بعد أن ضرب الزلزال منازلهم، توجه سكان مقاطعة فان جنوب شرق تركيا إلى الحاويات المعدنية لينتظروا فيها إعادة إعمار منازلهم، لكن في ظل quot;شبه غيابquot; المساعدات وعدم توفر الماء والكهرباء والطعام، يقول هؤلاء إن الحكومة تمارس سياسة كيدية بحقهم quot;فقط لأننا أكرادquot;.


يقضي بشير (10 أشهر) ذو العينين الزرقاوين والابتسامة الملائكية أيام شهر آب الحارقة في حاوية حديدية، لأنه لم يعش داخل منزل قط، فقد أبصر النور في أعقاب الزلزال الذي ضرب مدينته.

الحاوية الصلبة التي تشتد فيها الحرارة لتصبح أشبه بفرن هي واحدة في بحر من 1120 حاوية أخرى تصطف في حقل واسع من الحصى في جنوب شرق تركيا. ويعيش في كل حاوية نحو ستة أشخاص، يعانون من انقطاع المياه والكهرباء وندرة الطعام.

الحاويات التي يعيش فيها سكان مدينة فان

معظم هذه العائلات تعرف أنها فقدت منازلها وممتلكاتها إلى الأبد. وقلة من الناس تعرف كيف أو متى سوف تكون قادرة على الخروج من المخيم. لكن الأمر الذي يعرفه الجميع ويقوله: quot;حكومتنا تخلت عناquot;.

هؤلاء الناس ليسوا من النازحين السوريين الذين هربوا من العنف في بلادهم، بل من السكان المحليين في محافظة فان، الذين أمضوا الأشهر العشرة الأخيرة بلا مأوى، بعد أن ضرب الزلزال مدينتهم مرتين في الخريف الماضي، وأسفر عن مقتل 600 شخص وإصابة 4000.

حالياً، يقطن نحو 67000 شخص من سكان المدن المدمرة في الحاويات المعدنية.

في هذا السياق، اشارت صحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot; إلى أن الأتراك الذين نزحوا قسراً من مدينتهم يشبهون إلى حد كبير الأعداد الهائلة من اللاجئين السوريين الذين هربوا إلى تركيا، فليس هناك طريقة سهلة للعودة إلى الحياة الطبيعية بالنسبة لهم.

المنازل الجديدة التي يجري بناؤها في مدينة فان مكلفة للغاية بالنسبة لمعظم سكان المدن الذين ينتظرون في الحاويات، لا سيما وأن أكثر من نصف السكان أصبحوا عاطلين عن العمل منذ وقوع الزلزال.

أما المساعدات المالية من الحكومة، فهي متاحة فقط لأصحاب المباني التي تضررت إنما لم تدمر، كما أنها غير متوفرة للسكان الذين يملكون تأميناً على منازلهم، على الرغم من أن معظم أشكال التأمين لا تغطي النازحين بسبب الزلزال.

وتقول فورين بوليسي: quot;على عكس الحكومة السورية، الحكومة التركية لم تشن حربًا ضد شعبها. لكن ردها على الزلزال الذي اتسم بالإهمال والفساد، وعدم الرغبة في العمل مع السلطات المحلية، ترك سكان منطقة فان المنكوبة في حاويات معدنية في القيظ الحارق، مع طرق قليلة للهروبquot;.

والأسوأ من ذلك، يقول المراقبون إن حزب العدالة والتنمية يحاول الاستفادة من معاناتهم، وذلك باستخدام جهود الإغاثة لتسجيل نقاط سياسية وتوليد الأعمال لإدارة الإسكان الرسمية.

عندما ضرب الزلزال الأول في 23 تشرين الأول/اكتوبر، انقلب عالم السيدة هاسرت، والدة الطفل بشير، رأساً على عقب. بعد أن تخلى عنها زوجها ودمر منزلها، انتقلت الى خيمة مع والديها. وبعد أربعة أيام من وقوع الزلزال الثاني الذي ضرب في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، ولّدت بشير الذي يعيش معها اليوم، إضافة إلى ثمانية أقرباء في حاوية واحد، بانتظار الانتقال إلى منزل حقيقي.

سيدة تركية تعيش في الحاويات الحديدية وتشكو سوء الحال

وعلى الرغم من أن الحكومة وعدت بإعادة بناء المنازل المهدمة بأسرع وقت ممكن، إلا أن الأمر قد يتطلب بعض الوقت. فقد تعهدت الإدارة التركية للاسكان والتنمية (توكي) ببناء 17000 منزل في مدينتي محافظة فان الأكثر تضرراً من الزلزال. ووفقًا لمدير البناء في بلدية فان، فإن الحاجة السكنية في المدينة وحدها من المرجح أن تتجاوز 24 ألف منزل.

وتعهدت (توكي) بإكمال المنازل قبل نهاية هذا العام، لكن حتى الآن، لم يتم الانتهاء من النصف، وفقاً لجاهد بوزباي، وهو عضو في مجلس بلدية فان الذي جال على المشاريع الجديدة في آب/ أغسطس الجاري.

ونقلت فورين بوليسي عن بوزباي قوله: quot;ما نريده حقاً هو للحكومة أن تعطي هذه المنازل للشعب مجاناً. لكن كل وحدة سكنية ستكلف 70000 ليرة تركية أي 40 ألف دولارquot;، مضيفاً: quot;سيحل الشتاء خلال 3 اشهر، ولا ينبغي أن يبقى الناس في الحاويات حتى ذلك الحينquot;.

وكانت السلطات المحلية حريصة على رفض واستبعاد جهود الإغاثة إلى أقصى حد ممكن، حتى أن الحكومة الاتحادية منعت البلدية من فتح مركز توزيع المساعدات في المدينة لأول أسبوعين بعد وقوع الزلزال، وفقاً لبوزباي.

لكن الحكومة عادت ورضخت للأمر الواقع بعد العديد من التقارير الصحافية عن عدم كفاءة جهود الإغاثة وعدم وجود تنسيق بين البلدية وحزب العدالة والتنمية.

وقلل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان أيضاً من أهمية التبرعات والمساعدات الخاضعة لرقابة البلديات في جميع أنحاء فان، معتبرًا أن quot;القادرين على تنظيم المسيرات ورمي الحجارة على رجال الشرطة والجنود، وتخريب الشوارع، وإلقاء قنابل المولوتوف، لا يمكن أن يكون لهم دور في ساعة الكارثةquot;، على الرغم من التقارير التي تشير إلى تبرعات كبيرة في تلك البلديات.

ويعبّر العديد من السكان المحليين في فان عن اشمئزازهم من الطريقة التي تعاملت بها الحكومة الاتحادية مع جهود الإغاثة، بما في ذلك ايلين سيليك، عالمة اجتماع في رابطة فان النسائية.

وقالت ايلين: quot;هناك بلدان أخرى قامت بإرسال مساعدات إنسانية إلى الدولة بعد وقوع الزلزال، لكن الحكومة ردت: نحن لن نقبل بها لأننا نريد اختبار قدرات الإغاثة الخاصة بناquot;!

وتضيف: quot;لن أنسى أبداً هذه الكلمةquot;، مشيرة إلى أن الحكومة كانت لتطلق برنامج إغاثة أكثر سخاء وفعالية لو أن الكارثة وقعت في منطقة quot;غير كرديةquot;، كما يعتقد معظم الناس في هذه المحافظة ذات الأغلبية الكردية.

واضافت: quot;لأننا أكراد، فالحكومة لا تهتم إذا طالت فترة التعافي 10 سنوات حتى نعود إلى سابق حالناquot;.

يمكن لأولئك الذين يختارون شراء المنازل التي قامت ببنائها الإدارة التركية للاسكان والتنمية، بدفع ثمنها على أقساط سنوية على مدى 20 عاماً، وذلك عن طريق الحصول على قرض مصرفي.

لكن الكثير من سكان quot;مدينة الحاويات المعدنيةquot; لم يتقدموا بطلبات للحصول على القروض خوفاً من الوقوع في الديون وعدم القدرة على إيفاء المبلغ للبنوك، وفقاً لبريوان كليكاسلان، العاملة الاجتماعية في منطقة الحاويات حيث تعيش هاسرت.

ويقول معظم سكان فان إن التجمعات السكنية التي تعمل الإدارة السكنية على بنائها تقع على مشارف المدينة، حيث تعتبر وسائل النقل العام نادرة في أحسن الأحوال.

البنايات التي اقامتها الحكومة ولم يقبل عليها السكان

ونقلت الصحيفة عن فادين (34 عاماً) التي تتشارك حاوية معدنية مع زوجها وعائلته، وأطفالها الثلاثة، قولها إنها تفضل عدم الانتقال إلى التجمعات السكنية البعيدة.

وأضافت: quot;لا نعرف متى سنترك الحاويات. نحن نرغب في إعادة بناء بيتنا، ولكن ليست لدينا أي فكرة متى سنحصل على إذن من الدولة، التي منعتنا من البناء حتى الانتهاء من عملية إعادة الإعمار الرسميةquot;.

في هذا السياق، يقول بوزباي إن الحكومة منعت أياً من المتعاقدين المستقلين من بناء المساكن في فان، إلى أن تنتهي الإدارة التركية للإسكان والتنمية من عملها.

ويسمح عادة للبلدية بإصدار تصريحات لبناء المنازل الجديدة في المدينة. لكن الحكومة سحبت هذا التفويض بعد وقوع الزلزال، زاعمة أن البناء المستقل من شأنه أن quot;يتدخلquot; مع الخطة الرئيسية للحكومة لجهود إعادة الأعمار.

وقالت فادين: quot;نسمع أحاديث وتوقعات مختلفة حول المدة التي سنقضيها في الحاويات، وما زلنا لا نعرف ما سيحدث. لدينا راتب واحد ونحن سبعة أشخاص، وفي حال غادرنا قبل التمكن من إعادة بناء منزلنا نضطر إلى دفع إيجارات مرتفعة، وهذا امر لا نقوى عليه. ومع ذلك، لن يكون بمقدورنا المقاومة أو الرفضquot;.