الاحداث المتلاحقة امس من اختطاف عشيرة آل المقداد لعناصر من الجيش السوري الحر بالاضافة الى مواطن تركي، القت الضوء على العشائر اللبنانية المنتشرة خصوصًا في جرود الهرمل حيث تتميز بعاداتها وتقاليدها التي تجعل منها حالة خاصة.
بيروت: أحداث امس المتلاحقة في لبنان، وتبني عائلة آل المقداد خطف عناصر من الجيش السوري الحر بالاضافة الى مواطن تركي بعدما خطف لها ابنها حسان المقداد في سوريا، كل تلك الاحداث تلقي الضوء على الدور المتنامي للعشائر في لبنان، هذا الدور الذي يتخذ من الدولة بديلاً له.
وقد يتخيّل المرء حين يسمع كلمة عشيرة مجموعة من الرجال والنساء والاطفال يركبون الجمال ويطوفون من مرعى الى آخر، أو قد يتخيل رجالاً بلباس عربي تقليدي يحملون البنادق ويبحثون عمن يطلقون عليه النار بسبب الصورة المسبقة والمقولبة التي رسمت عن العشائر في مخيلة العامة من اللبنانيين. صورة تتعلق بالعنف والنهب الذي تمارسه العشائر في سياق تطورها ومد نفوذها وسيطرتها على المناطق التي تتواجد فيها، أو بسبب ارتباط هذه الصورة بعشائر الدول العربية المجاورة في الاردن والعراق وشبه الجزيرة العربية والتي تقدمها الافلام السينمائية والمرويات على أنها تعتمد على الغزو في سبيل عيشها، والقتال في سبيل السيطرة. ولكن في الحقيقة، فإن العشائر اللبنانية في الجرد الهرملي لم تكن على هذه الصورة سابقًا، أي في بدايات القرن الماضي، ولا هي كذلك الآن في بدايات الالفية الثالثة. وهذه العشائر التي نزحت الى الجرد الهرملي، لم تكن تعيش في الجرود منذ نشوئها عشائر وافخاذًا وجبوبًا، بل لجأت اليها بعد هجرتها من مناطق جبيل والبترون التي كانت تخضع لسيطرة المشيخة الحمادية، وفقًا للنظام المقاطعجي.
من الناحية السياسية ابكر زعماء العشائر في خوض غمار الحياة السياسية منذ الانتداب الفرنسي حتى عهد الاستقلال ومنه الى العهد الشهابي، ومن ثم الى زمن الوصاية السورية وظهور حزب الله في مناطق تواجد تلك العشائر واثبات قدرته كفصيل اجتماعي ذي قوة وهيبة، وبعد توقيع اتفاق الطائف الذي فتح المجال امام عهد سياسي جديد للبنان.
في كل تلك المراحل كانت عشائر الجرد الهرملي تخوض غمار السياسة في لبنان وقد تربع احد اركانها صبري حمادة زمنًا طويلاً في سدة رئاسة مجلس النواب. وعلى خلاف الصورة التي تمثل العشائر كمجموعات خارجة عن القانون وعن سلطة الدولة، فقد كان لهذه العشائر ممثلون في الادارات اللبنانية المتعاقبة ان في النواب المنتخبين أو في الوظائف العامة بوساطة المحاصصة وتوزيع المراكز، ولو أن السيطرة والنفوذ داخل العشيرة كانا يتبدلان من شخص الى آخر، بحسب الظروف السياسية في كل مرحلة، وبحسب قوة وشكيمة الفخذ والجب الذي ينتمي اليه داخل العشيرة.
على الصعيد الاجتماعي والثقافي، فإن احوال العشائر اللبنانية تبدّلت وتغيرت نتيجة للتطوّر الذي اصاب حياتها واتساع رقعة انتشارها ودخولها في اطوار الحداثة من تعليم واستقرار في السكن والدخول الى سوق العمل والتزاوج والاختلاط مع العائلات، وانفكاك العصبية من حول زعامة واحدة. واذا اعتبرنا ان التعريف التقليدي للعشائر، يجعلها شكلا للتنظيم السياسي يتمتع بسلطة تتكون ضمن آليات من العنف (داخلي أم خارجي، يطال مجالاً آخر عشائريًا أو غير عشائري)، فإن هذا التعريف لم يعد ينطبق على حالة العشائر اليوم، لأنه فقد معظم مرتكزاته.
فآليات العنف التي كانت تشكل وسيلة جبه لاقتصاد الكفاف العشائري لم تعد موجودة لهذا السبب. والعنف الذي كان وساطة العشيرة لفرض سيطرتها وتحكمها وامتلاكها للارض، والناتج عن شظف العيش في مناطق الجرد الهرملي والحاجة الى تأمين حاجيات العشيرة لحياتها ومعيشتها، لم يعد موجودًا بذلك الشكل. والسبب الثاني في تبدل تعريف العشيرة التاريخي وعدم انطباقه على حالها الراهنة، هو غياب quot;الحمىquot; بما يعنيه من مساحة جغرافية تمارس عليها العشيرة نفوذها، فالحمى لم يعد ملكًا لعشيرة واحدة وبات يشاركها فيه افراد وعائلات وعشائر أخرى في مناطق الجرد الهرملي.
السبب الثالث والاهم لنبذ التعريف العشائري التاريخي، هو غياب السلطة الجامعة في هذه المرحلة من عمر العشائر اللبنانية. والسلطة الجامعة هي التي تجمع كل افخاذ واجباب العشائر حولها والتي تثبت لحمتها ووحدتها وتعطيها قوتها في مواجهة الآخر سواء كان عشيرة أو عائلة او جيشًا.
في الالفية الثالثة
يمكن تعريف العشيرة في هذه المرحلة من مراحل تطورها، بأنها جماعة عصبية تأتلف في اطارها مجموعة من الاجباب، من دون ان تنتج سلطة جامعة. فالعصبية لم تعد تؤدي الى اللحمة داخل العشيرة، والعصبية ما عادت تتمثل داخل العشيرة بسلطة جامعة، حتى لو وجدت هذه السلطة الجامعة، وهو افتراض مستبعد، فهي ما عادت تلقى اعترافًا حاسمًا من قبل سائر مكونات العشيرة وسلطاتها. السلطة الجامعة لدى بعض العشائر اللبنانية في هذه الايام، باتت اقرب الى الشكلية والفولكلور، وتتحقق بوساطة اعتراف مجموع الوجهاء من العشيرة بصاحب هذه السلطة الجامعة، ولكن من دون أن تتمتع باستقلال سياسي واقتصادي يمكنها من فرض سيطرتها وسلطتها على سائر مكونات العشيرة. فنتيجة لغياب المرتكزات التاريخية التي كانت تضمن بقاء العشيرة وقيامها، أي الحمى والسلطة الجامعة والعنف كوسيلة جبه لاقتصاد الكفاف، فإن إئتلاف الاجباب في اطار العشيرة ما عاد يعطيها سلطة جامعة.
هذا لا يعني ان الشكل العصبي العشائري قد تفكك بالكامل في لبنان، ولكن يمكن القول انه يعيش حالة انتقال من شكله التاريخي الى شكل آخر لم يتبلور بعد، بحسب دكتور علم الاجتماع فؤاد خليل ومؤلف كتاب quot;العشيرة دولة في المجتمع المحليquot;. ويرجع خليل سبب فقدان الشكل التاريخي للعشيرة بعض مرتكزات تكونه (الحمى، العنف، السلطة الجامعة)، الى دخول العشيرة في اطار الحداثة والتعليم والانخراط في سوق العمل والهجرة والانخراط في الاحزاب السياسية والطائفية. الحداثة واشكالها من جهة، واشتداد العصبية في اوقات الازمات وخفوتها في ازمان السلم، جعلت العشيرة تقف في موقف غير نهائي، لا يعيدها الى ما كانت عليه ولا يضعها في حال اجتماعية وثقافية واقتصادية جديدة وثابتة.
وعدم وصول الشكل العصبي العشائري الى نهايته الكاملة مرده الى أمرين، اولهما هو ان الاشكال العصبية جميعها، سواء كانت عشائرية ام عائلية ام مناطقية ام جهوية، تستمر في لبنان وتجد شروط استمرارها في انخراطها في اطار نظام الطوائف. فالطائفة هي شكل من اشكال العصبية العامة او الاعم من بين اشكال العصبيات الاضيق التي تعيد انتاج نفسها في اطار هذه العصبية العامة. صعود الحس الطائفي في لبنان، وجعل الحس الطائفي عصبية في مواجهة عصبية أخرى، يؤخر تفكيك الاشكال العصبية الضيقة، اي العشائر والعائلات. في هذه الحال، وهي حال العشائر اللبنانية، تبقى الاشكال العصبية الضيقة تراوح في منزلة بين المنزلتين: شكلها التاريخي الاصلي وحالة لم تتضح مكوناتها واشكالها حتى الآن. من جهة ثانية ما زالت العشائر اللبنانية تتمتع بقدر من السلطة في مجتمعاتها التي تتواجد فيها جغرافيًا، وهي مترتبة على نوع من العصبية المتبقية في داخلها، والقائمة على استماع افراد العشائر لكلمة الوجيه واحترامها، وهو الذي يمثلها في المناسبات على اختلافها، ويقوم لحل خلافاتها مع العشائر الاخرى ويدفع ديات القتلى.
العشائرية والشهابية
استوعب النظام السياسي، الذي سمي quot;الشهابيةquot; نسبة الى رئيس الجمهورية فؤاد شهاب، العشائرية خصوصًا بعد خروجها منهكة من حرب العام 1958 ومنقسمة على نفسها وتطلب الاستقرار. في تلك المرحلة وفي هذه الظروف أخذت quot;الشهابيةquot; تتصالح مع العشائر وتنخرط فيها، فرعت مصالحاتها بموجب الأعراف العشائرية السائدة لا بموجب قوانين الدولة اللبنانية.
كانت الخطة quot;الشهابيةquot; تهدف من دعم العشيرة وزعيمها الى الحاقها في ما بعد. وكانت تدعم الزعيم بأن تصرف له الأموال وتنظّم له المشاريع quot;التنمويةquot; لإفادته الشخصية، ومنحه صلاحيات واسعة في فض مشاكل أفراد عشيرته مع الدولة، واطلاق يده في منطقة نفوذه. كبر حجم الزعيم العشائري المحلي وبات يملك سلطة مدعومة من الشهابية تقرّب افراد عشيرته منه، وبات ذا جاه ومال، فتخلى عن حياة العشيرة القديمة المليئة بالعوز والفقر والتنقل والعنف وهجر الجرد الى القرى والبلدات، ووجد ان السكن quot;المدنيquot; الجديد يوافق حجمه ويناسبه، فيما كان لانتقاله هذا أثره في وحدتها المكانية (في الجرد الهرملي) لعشيرته، وفي سلطتها التي تمارسها في هذا الجرد.
ولجأت الشهابية في سبيل التخفيف من قوة العشيرة وتمدينها الى التنمية كوسيلة لتفكيك العشائر عن عصبيتها الاصلية. فشقّت طريقًا عسكريًا اخترق الجرد الهرملي من الجنوب الى الشمال، بدءًا من دير الأحمر الى عيناتا مرورًا بجباب الحمر ومرجحين وقلعة عروبة وصولاً الى فنيدق ومشمش.
هذا الاختراق والتطويق الأمني كانا في حقيقتهما quot;التنمويةquot; دخولاً سياسيًا ينشد إفراغ المنطقة الجردية من عناصر قوتها، اذ ان وحدتها الإسلامية المكوّنة من شيعة الجرد الهرملي وسنّة الشمال والمتأثرة بالتيار القومي، كانت تشكّل خطرًا جديًا على النظام الشهابي.
وفي السبيل نفسه الى ضرب وحدة العشائر بواسطة ضرب زعاماتها اي سلطتها الموحدة لجأت الشهابية في بداية الستينيات الى توليد زعامات سياسية جديدة في العشيرة، ان من خلال ايصال بعض رموزها الى المجلس النيابي لإضعاف نفوذ صبري حمادة العشائري، أو ربط البعض الآخر بعلاقات خاصة ومميزة مع نظامها، ما أدى الى نوع من الاستقطابات الفخذية والجبية التي استندت الى اعتبارات المنفعة الفردية والولاءات الشخصية، فبات من الطبيعي ان تدخل العصبية العشائرية حركة تجاذبات فخذية وجببية غير مستقرة على توازنات ثابتة كمظهر من مظاهر خللها. ومن أجل تثبيت هدف استيعاب السلطة، عمدت الشهابية الى خلق مواقع اجتماعية متباينة في صفوف العشيرة، فاستخدمت قنوات quot;تنمويةquot; متعددة أهمها: الوظيفة وسياسة التنفيعات وتسهيل زراعة الحشيش. فمن خلال التوظيفات الفردية وسياسة التنفيعات التي قدمتها الشهابية للزعامات العشائرية، بوساطة مستشاريتها في الدولة، تمكنت من مد ولائها الى صفوف العشيرة خصوصًا وأنها استطاعت أن ترتكزعلى جهاز بيروقراطي متسّع شكل قاعدة اساسية لامتدادها الشعبي. فقد عرف الجهاز الإداري قفزة هائلة بعد سنة 1958، اذ ارتفع عدده من 14 ألفاً الى 32 الفاً دفعة واحدة.
اما سياسة تسهيل زراعة الحشيش فقد أدّت الى تراكم ثروات نقدية لدى بعض الرموز الفخذية والجببية التي سعت هي الأخرى عبر مواقعها الاجتماعية الجديدة الى منافسة الزعامة الأولى في العشيرة، ما استتبع المزيد من الانقسامات الداخلية، وبالتالي ظهور المزيد من اشكال الخلل في بنيانها.
العشائر والنظام السوري
حاول النظام السوري بعد دخوله لبنان في بدايات الحروب اللبنانية، وتحديدًا بعد حرب السنتين التقرب من العشائر اللبنانية واستيعابها عبر ادراجها في مشروعه السياسي المرسوم للبنان وهيمنته على البنية السياسية والعصبية اللبنانية بكل اشكالها، والعشيرة هي جزء منها. واستطاع هذا النظام بوساطة الجيش واجهزة المخابرات ان يبني علاقات مع قسم كبير من زعماء العشائر الذين انضموا الى المشروع السوري على الرغم من احتفاظهم بمواقعهم الخاصة داخل النظام العشائري. جزء آخر من العشائر رفض أن يندرج في هذا المشروع ما تسبب في نشوب مشكلات بين الجيش السوري وهذه العشائر، ابرزها عشيرة علاوه. الاستيعاب السوري للعشائر كان يتم عبر تقديم بعضها على بعضها الآخر، ما كان يسمح للمقدمين بأن يتمتعوا بسلطة كبيرة في المجتمع المحلي quot;أمنهquot; التسلط السوري وقدرته على فرض سياساته داخل النظام السياسي اللبناني وفي ادارات الدولة اللبنانية. اما بالنسبة للفريق الذي مانع اقامة علاقة مع السلطة السورية في لبنان فلم يلقَ حظوة في السلطة اللبنانية، ولكنه في ممانعته تلك كان قد مارس كل ما يمكن أن تلجأ اليه العشائر عندما تداهمها سلطة مركزية، بالتالي احتفظت العشائر الممانعة والتي لم
تنضو في اطار المشروع السوري بسلطتها المحلية ولكنها لم تعد فاعلة على صعيد البنى العشائرية العامة بعدما استبعدت عن مراكز القرار والقوة والسلطة.
وكانت يتم استبعاد بعض العشائر بعد وصمها بسمات سياسية تتعارض مع السياسة السورية في لبنان، كأن تتهم عشيرة بإنتمائها الى حزب البعث العراقي على سبيل المثال. وهناك اسباب لها علاقة بالتوازنات التي يريد الفريق السوري تظهيرها في لبنان، ما ادى الى دعم بعض العشائر على حساب عشائر أخرى. اما عن الفائدة المرجوة من الالتحاق في المشروع السوري بالنسبة للعشائر، فهو صيرورتها مرجعًا للمواطنين في التوسط مع الفريق السوري المتسلط في لبنان، من قبيل حل المشاكل المتعلقة بالاراضي، وفك اسر معتقل ينتمي الى عشيرة ما، وما هنالك من امور حياتية تفصيلية تعني افراد العشائر والمواطنين العاديين في علاقتهم مع السوريين في لبنان.
وقد تمكن نظام الوصاية السوري من اعلاء شأن عشيرة ما على حساب أخرى من الجرود الهرملية او في بلاد بعلبك ـ الهرمل، بوساطة الانتخابات النيابية التي كان يتم اختيار المرشحين لها على لائحة السلطة من عشائر معينة، او يتم تعيين وزراء في الحكومة من عشيرة ما، او عبر التوظيف القائم على المحاصصة. وكان هذا الاستتباع السوري للعشائر سببًا اضافيًا لتفتتها ولاضعاف اللحمة في داخلها، بسبب العداوات التي قد تنشأ عن تقديم المتأخر منها وتأخير صاحب السلطة التاريخية وتهميشه. كان ذلك بين سنتي 1975 و1982 حين كان الزعيم في العشيرة ما زال يتمتع بسلطته، وحين كانت العشيرة ما زالت بنية من بنى المجتمع المحلي في البقاع الشمالي.
العشائر في الهرمل
تظهر منطقة بعلبك - الهرمل أنها المكان الأبرز لانتشار العشائر، وأصول معظمها تعود إلى بطون وأفخاذ قبائل عربية كانت تسكن في منطقة اليمن، دفعتها العوامل الطبيعية والصراعات القبلية إلى الهجرة نحو منطقة النخيلية في السعودية، ثم نحو العراق، ومنه إلى حلب وصولاً إلى مناطق جبيل وكسروان.
ويرى الدكتور محمد علي مكي في كتابه quot;لبنان من الفتح العربي إلى الفتح العثمانيquot; أنّ النتيجة الكبرى quot;لتفريغ كسروان من سكانها الشيعة، هي أنّ الهجرة المارونية بدأت بتشجيع من أصحاب الإقطاع الكسرواني، وعلى رأسهم العائلات التركمانية من بني عسافquot;. وهذا ما يفسر اليوم وجود عائلات وعشائر شيعية في قرى وبلدات مناطق جبيل والبترون وكسروان، كآل شمص، المقداد، زعيتر، حمادة، حيدر احمد، حجازي، الحسيني، شريف، حيدر، علام...
الهرمل: الثقل العشائري
تعتبر مدينة الهرمل، ومنطقتها التي تلاصق الحدود السورية، مركز الثقل العشائري في لبنان، فهي تضمّ عشائر: زعيتر، ناصر الدين، علوه، دندش، جعفر، علام، حمادة... إضافة إلى انتشار عشيرة المقداد في سهل مقنة - بعلبك، وحمية في طاريا، والمصري في مناطق بريتال حورتعلا، وشريف في اليمونة.
العشائر والسياسة
لقد كان لعشائر بعلبك دورها الأول في معارك الاستقلال اللبناني عبر التاريخ، حيث خاضت معظمها. وسجّل التاريخ ملاحم بطولية لأبناء العشائر في مواجهة الجيش التركي والفرنسي، كرشيد سلطانة دندش، ابو علي ملحم قاسم، زين مرعي جعفر (بطل معركة وادي فيسان 1926)...
لقد خاضت العشائر غمار الحياة السياسية منذ عهود الانتداب الفرنسي حتى اليوم، فكان الرئيس صبري حمادة احد أركانها، وتربّع زمنًا طويلاً في سدة رئاسة مجلس النواب، وكان للعشائر نوّابها: فضل الله حمادة، فضل الله دندش، محمد دعاس زعيتر، علي حمد جعفر، يحيى شمص، غازي زعيتر...
كما انتمى عدد كبير من أبناء العشائر إلى الأحزاب السياسية العلمانية والوطنية، وشكّل هؤلاء الخزّان الحقيقي لحركة المحرومين quot;أملquot; التي اطلقها الإمام موسى الصدر عام 1974، والذي عمل جاهدًا للقضاء على عادة quot;الثأرquot; السائدة لدى هذه العشائر، والسير بها نحو مجتمع اكثر أنسنة وتقدمًا وتطورًا.
عادات وتقاليد
وللعشائر عادات وتقاليد كثيرة، حتى وإن أصبحت في طريقها إلى الزوال، ومنها: إكرام الضيف، وإغاثة الملهوف، وعادات جميلة تشهدها المآتم والأفراح. وللعباءة دور مهم في تقاليد العشيرة، فهي رمز العزة والكرامة، وتدلّ على شرف ابن العشيرة وتمسكه بعاداته وتقاليده.
فقد ارتدى البدو العباءة منذ قديم الزمان، وهي التي تدل على السيادة والوجاهة وترتبط بالتقاليد العشائرية، فعندما تخرج العروس من منزل أهلها ترتدي العباءة للدلالة على مكانتها بين عزوتها ونخوتها وأهلها وأنها خرجت بثوب العفاف والعزة والجاه والسترة، وعندما يرتدي العريس العباءة فذلك يعني أنه أصبح رب أسرة.
وبالتالي، عند وفاة شيخ العشيرة، لا بدّ من توَلّي ابنه زعامة عشيرته، وقد يستطيع تولّيها أقرب الناس إليه أو من يستحقّ هذا المنصب.
وهكذا درجت عادة لبس العباءة، فهي مبايعة من أبناء العشيرة لسيدهم وزعيمهم الجديد. ومن تقاليد انتقال السلطة العشائرية لا بد من إعلان تتويج الشيخ من خلال لبسه العباءة التي ترمز الى الحميمية والدفء والرابطة القوية بين أفراد العشيرة الواحدة والتمسّك بتلك الرابطة.
والحسب والنسب يفرضان على الشيخ أن يشاور بني عشيرته بكلّ صغيرة وكبيرة، وعليه أن يجالسهم ويستمع إلى وضيعهم ورفيعهم.
الثأر: أبشع العادات
إنّ عادة الثأر هي من أسوأ العادات العشائرية، وأبناء العشائر يرددون دومًا مقولة quot;أخد التار مَنّو مِعيَارquot;، أو quot;ما تخَلّو إبنكن يروح رخيصquot;... وغيرها من العبارات التي تتردد داخل العشيرة لحظة سقوط احد أبنائها برصاص بعض الأشخاص، فتغلي دماء الثأر في عروق شباب العشيرة، وترمى العباءات والكوفيات والعقالات على quot;ضريح القتيلquot;، وتعلو الصرخات من أقاربه وأبناء عشيرته معاهدة: quot;وحياة شرفك مش رح تروح رخيصquot;...
وفي أكثر الأحيان يأتي أهل القتيل بالقاتل إلى قرب ضريح ضحيته، ويعدمونه فوق القبر وسط الزغاريد وإطلاق العيارات النارية ابتهاجًا. لكنّ هذه العادة المتوارثة عن العهود الجاهلية، وإن تراجعت أو خَفّت حدتها، إلا أنها ما زالت متأصلة في نطاق العشائر في مناطق بعلبك - الهرمل، وعكار، وزغرتا وبشري... والتي تعتبر في مفاهيمها أنّ quot;غَسل العار بأخد التارquot;.
التعليقات