تعيش تونس جدلاً واسعاً حول مشروع قانونتجريمالمسّ بالمقدسات حيث يرحب بعض الأطراف المدنية والسياسية بهذا القانون في حين يعتقد آخرون أنه يمس بحرية التعبير ولا بد من إسقاطه.


تونس: على خلفية أحداث العنف والتخريب التي شهدتها تونس خلال شهر يونيو الماضي بسبب ما روّج في معرض العبدلية من رسوم رأى فيها البعض مسّا بالمقدسات الإسلامية، تقدمت كتلة حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي بمشروع قانون لتجريم المساس بالمقدسات.

واستنكر المثقفون وعدد من الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية مثل هذا المشروع، مؤكدين أنه يضيق على حرية التعبير بينما رحّبت به أطراف مدنية وسياسية أخرى.

المشروع تقدمت به حركة النهضة

وأوضح الحبيب خذر، عضو حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي والمقرر العام للدستور، في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّ بمشروع القانون المتعلق بتجريم الاعتداء على المقدسات والذي تقدمت به كتلة حركة النهضة جاء ليضبط المقدسات التي يحددها القانون ونقصد بذلك quot;الله سبحانه وتعالى والرسل والأنبياء والكتب السماوية والسنة النبوية والكعبة الشريفة والمساجد والكنائس والبيعquot;.

وأضاف أن الهدف من وراء ذلك هو الفراغ التشريعي الذي قد يؤدي إلى انفلاتات أمنية مثلما حصل أخيرًا بسبب معرض العبدلية.

وأفاد بأن المسّ بالمقدّسات وفق ما جاء به مشروع القانون يكون بـ quot;السب أو الشتم أو السخرية أو الاستهزاء أو الازدراء أو الاستنقاص أو التدنيس المادي والمعنوي سواء كان المسّ بالكلمة أو الصورة أو الفعل إلى جانب تشخيص أو تصوير الذات الإلهية والرسل كذلكquot;.

وسبق أن طالب رجال قانون وعدد من منظمات المجتمع المدني وجمعيات دينية المجلس الوطني التأسيسي بالتنصيص في الدستور على تجريم المساس بالمقدسات وتشديد العقوبة على كل محاولة لاستهداف مقدسات الشعب.

وأكد نزيه الصويعي، رئيس حزب الجمهوريين الأحرار،في تصريح لـquot;إيلافquot; أن لا فائدة ترجى من سنّ قانون جديدة لتجريم المساس بالمقدسات لأن القانون التونسي المتوفر الآن يمكن أن يفي بالغرض متى احتجنا لذلك ويمكّن من تتبع كل من يتجاوز الحدود.

وأضاف الصويعي: quot;إذا أردنا فعلا أن نسنّ قانونا جديدا علينا أولاً أنّ نحدد ماهية المقدس وأين يبدأ وأين ينتهي، وذلك قبل أن نحدد العقوبات ونحدد نوع quot;المساس بالمقدساتquot;، فالموضوع حساس لأن ما حدث في شهر يونيو الماضي في مسألة معرض العبدلية كان الاختلاف حول أحد الرسوم وكل له تفسير معين ومن أي زاوية ينظر إلى ذلك الرسم مثلاً، وهذا ما يحدث خلطاً ولبساً حول المفاهيم و الرؤى بما أننا لا ننطلق من خلفية واحدة، وبالتالي كيف يمكن تحديد المقدس وكيفية المساس بهquot;.

وأشار رئيس حزب الجمهوريين الأحرار، نزيه الصويعي، إلى ضرورة تحديد المفاهيم الخاصة بالمقدس وكيفية المساس به، لأن مفهوم المقدس، يجب أن يكون ثابتا ودقيقا بعيدا عن التعميم وغير قابل للتأويل حتى لا نقع في اللبس، مؤكدا أنه متى تمكنا من تحديد المفاهيم بدقة لا يمكن أن يكون ذلك تضييقا على حرية التعبير.

وأكد الصويعي أنّ هذه المقدسات يجب أن تحترم كل فئات المجتمع ولا تقتصر على فئة دون غيرها.

من جانبه تساءل محمد نعمون، الأمين العام لحزب الأمان، عن تحديد معنى المقدس في إفادة لـquot;إيلافquot;: quot;النصوص الأبجدية لحزب الأمان لا تسمح بهكذا استنتاج لأن القضائية ثقافية وحضارية بالأساس، فمن هو الشخص أو من هي الجهة التي يمكن القول إن هذا الأمر مقدس وهذا غير مقدس، وإلى أي مدى؟quot;.

وأضاف نعمون: quot;نحن نعمل من أجل المبدأ التالي: quot;نحن ضد تهييج الرأي العام والمس بالشعور الديني، أي نحكم على أن المواقف إذا كان يترتب عليها إشكالا يخلّ بالنظام العام ويدخل البلاد في نوع من الفوضى فإن ذلك سياسيا أمر مرفوض لأن استحقاقات الثورة و الأسباب التي قامت من أجلها تتعارض مع نتيجة كهذا . فالحديث عن المقدس بآعتباره أمرا محسوما ويجمع عليه الرأي وثمة من هو مؤهل للحسم فيه فهذا لا يمكن أن يكون إلا استنتاجا من تصور ساكن وثابت وربما غير ملمّ بحقيقة الأمر وبخطورتهquot;.

البرلمان التونسي

وتخشى بعض الأوساط السياسية أن يكون هذا المشروع الذي جاء ليجرّم الاعتداء على المقدسات إنما هو قانون الهدف منه التضييق على الحريات وتكبيل المبدعين والحد من الخلق و الإبداع. وأكد محمد نعمون ذلك قائلاً: quot;نحن نعتقد أن هذا القانون يضيق على حرية التعبير فأي عقل ينتج هكذا قوانين هو عقل مأزوم و مخالفquot;.

وأوضح أن حرية التعبير لا يمكن أن تكون إلا مطلقة والشعب في طريق الترشد الذاتي، وهو قادر على أن يتعامل في مناخ حر إلى أبعد الحدود.

من جانبه أوضح الأمين العام لحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، أحمد ابراهيم، أنّ التنصيص على تجريم المساس بالمقدسات في دستور البلاد سيمثل نافذة للتعدي على الحريات و الإبداع .

وعن المطلق في الحريات قال الأمين العام لحزب الأمان، محمد نعمون: quot;الأصل يتمثل في أن فكرة أنّ هناك مقدسات يعتبر أمرا خلافيا وفكرة تنظيم ذلك من طرف شخص أو جهة أو حزب بأن ذلك مقدس و ذلك غير مقدس والتعاطي مع ذلك هو إنتاج للمجتمعات السابقة وفيه الكثير من التخلف. و قضية التعاطي والتوظيف مع هذا الملف خطيرة جدا والعقل الذي يفكر في هكذا مشروع هو عقل يعيش أزمة وهي طريقة انتهازية من خلال تهييج العاطفة الدينية لا غير بينما نحن نريد أن نؤسس لمجتمع بعيدا عن ردات الفعل غير المحسوبة وغير العقلانية لأن هذه الملفات تتعارض تماما مع أهداف الثورةquot;.

وكان التونسيون قد تظاهروا منظمين عديد التظاهرات ومعبرين عن رفضهم بث قناة نسمة للفيلم الإيراني بيرسيبوليس والذي رأوا فيه تجاوزا ومسّا بالذات الإلهية خلال السنة الماضية.

وأكد الأمين العام لحزب الأمان أن حزبه رأى وقتها أن التوقيت والتوظيف مريبان، لكنه في حقيقة الأمر لا يمكن أن نتعامل على أنّ التعاطي في هذه المواضيع يكون ناتجا من جهة تسمح أو تمنع.