في مغامرة صحافية نادرة من نوعها، نجح مراسل صحيفة التلغراف البريطانية، بيل نيلي، في الوصول إلى مقاتلي الحكومة السورية، الذين يخوضون الحرب في مدينة حمص.


قناص تابع للجيش السوري في حمص

القاهرة: سرد نيل في مستهل حديثه تفاصيل لقائه بأحد القناصة، أثناء جلوسه في مكان شبه مظلم، وتخيّم عليه حالة تامة من الصمت، وتبدو الشدة مهيمنة على ملامح وجهه. وأوضح أن الجندي الذي اقتاده إلى المكان الذي يتواجد فيه القناص لم يفصح له عن اسمه، خشية من أن يتم استهداف عائلته، وأن يتم قتلها من جانب الثوار الراغبين في الانتقام.

وقال نيل إن المكان الذي يمارس القناص فيه مهامه المكلف بها يكاد يكون بلا هواء، وإن القناص لم يقل كلمة واحدة أثناء تواجده هناك، وإن كل ما كان يفعله هو مراقبة وانتظار الهدف الذي كان يعتزم استهدافه. وعبر فتحة في الجدار، توجّه البندقية والمنظار صوب منزل مثقب بالفعل بأعيرة نارية وقذائف. وتابع نيل بتأكيده على حقيقة أن هذا القناص نادراً ما كان يهتم بوجوده، وأن تركيزه كله كان منصباً على إصابة الهدف.

ثم نوه نيل بأنه انصرف قبل أن يقوم القناص بإطلاق الرصاص، لكن صوت الطلقات الفردية في الخارج كان دليلاً على أن حرب القناصة لا تزال موجودة على الخط الأمامي في واحدة من أكثر المدن التي تشهد حالة من العنف والدمار في سوريا.

ومضى نيل يصف هؤلاء القناصة بأنهم الرجال الملطخة أياديهم بدماء الآلاف، وأنهم المسلحون الأكثر بثاً للذعر في تلك الحرب الطويلة التي وصلت إلى طريق مسدود.

أعقب نيل بلفته إلى أنه وفور نزوله إلى أحد الشوارع الخلفية، مروراً بأكوام من القمامة، وجد أمامه ثلاثة جنود سوريين، أومأوا له بأن ينطلق صوب التقاطع التالي. وهو ما قام به نيل ليهرب من خطر تلقي طلقة من الجانب الآخر، علماً بأن الثوار والقوات النظامية يلجأون إلى القناصة كسلاح فتاك في المواجهة المشتعلة بينهما.

كر وفر في أكثر التقاطعات دموية في حمص

بعدها أشار نيل إلى أنه دخل منزلاً مظلماً، كان بداخله اثنان من القناصة المتمرسين، وبنادقهما مثبتة بداخل فتحات صغيرة في أحد الحوائط. ويخوض هذان القناصان حربهما عبر مسافات قصيرة. كما إن حربهما عبارة عن حرب مواقع وأماكن ثابتة.

وذكرت التلغراف أن الحرب في حمص وصلت إلى طريق مسدود. ورغم القصف المميت لحي باب عمر في مطلع العام الجاري، وظهور الرئيس الأسد في أحد ميادينه الرئيسة للتأكيد على إعادة السيطرة عليه، فإن المعارك العنيفة المشتعلة هناك مازالت قائمة إلى الآن.

تابع بعدها نيل بقوله إن القوات السورية لم تسمح له بالاقتراب، وإن أشار إلى أنه كان قادراً على سماع كل شيء يحدث عن بعد، موضحاً أنه نجح مرتين هذا العام في تجاوز الخط الأمامي للتحدث إلى جماعات من الثوار في حمص. وقال له أحد الجنود: quot;معظمهم بلحى طويلة. وهم جهاديون وأجانب وأتراك وشيشان وسعوديونquot;. وقال جندي آخر: quot;وهناك أيضاً مسلمون أوروبيون بين الثوار، إنكليز وألمان وفرنسيونquot;.

وأضافت الصحيفة أنه من النادر أن ترى مدنيين في بعض المناطق في حمص، لكن نيل لفت إلى أنه قابل أحدهم، وهو شخص يدعى صالح شطور، وهو ليس مسنًّا، بل يبدو كذلك، وأخبره أن حياته باتت صعبة للغاية الآن، وأنه لم يعد قادراً على عدّ الجيران الذين قتلوا.

وشددت الصحيفة كذلك على كآبة الأوضاع في حمص، وأن الحرب المشتعلة هناك مروّعة. وعاود نيل ليقول إنه رأى من خلال ثقوب في الجدران والمنازل أحد المباني، التي قالت القوات السورية إنها استعادته من الثوار قبل أسبوعين، في وقت لا يبدو أن هناك أياً من الجانبين يحقق انتصارات في حمص، التي تشهد قتالاً طويلاً ودموياً.

جندي وبحوزته سقالة موقتة

وسبق لمحافظ المدينة، أحمد منير محمد، أن قال إنه على ثقة بأن الحرب ستنتهي في غضون شهر. وعاود مراسل التلغراف ليشدد على أن الدمار الذي نجم من أعمال القتال في بعض المناطق كان استثنائيا.

وتابعت التلغراف بقولها إن ثورة الربيع العربي التي تشهدها سوريا في طريقها الآن لدخول شتائها الثاني، مؤكدةً أن الطريقلا يزال طويلاً قبل أن تؤتي الاحتجاجات بثمارها، في الوقت الذي يواجه فيه نظام الأسد اتهامات من جانب منظمة العفو الدولية وكثير من الحكومات الأجنبية باستخدام الطائرات لقصف المناطق السكنية بشكل عشوائي.

كما إن عشرات الآلاف من السوريين لم يكونوا محظوظين، حيث تم اصطحابهم ولم يُشاهَدوا بعدها مرة أخرى. وليس لدى عائلاتهم أي فكرة بخصوص ما إن كانوا قد لاقوا حتفهم أو إنهم محتجزون في مراكز اعتقال في سوريا.

وختمت الصحيفة بتأكيدها على أن الحرب التي تعيشها سوريا مازالت مستمرة بنيرانها المستعرة بلا هوادة، ومازالت تلتهم شبابها، وتثير الأحقاد الطائفية، وتسفر عن فظاعات أسبوعًا بعد الآخر، وتتصاعد حدتها إلى فوضى مروّعة أكثر من ذي قبل.