الأميركي ديفيد ليش، الذي قابل عائلة الأسد في جلسات خاصة عدة مرات، لصحيفة صندي تلغراف إن بشار وأسماء كانا يريدان حياة طبيعية قدر الإمكان لأطفالهما رغم أن الوالدين quot;هما الثنائي الأول في سورياquot;.

وروى الكاتب الأميركي أن عائلة الأسد quot;كانت تقضي غالبية وقتها في منزل متواضع ذي ثلاثة طوابق في دمشق، لهم جيران على جانبي البيت. وكانا حريصين على أن يمضي كل منهما وقتا مفيدا، متى ما تسنى لهما ذلك، مع أطفالهما كل يوم. وكان لديهما مقر خفي يلوذ به الثنائي في دمشق حيث التقيتُ أسماء وبشار كلا على حدة، وحيث كثيرا ما كانا يأتيان بأطفالهما أثناء العمل ليتمكنا من قضاء بعض الوقت معهمquot;.

وكان الثنائي يتجولان في دمشق بسيارة ذات دفع رباعي تقودها أسماء الأسد. وتروي مجلة فوغ كيف اصطحبت أسماء الممثلة الأميركية انجلينا جولي، والممثل براد بت، في جولة بسيارتها حول دمشق. وكان الثنائي بشار وأسماء يُشاهدَان أحيانا يتمشيان وحتى يفاجئان الجمهور في المسارح بالجلوس بينهم. وكان ذلك كله مثيرا للسوريين بعد عقود من حكم والد الرئيس الشاب.

وجرى تجميل صور الثنائي اللذين يريدان ان يعيشا حياة طبيعية في سوريا حيث حببتهما الصورة لكثير من السوريين طيلة سنوات ولكنها كانت صورة صادقة، بحسب صحيفة الديلي تلغراف مشيرة إلى أن quot;الحياة الطبيعية التي كانا يبحثان عنها ولت إلى الأبدquot;.

كان الأسلوب عصريا ولكن الإصلاح المرتجى لم يحدث قط وجوبهت الاحتجاجات التي أعقبت انتفاضات مصر وليبيا واليمن، بالعنف والعنف المضاد اللذين افلتا الآن من السيطرة.ولا بد ان تلك الأيام السعيدة تبدو الآن بعيدة بنظر أسماء وبشار الأسد. وأينما تكن أسماء الآن فانها قد تقلب البوم صور العائلة، في عملية هروب تتذكر بها كيف كانت أيامهما حين كانا عائلة سوريا الذهبية.