الخلاف دائر حول توصيف النزاع الدائر في سوريا، بين مجتمع دولي يقول إنها حرب أهلية وآخرين يصرّون على أنها ثورة سلمية حولها النظام إلى مسلحة. وتبدو سوريا اليوم في خضم حرب جديدة... إنها حرب المصطلحات.


بيروت: يصرّ النظام في سوريا، ومعه حلفاؤه، على أن ما يجري ليس حربًا أهلية بأي شكل، إذ أن الاعتراف بها يعني تناقضًا مع نظريته حول المؤامرة الدولية على سوريا، بينما تختلف صفوف المعارضة بين من يرفض بدوره توصيف الحرب الأهلية لأنها تنفي حصول الثورة، وبين من يقبلها بحجة الدم الذي يُراق بين مختلف الأطياف السورية. أما المجتمع الدولي فلم يتردّد مسؤولوه بالتحذير من وقوع الحرب الأهلية منذ فترة طويلة.

قد يغفل الكثيرون عن الدور الذي تقوم به المصطلحات في المعارك والحروب، وهو دور يدخل في الحرب المعنوية والفكرية، ولا نبالغ عندما نسميه سلاح المصطلحات على غرار سلاح المدرعات مع الفارق النوعي في الإمكانيات والأداء وتحقيق الأهداف المرجوة منه.

هذا السلاح له منظومتان، الأولى للهجوم، وهي تمثل مجموعة المبادئ والأفكار التي يراد إحلالها في فكر الخصم، والثانية للدفاع وتمثل مجموعة المبادئ المعبِّرة عن المرجعية العقائدية والفكرية المستقرة لدى هذا الطرف، وتستخدمها حال الانسحاب أو الهزيمة أو التراجع التكتيكي، فضلاً عن ملابسات النصر والهزيمة والانسحاب.

يثير مصطلح quot;الحرب الأهليةquot; جدلاً واسعًا وانقسامًا في الغرب حول ما يجري في سوريا وقبلها في لبنان وحتى في العراق، وسائل الإعلام الغربية تتبنى مصطلحquot;الحرب الأهلية quot;، بينما بعض المعارضين والنظام في سوريا يرفضون تلك التسمية.

أما مصطلح quot;الحرب الأهليةquot; فهو يعني كل قتال داخلي منظَّم ومخطَّط له، وهو ذو أهداف quot;سياسيةquot; محددَّة ويسعى للسيطرة على الحكم أو فصل جزء من الدولة أو الهيمنة عليه، سواء اتخذ شكلاً دينيًا أو مذهبيًا أو سياسيًا أو عرقيًا أو غير ذلك، وهو بمعنى أشمل يمثل صراعًا سياسيًا مسلحًا بين فريقين أو أكثر في أراضي دولة ما يجري أحيانًا بين جيش نظامي وميليشيات مسلحة أو بين فصائل مسلحة سياسية أو دينية أو مذهبية أو أثنية، تشترك وتشتبك في ما بينها أحيانًا، ومع القوات النظامية في أحيان أخرى.

في التاريخ القديم والحديث أمثلة كثيرة للحروب الأهلية نذكر منها : ( الحرب الأهلية الأميركية 1861-1865) ( الحرب الأهلية الأسبانية 1936-1939) ndash; ( الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1989) ndash; ( الحرب الأهلية في يوغسلافيا (1992 - 1994) ndash; الحرب الأهلية في رواندا993 1-1995).

يقول الخبير في القانون الدولي رياض خالد لـquot;لإيلافquot; إن :quot;الحروب الاهلية تعرفّها اللغة بصراعات داخلية، لكن الجملة تكتسب معنى جديدًا من تداعيات ومخاطر حين تتدخل القوانين الدولية؛ ملفات الامم المتحدة لا تعطي تعريفًا محددًا للحرب الاهلية، ويشير التاريخ الى أن وصفها صراعًا أهليًا عشوائي وملطخ باعتبارات سياسية، فالولايات المتحدة على سبيل المثال مارست ضغوطًا كي تمنع اعلان حرب اهلية في العراق، في اغلب الاحيان تكون الحكومة طرفًا من اطراف النزاع هدفها السيطرة على مقاليد الحكم أو احراز الاستقلال لمجموعة معينة، اما تداعياتها فتصل الى عمق اكبر من الحروب الخارجية، حيث يتكبد ابناء البلد الواحد خسائر تشل الحياة الاقتصادية، وتمزِّق النسيج الاجتماعي، فمنذ الحرب العالمية الثانية معدل مدة الحروب الاهلية 4 سنوات، وقد شهد العالم ازديادًا حادًا في عددها حيث بلغ 5 حروب في النصف الاول من القرن العشرين، مقابل اكثر من عشرين نهاية الحرب الباردة، عشرون حربًا تسببت في مقتل 25 مليون قتيل وتشريد ملايين آخرين.

اما متى تتحول حركات التمرد الى حرب اهلية، يجيب:quot;يتفق العلماء السياسيون على تعريف ينص على تجاوز عدد القتلى الألف سنويًا، ومنهم 100 على الاقل من كل طرف متنازع، وهو رقم يثير جدلاً، أما قوانين جنيف الدولية فهي تضع أربعة شروط لتعريف الحرب الاهلية، ذلك أن يسيطر كل من الاطراف المتنازعة على رقعة جغرافية معينة وعلى أن يتمتع بسلطة على الذين يسكنون في هذه المنطقة، ثالثًا أن ينظر الى المسلحين باعتبارهم مقاتلين واخيرًا أن تلجأ الحكومة الى استخدام جيشها لقمع المتمردين.

اما في سوريا فإن الفسيفساء الطائفية تزيد المشهد تشاؤمًا في منطقة عانت طويلاً من حرب ضارية، فالقتلى في تزايد والعنف في تصاعد لا يبدو أنله نهاية، اما المقاتلون فينفون أنها حرب اهلية، واذا اعلن الصليب الاحمر أن الازمة هي بالفعل حرب اهلية فستحفها مخاطر قانونية في ما يتعلق بجرائم الحرب، وهو ما يعني توجيه اتهامات للـquot;ثوارquot; أيضًا، كما حصل في يوغوسلافيا ورواندا.