عودة العراقيين القسرية إلى بلدهم تثير قلقهم

يبدي عراقيون عادوا مؤخرًا من سوريا التي تشهد انتفاضة شعبية تطالب بالإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، قلقهم على مستقبلهم في بلدهم الأم، بعدما تركوا خلفهم الكثير من المصالح والاموال والاستثمارات، بالإضافة إلى قلق معارضين عراقيين عادوا أيضًا إلى بلدهم من الملاحقات القانونية والعشائرية.


يؤكد عراقيون عائدون من سوريا، أن عودتهم المفاجئة ، لم تتح لهم تصفية الكثير من المصالح التجارية والاقتصادية، وفي الوقت ذاتهفإنهم يرزحون الآن تحت وطأة ترتيب حياتهم من جديد في العراق ، مع تضاؤل الآمال في الوعود التي اطلقتها الجهات الحكومية في تسريع اندماجهم من جديد في المجتمع .
ويقول سعد الفتلاوي الذي مضى على اقامته في سوريا حوالي عشرين عامًا، إن العودة بالنسبة لكثيرين تمثل مأزقاً لاسيما للسياسيين المعارضين، وآخرين كانوا يحسبون على النظام السابق بينهم شرطة وضباط ومسؤولون في أحزاب كانوا مطلوبين في العراق ليس من جهة الدولة فحسب، بل من جهات عشائرية وأفراد .
مشاكل العودة
ويعترف كريم سهيل أنه اضطر البقاء خارج العراق لأن عودته الى الوطن تسبب له مشاكل كبيرة بسبب اتهامات وجهت له بقتل رجل ، في مدينة البصرة ، مما اضطره الى العيش في مكان آخر ( رفض ذكر اسمه ) تجنبًا لتأزم الامر مرة أخرى .
وترك سهيل العراق منذ عشر سنوات بعد اشتباكات عشائرية راح ضحيتها عدد من الاشخاص .
عودة قسرية
حالة أخرى ترويها ام غصون التي كانت ضحية العودة القسرية من سوريا بحسب تعبيرها ، فقد كانت ام غصون تتمتع بصفة اللجوء في مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة في سوريا ، وكانت على وشك السفر الى أحد بلدان توطين اللاجئين وعلى الارجح كندا ، لكن القلق من الفلتان الامني في سوريا تسبب في عودتها المفاجئة الى العراق .
وعلى الرغم منأنها تلاحظ استقرارًا امنيًا يختلف كثيرًا عن الحال في عام 2008 ، وهي السنة التي تركت فيها العراق ، الا أنها ترى وضعًا مقلقًا لا تستطيع تحمله بسبب عدم قدرتها على اعالة نفسها بسبب البطالة ، اضافة الى غياب المساعدات من قبل الدولة . وتتابع : ما يحصل عليه العائدون من مساعدات حكومية هي عطايا ( رمزية ) لا تتلاءم مع الحاجة الحقيقية للفرد في حياته اليومية .
وأعلنت وزارة الهجرة والمهجرين أن عدد العراقيين العائدين من سوريا بلغ حوالي 12 ألف شخص، حيث خصصت منحة أربعة ملايين دينار بشكل مباشر ومن دون إجراءات روتينية عن طريق مراكز تسجيل العائدين.
عودة متخفية
من الظواهر الاخرى بين العائدين ما يتحدث به سعد الشريفي الذي هاجر الى سوريا عام 2004 لاتهامه بالانتماء الى حزب البعث واضطر بعد عودته الى العراق الى العيش متخفيًا في بغداد ، بعدما وجد صعوبة في العودة الى بلدته الاصلية في محافظة النجف ( 160 كم جنوبي بغداد) بسبب معرفة الناس بانتماءاته السابقة .
ويأمل الحاج ابو مصطفى الذي عاد الى مدينته بابل (100 كم جنوب بغداد) بعد ثماني سنوات من الاقامة في سوريا، في أن يجد سبل العيش الكريم من جديد في العراق بعدما تقطعت سبل العيش في حي جرمانة في دمشق حيث كان يقيم .
ويضيف : اعتبر عودتي قسرية من سوريا لانني هناك استطيع التواصل بشكل جيد مع اولادي المقيمين في الدانمارك وكندا والنرويج .
ويصف ابو مصطفى ما تعرض له وبعض العراقيين في سوريا بـ( الشنيع ) ويحمل دلالات التمييز الطائفي .
ويروي أن بعض المسلحين كانوا يخيفون العراقيين بغية ابتزازهم ، لإجبارهم على دفع الاتاوات .
ويؤكد ابو مصطفى أنه تعرض الى التفتيش الدقيق في سوريا ، لكنه تفاجأ أن نقاط التفتيش مازالت كثيرة في العراق ولم تنخفض وتيرة ، منتقدًا عدم توفير سبل العيش الكريم للعائدين لاسيما وأنه عاطل واضطر الى تأجير صغير على الرغم منأنه يعاني من البطالة .

الواقع .. يختلف
العودة إلى الوطن محفوفة بالمخاطر أحيانًا
ويكشف رعد الالوسي من بغداد أنه تعرض للمساءلة عند مدخل قضاء quot;ابو غريبquot; غربي بغداد، حيث وجهت له اسئلة تتعلق بالحرية الشخصية، وكذلك التوجه الفكري ، مبينًا أنه شعر في تلك اللحظة بعدم ( عراقيته ) وكأنه قادم من بلد آخر .
من جهتها، تنتقد المعلمة المتقاعدة لمياء الجبوري الروتين الذي تقوم به جهات أمنية ، مبينة أنه كان يتوجب عليها الانتظار لفترة طويلة لحين السماح لها بالدخول الى العراق ، مؤكدة أن هناك فرقاً شاسعاً بين ما ينشره الاعلام عن استقبال جيد للاجئين وبين ما يحدث على ارض الواقع .
والباحث الاجتماعي هيثم الخفاجي يؤكد أن اهم مشكلة يواجهها القادمون من سوريا البطالة وصعوبة ايجاد مصدر عيش .
من الامثلة على هؤلاء علاء الجنابي الذي امتهن تجارةالمواد الغذائية في دمشق لكنه عاد بخفي حنين بعدما تناثرت امواله بين بضاعة تركها هناك وبين ديون تراكمت على زبائن تفرقوا في اصقاع الارض .
يقول الجنابي : تهدم ما بنيته في سنوات ، خلال ايام قليلة فقط .
الجدير بالذكر أن الجهات الامنية العراقية تقوم بإجراءات تفتيشية يصفها البعض بأنها معقدة وتستغرق وقتًا طويلاً لغرض التأكد من هويات العائدين الى العراق.
ويقول مرتضى حسن الذي عاد الى بغداد بعد اقامة سبع سنوات في دمشق ، أن هناك اشاعات بين العراقيين في سوريا والعراق بأن السلطات العراقية ، تبحث عن بعض الاسماء التي لها صلة بتنظيمات حزب البعث في العراق .
ويؤكد احمد تومان أنه علق في احد نقاط التفتيش في ابوغريب لعدة ساعات حيث سرت شائعات بين العائدين أن الشرطة تبحث عن اشخاص لهم علاقة بجماعات ارهابية داخل العراق .
عودة مفاجئة
وسلك تومان مع الكثير من العائدين طريق حلب البري حيث كان القلق يساور الجميع من عصابات مسلحة يمكن أن تقطع الطرق كما حدث مع البعض .
ورأى تومان بأم عينه احتجاز افراد عراقيين ينتمون الى مذهب معين من قبل جماعات مسلحة .
لكن سعد حسن علي، الموظف في دائرة المهجرين في بابل، يرى أن عودة المقيمين في سوريا كانت مفاجئة للجهات المعنية لكن مع ذلك استنفرت الجهود لتقديم افضل الخدمات للاجئين .
ويطالب رعد هادي الذي تعرض مخزنه التجاري للسلب في حلب كما ترك عقارًا باسمه هناك يطالب الجهات المعنية العراقية بمتابعة ممتلكات العراقيين.
ويقلق هشام السامرائي من عدم قدرته على استعادة أملاكه في ريف دمشق ، حيث يمتلك شقة وعدداً من الدكاكين . ويشرح كيف هددته جماعات مسلحة بترك المكان موضحة له أنه كعراقي يتوجب عليه المغادرة .
لكن حميد البياتي عمل صائغًا للذهب في دمشق ، لم يطق العيش لعدة أشهر في العراق ، حيث قرر السفر للإقامة في الاردن مجددًا .
وهاجر البياتي مدينة النجف في نهاية الثمانينيات ، ولم يزر العراق منذ ذلك الحين .
ويؤكد سليم حسين أن غربة الثلاثة عقود بين الدول المختلفة جعلته اقل صبرًا في تحمل الظروف الاقتصادية والاجتماعية في العراق ، مما يضطره الى حزم أمتعته من جديد.