تمكنت عشرات الجماعات المسلحة من الوصول إلى مراكز السلطة في المدن والبلدات منذ مقتل العقيد الليبي المخلوع معمّر القذافي في أكتوبر/ تشرين الأول 2011. والحكومة الانتقالية، التي حلَّت محلّ النظام، لم تفعل شيئاً يذكر لفرض الأمن من تلقاء نفسها، وتركت عددًا كبيرًا من الليبيين تحت تهديد الميليشيات، التي تتنافس على الأرض وتروّع المواطنين بالسلاح.


لميس فرحات: بعد الثورة، رفضت الميليشيات كل محاولات نزع سلاحها، معتبرة أنها تحتاجه لحماية أفرادها من القبائل المتناحرة، ولضمان عدم عودة المتعاطفين مع نظام القذافي إلى بسط سلطتهم على البلاد.

لكن الميليشيات، التي تعمل في بعض الأحيان نيابة عن العشيرة القبلية، تحوّلت من موقع الحماية إلى موقع الهجوم بعدما نفذت عمليات عدة في أنحاء ليبيا كافة.

يمكن تقسيم المجموعات هذه، وفق أجندتها، إلى بعض الميليشيات التي تساند الحكومة وتدعمها من خلال توفير الأمن والحماية، بينما ارتبطت مجموعات أخرى بمنظمات إجرامية وتورّطت في الإتجار بالبشر لأغراض الدعارة والعمل الجبري، إضافة إلى تهريب المخدرات والاختطاف مقابل فدية.

الميليشيات المرتبطة بالمنظمات الإجرامية

لعلّ البطالة وانعدام الأمل بمستقبل أفضل من الأسباب الرئيسة التي تدفع أعدادًا من الليبيين إلى الإنخراط في صفوف هذه المجموعات الإجرامية. ناهيك عن الشعور بالسلطة التي تؤمّنه هذه المراكز، إضافة إلى الكسب المادي.

بشكل عام تتألف هذه الميليشيات من المقاتلين، الذين حملوا السلاح خلال الثورة، إضافة إلى المجرمين أو مجرد الباحثين عن وظائف.

يرأس بعضها قادة متطرفون، وجّهت إليهم أصابع الإتهام بالوقوف وراء هجمات 11 سبتمبر/ أيلول على قنصلية الولايات المتحدة في بنغازي. ويدّعي هؤلاء أنهم يعملون لمصلحة السكان، لكنهم يتمتعون بسلطة كبيرة يستغلونها في تحركات مشبوهة وعنيفة.

خلال العام الماضي، أعلنت الحكومة عن عدم شرعية بعض الميليشيات بسبب تورّطها في الاتجار بالبشر، والأسلحة والمخدرات. لكن عددًا كبيرًا من الشباب يقولون إنها الطريقة الوحيدة للحصول على المال السريع.

يقول أحد المقاتلين إن الكثير من الشبان يعملون مع الميليشيات في المخدرات وتهريب الأسلحة - وخاصة ميليشيات الجنوب - لأنها تعود عليهم بالكسب المادي الوفير. لكنه يشير إلى صعوبة التخلّي عن أسلحتهم، لكونهم ساهموا في إسقاط النظام من دون أن يحققوا مكاسب شخصية، مثل الوظيفة أو المنح الدراسية.

ميليشيات مصراتة.. ظل الحكومة؟

تعتبر ميليشيات مصراتة الأقوى من حيث التسليح، إذ إنها إستحوذت على الدبابات والصواريخ المضادة للطائرات، والمدفعيات الثقيلة، التي خلفها جيش القذافي، بعدما فرّ من قصف الناتو في أيار/مايو 2011.

قبل شهرين، اجتاحت ميليشيات من مصراتة بلدة بني وليد القريبة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 70 ألفاً، بناء على أوامر من المجلس الوطني الليبي، للقضاء على آخر الشخصيات الموالية للقذافي.

حينها استخدمت الميليشيات المدفعية في هجماتها على المدينة التي يعرف عن قادة القبائل فيها بأنهم من المنافسين والمعادين لقادة قبائل مصراتة.

واعتبرت قبيلة ورفلة، سكان بني وليد، أن الهجوم كان إنتقامياً على خلفية دعمها للقذافي . إذ إنها بدلاً من البحث عن الموالين تم اعتماد الخيار العسكري، ومع ذلك لم يتم اعتقال أي مسؤول سابق في العملية العسكرية تلك.

على الرغم من قيام مجموعات ميليشياوية عديدة من التوقيع على اتفاق ينص على وضع جنودها تحت سلطة وزارات الدفاع أو الداخلية، وأن تقتصر مهامهم اليوم على حراسة المناطق وإقامة نقاط التفتيش، إلا أن هذا الأمر لم يتم تطبيقه.

يمكن الحديث أيضًا عن نوع آخر من هذه الجماعات، التي تعتبر غير منحازة، والتي تسعى إلى مصالح القبيلة أو المدينة المتواجدة فيها، وتعمل بشكل مستقل عن السلطات، على الرغم من أنها وقّعت على اتفاقيات مع طرابلس للعمل في ظل الحكومة.

يذكر أن النظام السابق كان يمنع الجيش والشرطة من حيازة الأسلحة لعرقلة أي مخطط للانقلاب، وحين سقط النظام ملأت بعض الميليشيات الثغرات الأمنية التي خلّفها الجيش والشرطة.

أدى عدم قدرة الحكومة الليبية على ضبط السلاح إلى أعمال الفوضى والعنف في البلاد، لا سيما عندما اقتحم أفراد الميليشيات قنصلية الولايات المتحدة في بنغازي، ما أدى إلى مقتل السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة آخرين.

يقول عبد الرحمن السويحلي، رئيس لجنة الدفاع في المؤتمر الوطني الليبي، quot;علينا أن نسير في مسارين في وقت واحد، فمن ناحية، علينا العمل مع الميليشيات، لأنها هي الوحيدة القادرة على ضمان الأمن في ليبيا. ومن ناحية أخرى، علينا أن نبدأ في تشكيل جيش محترفquot;.

لكن تصريحات مسؤولين حكوميين آخرين تقدم صورة أكثر تشاؤمًا، إذ إنهم يرون أن ليبيا لن تتخلص من الميليشيات في أي وقت قريب، فالبلاد بلا جيش وطني حقيقي، والحكومة تعاني ضعفًا، ولا يمكنها السيطرة على هذه المجموعات.