المبعوث الدولي إلى سوريا كوفي أنان

يخشى مقرّبون من المبعوث الدولي إلى سوريا كوفي أنان، أن يكون إرث الأخير في خطر، وأن صورته كصانع سلام سوف تهتز بسبب فشل مهمته لإنهاء نزيف الدم في سوريا، ويرى البعض أن أنان سوف يكون quot;كبش محرقةquot; ويحمل المسؤولية بدلا من قوى كبرى ومنها الولايات المتحدة.


دخلت خطة المبعوث الدولي كوفي انان لانهاء سفك الدماء في سوريا طريقا مسدودا في تموز/يوليو لتكون ضحية أخرى من ضحايا النزاع المحتدم دون ان تلوح في الأفق بوادر هوادة فيه.

ولكن فشل انان ربما كلفه ثمنا آخر هو سمعته كصانع سلام مسلكي ، وبالتالي زعزعة الثقة بجدوى الدبلوماسية في حل ما يتضح الآن انها من أشد الأزمات التي اقترنت بالربيع العربي استعصاء.

وكان زعماء العالم وخبراء الأمم المتحدة أثنوا على انان لشجاعته في القبول بتولي ما سموها quot;مهمة دبلوماسية مستحيلةquot;. ولكنه بين الناشطين السوريين والمنتقدين العرب تعرض للذم بوصفه متواطئا مع الرئيس بشار الأسد. ويخشى كثير من القريبين من انان ان يكون ارثه في خطر وان الوقت حان لمواجهة الواقع والاستقالة من منصبه مبعوثا خاصا.

وقال مسؤول أممي كبير منخرط في الجهود الدبلوماسية بشأن الأزمة السورية لصحيفة واشنطن بوست طالبا عدم ذكر اسمه انه يشفق على انان quot;ليس لأنني موال قديم بل لأن مهمة كهذه أُنيطت بهquot;. واضاف المسؤول انه لو كان مكان انان لفكر جديا في الاستقالة. وتساءل quot;لماذا الاستمرار في مناطحة جدار وقد أصبح شخصية مكروهة في مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم؟ ومن أجل ماذا؟quot;

ويعكس هذا الحكم المرير قناعة بين مراقبين متعاطفين مع انان بأنه مرشح لأن يكون كبش محرقة يُحمَّل مسؤولية قوى اساسية بينها الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب والاوروبيون الذين لم يتمكنوا من اقناع الأسد أو حمله على الكف عن القتل فضلا عن روسيا والصين اللتين أجهضتا جهود المجتمع الدولي في مجلس الأمن لمعاقبة الأسد على افعاله.

ولكن منتقدين يقولون إن انان سمح بأن يستخدمه الأسد وحماته الروس والصينيون في محاولة ساذجة اتاحت للنظام السوري كسب الوقت كي يسحق المعارضة.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن جيمس تراوب الذي نشر كتابا عن الأمين العام السابق للأمم المتحدة quot;ان هذا نوع من التقارب الذي حدث صدفة بين استعداد كوفي لتجريب شيء قد يبدو معه وكأنه ساذج ورغبة العالم في دفعه الى التجريب لأن العالم ليس لديه ما هو أشد فاعلية وقوة يكون مستعدا للقيام بهquot;.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون طلب في آذار/مارس العام الماضي ان يخرج انان من حياة التقاعد ويعمل وسيطا في سوريا إثر مناشدات من وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ولاعبين كبار آخرين.

الأسد حاول استغلال خطة أنان لكسب الوقت

وبدا انان الفائز بجائزة نوبل للسلام والذي يسميه البعض quot;البابا العلمانيquot; ، خيارا طبيعيا لأسباب منها تمتعه بثقة جميع القوى الأساسية.

وفي حين رُبط اسم انان بعدد من اكبر اخفاقات الأمم المتحدة بعد توليه قسم عمليات حفظ السلام خلال اعمال القتل الجماعي في البوسنة ورواندا فإن في رصيده منجزات دبلوماسية ايضا مثل استقلال تيمور الشرقية عن اندونيسيا، وفي عهد اقرب التوسط في عقد اتفاقية سلام معقدة في كينيا. كما ان لديه سجلا من العمل مع الأسد.

ويقول انان في مذكراته التي ستصدر قريبا انه لم تكن لديه اوهام بشأن السلام عندما تولى مهمته الأحدث ولكنه ظن ان الأسد quot;رجل عصريquot; مستعد لتنفيذ اصلاحات في سوريا.

وتنقل صحيفة واشنطن بوست عن مذكرات انان الموسومة quot;تدخلاتquot; ان رد الأسد على الانتفاصة الشعبية quot;أكد شكوكي الأشد مدعاة للقلق بأنه رجل.... مستعد لاستخدام كل الوسائل من اجل الاحتفاظ بالسلطةquot;.

ويرى مراقبون أن خطة السلام التي أعدها أنان لسوريا خدمت الأسد من نواحٍ متعددة.فهي أوقفت الحديث عن فرض عقوبات دولية وأعادت صوغ المناظرة الأممية من مناظرة تشترط رحيل الأسد الى مناظرة تضعه بثبات في مركز أي تسوية سياسية للأزمة.


وحين استفسر الأسد من انان عما يترتب على الانتقال السياسي في سوريا أجابه بأن الانتقال quot;سيؤدي الى أي شيء تتفقون بشأنه على طاولة المفاوضاتquot; ، كما افادت صحيفة واشنطن بوست نقلا عن دبلوماسي قريب من انان.


وقال الناشط السوري المقيم في بيروت شكيب الجابري ان وقف اطلاق النار الذي أُعلن في 12 نيسان/ابريل بوساطة انان قدم فوائد ملموسة بتوقف اعمال العنف وفرض قيود على قوات الأسد وخاصة في منطقة ادلب.

ولكن بمرور الوقت تردّت سمعة انان مع شروع الدبابات السورية في قصف مناطق سكنية بمنأى عن العقاب فارضة على المراقبين الدوليين العُزَّل ان يعلّقوا دورياتهم ومقوضة آفاق المحادثات السياسية. ورفع متظاهرون في انحاء سوريا خلال شهر تموز/يوليو شعارات تنادي بسقوط انان quot;خادم الأسد وايرانquot;.

وأدركت المعارضة ان الأسد لن يرحل بالطرق السلمية وكانت تأمل في أن يتوصل انان الى النتيجة نفسها.

وقال الجابري quot;ان هذا لم يحدث على ما يبدوquot; مضيفا ان خطة انان لم تصل الى نتيجة بل quot;ماتت وقضى الأمرquot;.

وقال سلمان شيخ المسؤول السابق في الأمم المتحدة ومدير مركز بروكنز الدوحة ان وساطة انان قوضتها ثقته الفطرية بقوة الدبلوماسية. وأوضح شيخ قائلا ان انان quot;لن يفعل ما هو ليس في سليقته فيتخذ موقفا اشد حزما بكثير ويحاول ان يفرض على النظام الاستسلام. وكان يعتقد انه يستطيع ان يغير موقف الروسquot;.

وتابع شيخ ان quot;لا أحد يؤمن بخطة انان ، لا في المنطقة ولا في المعارضة ، ولا حتى في عواصم غربية. ان مصداقيته مثلومة برأيي وخاصة بين المعارضة على الأرض ، وهي ما يُحسب حسابهquot;.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين قريبين من انان انه شعر بخيبة أمل مريرة لفشل القوى الكبرى في التوصل الى حل توافقي على طريق التحرك الى الأمام في سوريا ومحاولات دول خليجية لتخريب الخطة بتقديم السلاح الى المعارضة. ولكنه ما زال يحاول ايجاد طرق لاحياء الخطة ، بحسب هؤلاء المسؤولين.

وقال مسؤول أممي كبير منخرط في الجهود الدبلوماسية بشأن الأزمة السورية إن quot;لا أحد يستطيع أن يلوم المعارضة على شعورها بالسخط والإحباط. فنحن جميعا نشعر بالسخط والإحباط ولا يبدو اننا قادرون على التأثير في الأحداث على الأرض ، ونستيقظ كل يوم مدركين ان الوضع يفلت من السيطرة ، بمن فينا أنانquot;.

المتعاطفون مع انان يختلفون مع الآراء القائلة انه كان متساهلا مع الأسد وسنده الرئيس روسيا مشيرين الى انه طلب من مجلس الأمن معاقبة اولئك الذين يعرقلون خطته. وعقد انان اجتماعا استمر ساعة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تموز/يوليو لإيصال رسالته quot;وهو كان يعني ما يقولquot; ، بحسب الدبلوماسي القريب من المبعوث الدولي. وقال الدبلوماسي الذي كان حاضرا في الاجتماع ان انان quot;ابلغ بوتين بكل صراحة quot;عليك ان تُدرك ان الأسد راحل طال الزمن أو قصر ، وعليك ان تتخلى عنه آجلا أو عاجلاquot;.

في النهاية لم يكن هناك اتفاق ، واستخدمت روسيا والصين الفيتو للمرة الثالثة ضد قرار مدعوم من الغرب يهدد بفرض عقوبات ضد النظام السوري ، وبذلك قتلتا عمليات جهود انان من اجل السلام.

وقال مارك لينتش استاذ سياسة الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن quot;بمفردات الحكم على انان من الواضح انه لم ينجح في الهدف الرئيس الذي كان يعمل من أجله ولكني اقول لكل من سخر من فكرة انان في تحقيق انتقال بوساطته ان الفكرة قد تبدو في نهاية المطاف أشد جاذبية بكثير لدى النظر اليها لاحقا من الفوضى التي يمكن ان نراها إذا اتخذ الوضع منحى نحو الأسوأquot;.