المنافسة على القيادة تربك الثوار في سوريا

عبد الجبار الأغيدي عقيد منشق عن الجيش السوري يحاول قيادة صفوف الثوار في جميع أنحاء حلب، تماماً كحال عبد العزيز سلامة، تاجر العسل السابق. وتعكس قصتهما، كحليفين ومتنافسين في الوقت ذاته، التحديات التي تواجه ثوار سوريا فيما يكافحون من أجل حشد قوة قتالية متماسكة للإطاحة بالرئيس بشار الاسد.


بيروت: انضم الثوار في محافظة حلب الشمالية إلى الانتفاضة في وقت متأخر، لكنهم أثبتوا أنهم أكثر مهارة من المقاتلين في أي مكان آخر في سوريا. ونجح الثوار في طرد القوات الحكومية من الريف الشمالي لأكبر مدينة سورية واستولوا على رقعة كبيرة من المدينة نفسها.

لكن الخلافات تهدد هذه الجهود بسبب ضغوطات التنافس على الإيديولوجية والأسلحة والنفوذ السياسي. في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;وول ستريت جورنالquot; أن الخلافات تفسر جزئياً زخم الثوار للسيطرة على حلب، التي كانت مسرحاً لانفجار سيارة مفخخة قاتلة يوم الاحد الماضي. كما أن الانقسامات تقدم لمحة عن القوى السياسية الوليدة التي من شأنها أن تتنافس على السلطة في سوريا ما بعد الأسد.

وأشارت الصحيفة إلى أن كيفية التخلص من هذه الاختلافات في الأيام القادمة سوف تحدد الجانب الذي سيفوز في الصراع المستمر منذ 18 شهراً، وتضع الأسس للتعاون أو لجولات جديدة من إراقة الدماء بعد سقوط الأسد.

عبد العزيز سلامة قائد كتيبة التوحيد التي تضم عدداً من مقاتلي الريف، وتتمركز قواعدها في الطابق السفلي من مجمع في قرية تل رفعت النائية. ويجلس القائد في مكتبه المتواضع حوله ست كراس معدنية متهالكة وفرشات أرضية متفرقة للزوار.

كان سلامة في سن المراهقة خلال الحملة الحكومية على الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينات عندما فقد العديد من أقاربه وزملائه الذين إما فروا إلى المنفى أو اختفوا في السجون الى غير رجعة.

أما منافسه العقيد عبدالجبار أغيدي، فيدير العمليات من فيلا فخمة في شمال غرب البلاد في الأراضي المترامية الاطراف لحلب. ويلتقي القائد مع مرؤوسيه إلى جانب حمام السباحة. الضابط السابق في الجيش السوري، الذي يحظى بدعم من النخبة الحضرية في حلب والأثرياء المنفيين، يرفض السياسة الإسلامية التي يعتمدها قادة الريف.

وأشارت الصحيفة إلى أن العلاقة بين أغيدي وسلامة متوترة لكن الاثنين يعتمدان على بعضهما البعض بشكل من الأشكال. ففي حين يدعي أغيدي أنه قائد الكفاح الشرعي للثوار في المنطقة، وذلك بفضل الدعم الدولي الذي جعله مسيطراً على معظم الأسلحة والذخائر القادمة عبر الحدود في تركيا، يؤكد سلامة انه القائد الأقوى لأنه يحظى بالولاء الكامل من قبل معظم المقاتلين في حلب.

واضافت الـ quot;وول ستريت جورنالquot; أن الانتفاضة السورية انتقلت من الاحتجاجات السلمية إلى الكفاح المسلح في النصف الأول من العام 2012. عندها، قامت مجموعة من الحلبيين، التي شملت رجال الأعمال الأثرياء، والناشطين الشباب المنفيين ذوي الصلات الجيدة، بالإنضمام إلى الثورة وبحثوا عن قائد يتولى مسؤولية الحرب. وفي نيسان (أبريل) الماضي، نقل النشطاء مهمتهم إلى غازي عنتاب، وهي قرية تركية تستضيف مخيم للضباط السوريين السابقين.

في تلك المرحلة، كان ثوار حلب قد تعلموا من أخطاء المقاتلين في أي مكان آخر في سوريا. ففي محافظة إدلب القريبة، خلصوا إلى أن الثوار انحرفوا عن مسارهم لأن قيادتهم تعمل من مخيمات اللاجئين، من دون أن تحشد الدعم الشعبي اللازم، أو أن تشارك في المعارك على أرض الواقع لتشعر بديناميات العمليات العسكرية.

quot;في اختيار القادة، كان لدينا ثلاثة شروط: لا بد أن يكون القائد ضابط عسكري، يكون من حلب، ويؤدي مهامه من الأرض داخل سورياquot;، يقول عدنان أبو فارس، وهو مستثمر مصرفي سابق ومقرب من رجال الأعمال الأثرياء في حلب.

أما بالنسبة لقادة الريف مثل سلامة، فيقول أبو فارس quot;إن الشعب مثلهم، ونحن في حاجة إليهم، لكنهم ليسوا مؤهلين للقيادة في هذه المرحلة. نحتاج إلى شخص يكون المجتمع الدولي على استعداد للعمل معه، وإلى شخص يملك من الخبرة العسكرية ما يكفي للتخطيط للمرحلة المقبلةquot;.

وافق 11 ضابط سابق في الجيش السوري للانضمام إلى ما كان يطلق عليه اسم quot;مجلس حلب العسكريquot;، وانتقلوا من مخيمات تركيا عائدين إلى سوريا. وأعطى المجلس العقيد أغيدي السلطة العليا، لأنه كان من المعارضين quot;الكامنينquot; لنظام الأسد، وخدم في الجيش النظامي لعقود حتى انشقاقه في آذار (مارس).

تم الإعلان عن تشكيل المجلس العسكري في أوائل حزيران (يونيو)، وسط وعود بتأمين الأسلحة والإمدادات الجديدة، أدت إلى تشجيع العديد من الجماعات والأفراد القاتلين للإنضمام تحت مظلة المجلس.

لكن الـ quot;وول ستريت جورنالquot; اعتبرت أن المجلس العسكري دخل اللعبة في وقت متأخر حين كان العديد من المقاتلين يخوضون معركة الريف في حلب، وبعد أن ظهر القادة المحليين في صفوفهم. وبحلول تموز (يوليو)، كان المجلس العسكري يشاهد من الهامش، في حين وصلت المعركة من أجل شمال سوريا إلى ذروتها.

وأدت الانتصارات الصغيرة التي حققها الثوار إلى خلافات داخلية في صفوف المجلس، بما في ذلك سلسلة من الاشتباكات بين وحدات صغيرة تتنافس على مخازن الأسلحة التي استولوا عليها من الحكومة.

quot;كل مجموعة فردية لديها محمية خاصة بها. حتى أن هذه الجماعات قاتلت ضد بعضها البعض في بعض الأحيانquot;، يقول سلامة. وفي 9 تموز، التقى سلامة مع 15 قائد آخر في قرية مارع للتباحث في تحالف جديد. استمرت للجلسة لأكثر من ثماني ساعات وانتهت عند الساعة الرابعة فجراً. خلال هذا الوقت، تمحورت الأحاديث حول الانشقاقات في سوريا، انعدام الثقة بين القرى والقلق حول تجميع الموارد.

وأراد البعض أن تكون تسمية التحالف الجديد إسلامية، فيما اعترض البعض الآخر، إلى أن استقروا أخيراً على اسم quot;التوحيدquot;، في إشارة إلى التوحيد بالرب والوحدة التي تجمع الجماعات المقاتلة. ونجحت الشعبة الجديدة في استيعاب معظم الوحدات المتمردة التي كانت تحت قيادة العقيد أغيدي، مما تركه quot;قائداً بلا جنودquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أن نظرة quot;التوحيدquot; إلى العقيد وفريقه من الضباط السوريين السابقين يملؤها الشك، نظراً لأن هذه المجموعة خدمت نظام الأسد لفترة طويلة، وتبنت قضية الثوار في وقت متأخر.

ويعتقد قادة التوحيد أن جهود الثوار تعثرت في أماكن أخرى لأنه تم إعطاء القيادة لضباط منشقين على مبعدة من القضية. ويقول سلامة: quot;كان العقيد أغيدي في تركيا بينما نحن كنا نقاتل لتحرير الريف، ولم يظهر إلا بعد أن نجحنا في تحرير جميع هذه الأراضيquot;.