في شهادة دامغة، تتناول الصحافية الباكستانية نضيرة نايبول (عقيلة الكاتب والروائي الشهير) حال الجالية الباكستانية في بريطانيا. فتدين laquo;أولئك الذين يعيشون في الكهوف الرجعيةraquo; ويرهبون باسم الدين الناس في ديارهم، والذين يقتلون بناتهم لأنهن ينتمين إلى مجتمعهن البريطاني.


نضيرة مع زوجها الكاتب في إس نايبول

صلاح أحمد: laquo;الرعب الذي أجبرني على الفرار من باكستان مازال يسكنني... وأراه الآن في عيون الصبايا اللواتي وُلدن ونشأن في بريطانياraquo;.
هكذا تفتتح نضيرة نايبول - الصحافية الباكستانية عقيلة الكاتب والروائي والمفكر البريطاني - الهندي - الترينيدادي الشهير في إس نايبول - شهادتها المهمة في مقالة نشرتها على صفحات laquo;ديلي ميلraquo; البريطانية عن الثقافة الباكستانية، سواء في بلادها أو في المهجر.

وتقول: laquo;عندما تزوجت فيدينادار (نايبول)، ونزحت معه إلى انكلترا في 1996، كنت أظن أنني ألقي بنظرة أخيرة على مظاهر ذلك الرعب. كانت باكستان قد استنزفت كل طاقتي وعزيمتي، واتضح لي جليًا أنني كنت أخوض معركة خاسرة بكل المقاييس ضد المجتمع المغالي في محافظته.

خوف وهلع
وتضيف: كانت انكلترا بالنسبة إليّ - وعلى الرغم من كل علاتها - بمثابة أرض الميعاد. فظننت أنني قد نفدت بجلدي. ولكن سرعان ما تبين لي أن الأهوال التي تركتها ورائي لاتزال تلاحقني. فرأيتها من حولي تأكل جوهر كل شيء بريطاني كنت أؤمن بهquot;.

وتتابع laquo;هذه أهوال أراها في عيون الباكستانيات اليافعات اللواتي نشأن في بريطانيا، ولا يعرفن غير أسلوب الحياة الغربية... أولئك اللواتي يعملن، مثلاً، في أجنحة التجميل الأنيقة في المتاجر الكبرى، ثم يعدن في نهاية يوم العمل إلى آباء لا تستطيع قوة في الأرض إجبارهم على مغادرة كهوفهم الثقافية. فلا يخرج الحديث العائلي عن تزويجهن بأبناء عمومتهن في أرياف باكستانquot;.

اتركوا الشباب لحالهم

افتخار وفرزانة أحمد قتلا ابنتهما المراهقة...

وتشير إلى أن laquo;هؤلاء فتيات يبلغ من أنصهارهن في مجتمعهم البريطاني حد أن بعضهن يغيرن أسماءهن أو طريقة لفظها فتكتسب رنّة غربية.. فتيات يسعين إلى laquo;البوي فريندraquo; وإلى قضاء وقت ممتع في منتديات الديسكو... باختصار، فتيات لا يمكنهن فهم فكرة الزواج المدبّر مع ابن العم أو الخالquot;.

وتقول laquo;وعندما أتحدث الى هؤلاء، أجد الغضب يغلي في دواخلهن إزاء أن آباءهن - وبعضهم شبه أمّي - لا ينفكون عن التوغل في أعماق الكهوف الدينية، وينصبون الحواجز العالية بينهم وبين المجتمع الذي سعوا بأيديهم وأقدامهم إلى العيش فيه، ويرفضون حتى التأمل في فكرة قبول قيمه.

تضيف laquo;أرى القدر نفسه من الغضب في صدور الشبان المسلمين الذين يحاولون عبثًا السباحة مع التيار، لكنّ آباءهم يقفون سدًا منيعًا أمامهم، ويريدون لهم التقيد الكامل بأصول الحياة في أسرة إسلامية تقليدية. وهذه تسهل رؤية الكيفية التي يتحول بها هذا التضارب الهائل إلى قوة مدمرة تثمر - في أحد أبشع صورها - laquo;القتل من أجل الشرفraquo;.

laquo;وخذ قضية افتخار وفرزانة أحمد التي سادت الأخبار أخيرًا بعدما قتلا ابنتهما شفيلبا وهي في سن السابعة عشرة. وكانت هذه المأساة مصير هذه الفتاة التي تعيش في مجتمع غربي، لأنها رفضت قبول العريس الذي اختاره لها أبوها افتخار وأمها فرزانةquot;.

على حدود الهرطقة

لا فرق بين الباكستانية البريطانية وأنثى الأرياف الباكستانية

تسترسل laquo;عندما كنت في باكستان، ظللت لفترة عقد كامل أكتب عن وقوع النساء ضحية للقيود التي يفرضها مجتمع اختار العيش في كنف القوانين الإسلامية وتقاليد الشرف والعار. وشهدت صنوف العذاب التي تذوقها المرأة على يد الزوج والأب والشقيق وحتى النساء ذوات القربىquot;.

laquo;ولا أخفي أن العيش وسط ممارسات كهذه قرّبني شيئًا فشيئًا من حدود الهرطقة نفسها.وهذا ناتج سنوات طويلة أثمرت قناعتي بأن التقاليد تضرب جذورها على أعماق أبعد كثيرًا مما يخيّل للمرء، وأن تصحيحها ليس بالسهولة التي يتخيلها الناظر العابر، ويمكن اعتبارها من ضروب المستحيلquot;.

قصتان حزينتان
laquo;ثمة قصتان أحدثتا أثرًا عميقًا في نفسي عندما كنت أعيش مع زوجي الأول في مزرعة ريفية لنا في منطقة بهوالبور. كان ضمن العاملين في المزرعة رجل وزوجته الشابة رانيا. وإذا بنا نفاجأ ذات يوم بوزير صديق لزوجي يأتينا في حاشية ضخمة، ويطلب إلينا تسليمه رانيا وزوجها وابنها البالغ من العمر خمس سنوات.

laquo;كانت رانية بالغة الجمال في طفولتها. وكان ابواها من مستأجري المساكن في إقطاعية جد الوزير، laquo;فوهباهاraquo; له عندما بلغت سن العاشرة. وهكذا صارت laquo;أمةraquo; للجنس تشبع رغباته ورغبات ابنه وحفيده (الوزير المذكور). ولم يكن لدى نساء المنزل اعتراض طالما كانت المسائل تتم في الخفاء.

laquo;لكن رانيا صارت حاملاً، فزوجوها برجل عجوز كان يسيء معاملتها ومعاملة ابنها بالضرب المبرح. وبعد سنوات وقعت في غرام شاب من أهل البلدة فهربت معه في معيّة ابنها، وهكذا انتهى الحال بهم إلى مزرعتنا، وعاشا إلى أن جاء الوزير يطلب إعادتها.

laquo;سألت زوجي عما سيحدث لهذه الفتاة في حال استجبنا لهذا الطلب. فقال لي إنهم سيأخذونها إلى ساحة عامة، ويجردونها من ملابسها ويوثقونها إلى عجلة مركبة ويجلدونها ثم يغتصبونها أمام الملأ حتى تصبح عبرة لبقية الفتيات.

laquo;ورغم أن زوجي كان يعارض تسلم رانيا من حيث المبدأ، فقد أصرّ على أن ننصاع للطلب، لأن الرفض يعني الإساءة إلى صديق عائلي قديم. ويجب أن أقول هنا أن زوجي تلقى تعليمه في انكلترا، وأنه ابن عائلة محترمة. مع ذلك فقد تقبل مصير هذه الفتاة قائلاً إن إفلاتها من العقاب يعني تشجيع الأخريات على التمرد.

laquo;وعندما أصررت على رفضي الانصياع لطلب الوزير، صار الحل الوسط، الذي قال هذا الزائر إنه لن يقبل بأقل منه، هو أن ينتزع الابن فيعود به إلى بيت أبيه. وكان له ما أراد لكن عويل رانيا على ابنها كان ينطلق من قلب يتشطر الى قطع صغيرة، ولن أنساه ما دمت على قيد الحياة.

laquo;الحادثة الأخرى تتعلق بفتاة اختطفها رجل، ولم يطلق سراحها إلا في اليوم التالي. ولم يكن الأمر يتعلق بهوية الرجل - لأنها معروفة - وإنما بإصرار أهلها على أن البنت صارت laquo;مدنّسةraquo;، ولا سبيل إلى غسلها إلا بزواجها بمختطفها نفسه. وعندما رفضت صبوا الوقود عليها، وأشعلوا النار في جسدها، وعندما نجت من الموت حرقًا وحاولت الهرب، أمسكوا بها وقتلوها.

laquo;صحيح أن هذين المثالين لا يشكلان القاعدة بالضرورة، لكنهما مؤشران واضحان إلى ما يمكن أن يحدث وسط هؤلاء الناس المتمسكين بتقاليدهم إلى حد

هذا الزي ليس إسلاميًا تبعًا لنضيرة نايبول

أنهم ينقلونها معهم إلى بريطانيا، ويعيشون فيها لعقود طويلة، فيحتضنونها كما هي وبدون أدنى تعديل فيها.

ترهيب في الديار
laquo;ويبقى السؤال هو: لماذا تنكر الحكومات البريطانية المتعاقبة وجود زواج المحارم (زواج ذوي القربى في القانون البريطاني) في هذه المجتمعات الإسلامية؟، لماذا لا يتصدى أحد لما يسمى مجالس الشورى الإسلامية، التي تحكم بين الناس بقوانين رجعية في مدن مثل ليستر وليدز؟quot;.

laquo;في هذه المدن ثمة laquo;مُرهِبونraquo; (جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) يروّعون أمن المجتمعات الباكستانية. هؤلاء يأتون من دون موعد إلى المنازل حتى يتأكدوا من أن الجميع يصومون رمضان، ويؤدون الصلوات الخمس. وتجدهم في الشوارع يبحثون عن النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب، ويأمرون أصحاب المحال التجارية بإغلاقها والتوجه إلى المساجد.

الحجاب ليس فرضًا إسلاميًا
laquo;دعني أقولها واضحة: لا شيء يجبر المسلمة على ارتداء الحجاب، لأنه لم يكن مفروضًا على النساء في عهد النبي. هؤلاء الناس يعتبرون أنفسهم قادة المجتمع المسلم ومناراته. لكنّهم في الواقع متعصبون يحيلون حياة المسلمة، التي تريد الاندماج والعيش بسلام في مجتمعها البريطاني، جحيمًا لا يطاق.

... وبصراحة!
laquo;لقد آن الأوان لكي يعبّر المسلمون الليبراليون عن سخطهم إزاء هذا الوضع. على الذين يؤمنون بقيمة المجتمع المتعدد الثقافات أن يضعوا أصابعهم في النار والتحدث ضد ما يحدث في المجتمع الباكستاني. ورسالتي إلى أصحاب الكهوف الرجعية هي: إذا كنتم تريدون إتباع نوع الإسلام الذي تؤمنون به فعودوا إلى وطنكم... لا مكان لكم هنا في بريطانياraquo;.