غرق لبنان في سيوله الجارفة، وارتفع منسوب الأنهار والبرك والسواقي، لتغمر المنازل والمتاجر والأراضي المزروعة. حمّل الناس الدولة ووزارة الأشغال مسؤولية ما حل بهم من أضرار، لكن الوزير غازي العريضي أكد أن وزارته قامت بواجبها كاملًا، وأن ضميره مرتاح.
بيروت: العاصفة الهوجاء التي حلت بلبنان، وبدول شرق أوسطية أخرى، تركت آثارها الفادحة في ثلاثة ايام عامرة بالأمطار الغزيرة والسيول الجارفة والحرارة المنخفضة، بشكل لم يعهده لبنان من قبل. وكما هي العادة، تنادى المتضررون للوم الدولة اللبنانية، التي قالوا إنها غائبة عن السمع، تهبّ للعمل أثناء الكوارث بلا رؤية محددة، وبلا تدابير وقائية.
الضاحية الغارقة
نالت الضاحية الجنوبية لبيروت نصيبًا كبيرًا من العاصفة، خصوصًا منطقة حي السلم التي بليت بارتفاع منسوب نهر الغدير، غامرًا الشوارع وسياراتها، والمنازل من عتباتها ونوافذها، مخلفًا اضرارًا تقدر بالملايين في البيوت والأملاك. واليوم، في اليوم الثالث للعاصفة، ومع ابتداء انسحارها شيئًا فشيئًا، تراجع منسوب النهر، وهرعت فرق الدفاع المدني لتعمل منذ صباح الأربعاء لتزيل الاتربة التي خلفتها السيول من الشوارع والبيوت والمتاجر، ولتفتح المجاري من أجل وقف تدفق المياه، لتخلي البيوت على ضفاف النهر المشرفة على الانهيار.
في حديث صحافي، قال محمد سعيد الخنسا، رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت إن منطقة الضاحية الجنوبية تضررت بفعل الموج العالي الذي ضرب الشاطئ وتسبب بأضرارquot;.
وحمل الخنسا مسؤولية القصور البلدي في الضاحية للدولة اللبنانية، التي حرمت البلديات في الاعوام الماضية من الاموال المستحقة لها، والتي كان ليساعدها في تعزيز إمكانياتها لمواجهة العاصفةquot;.
أضاف: quot;الطرقات الرئيسة هي مسؤولية وزارة الاشغال العامة وليست مسؤولية البلديات، والاستعداد لمثل هذه العاصفة لا يتم قبل وصولها بيوم أو يومين، بل في شهري آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر)، بتنظيف المجاري وتنفيذ أعمال الصيانةquot;.
وقال أحمد عميص، صاحب أحد المتاجر الكبرى في سوق معوض في الضاحية الجنوبية: quot;البنية التحتية معدومة، ولا تصريف في الضاحية، وهذا ما زاد الطين بلة، فغزارة الأمطار أعجزتنا عن تحويل مجرى المياه بعيدًا عن منازلنا ومحالنا التجاريةquot;، مقدرًا الأضرار في متجره لبيع الألبسة بنحو 25 الف دولار.
غائبة عن السمع
في البقاع، أصابت العاصفة مقتلًا في المواسم الزراعية، خصوصًا أن مياه برك الري والأنهار غمرت الحقول والمزارع والبيوت، خصوصًا أن عددًا كبيرًا من المزارعين يعيشون في خيام في المزارع التي يعملون فيها، أو يضمنون محاصيلها.
وقد ناشد النائب البقاعي عاصم عراجي الحكومة اللبنانية quot;الغائبة عن السمع، مساعدة الاهالي المتضررين من العاصفة في البلدات البقاعيةquot;.
وقال عراجي في حديث تلفزيوني إن الطوفان الذي غمر البقاع اليوم من جراء العاصفة، quot;خصوصًا في منطقة البقاع مسؤولية جماعية، ولا يمكن أن يتحملها وزير الاشغال غازي العريضي وحيدًا، وأنا أحمل وزير الطاقة والمياه جبران باسيل أيضًا مسؤولية الأضرار التي تسببت بها العاصفة، فتنظيف وتوسيع مجاري الانهار يندرج ضمن مسؤوليات وزارة الطاقة والمياهquot;.
أما في منطقة بنت جبيل في الجنوب، فقد تسبب الطقس العاصف بأضرار كبيرة في الشبكة الكهربائية، وكسّر الأشجار، وأتلف عددًا كبيرًا من البيوت البلاستيكية الزراعية. كما حوّل الطرقات العامة والساحات والحارات إلى مستنقعات عائمة.
إلى ذلك، رفعت الامطار من منسوب برك الجنوب الاصطناعية، خصوصًا في كونين وبنت جبيل ودبل ومجدل سلم، وفاضت مجاري السواقي لتجرف مساحات واسعة من الاتربة والمساحات المزروعة.
وفي هذه المناطق أيضًا، حمّل الأهالي المتضررون الدولة، ممثلة في وزارة الأشغال، مسؤولية الأضرار التي منيت بها ممتلكاتهم ومزروعاتهم، بسبب تقصيرها في اتخاذ الاجراءات الوقائية الكفيلة بتسهيل مرور السيول نحو المجاري المؤدية إلى البحر، بدلًا من أن تفيض وتضر بما حولها من منازل ومتاجر.
ضميري مرتاح
من ناحيته، أكد وزير النقل والاشغال العامة غازي العريضي في حديث إذاعي أن وزارته قامت بواجبها على أكمل وجه، quot;ومسؤولية الكارثة التي وقعت نتيجة العاصفة لا تقع فقط على وزارة الاشغال، فهناك مشاريع تقوم بها وزارات أخرى، وهي تتحمل المسؤولية أيضًاquot;.
وإذ رأى أن العاصفة التي ضربت لبنان استثنائية، قال: quot;القرار الاستثنائي لا يصدر عن وزارة الاشغال، بل يحتاج إلى خلية أزمة، علمًا أن وزارة الاشغال قامت بجهود استثنائية أثناء العاصفةquot;.
وأكد العريضي أن quot;ضيق الإمكانات وتراكم التقصير أدّى إلى ما شهدناه من انهيارات صخرية في مناطق عدة كالجمهور وبعبدا والشوف والبقاع الاوسط وعاصون والضنية وعكار وبسوس والقماطية، أدت إلى قطع الطرقاتquot;.
وقبل دخوله للمشاركة في جلسة مجلس الوزراء اليوم الأربعاء، قال العريضي للصحافيين إن ضميره مرتاح، quot;لأن وزارة الأشغال نفذت الأعمال التأهيلية في خلال فصل الصيف تداركًا لأمطار الشتاء، كما قامت بواجبها وتحملت مسؤوليتها خلال العاصفةquot;. وأضاف: quot;أنا تحملت مسؤوليتي وأملك الجرأة في قول الحقيقةquot;.
خلال الجلسة الوزارية، أشاد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بالإجراءات المتخذة من قبل الوزارات المعنية في مواكبة العاصفة، quot;خصوصًا أن مثل هذه العواصف تحصل في بلدان أخرى وما زلنا في أول الموسم، ما يعني إمكانية عودة مثل هكذا عواصف في وقت لاحقquot;، داعيًا إلى اتخاذ المزيد من الاجراءات لحماية الناس وممتلكاتهم، ومؤكدًا: quot;ستكون هناك سلسلة من الاجراءات لاحصاء الاضرار الناجمة عن العاصفةquot;. وأقر مجلس الوزراء إعطاء الهيئة العليا للاغاثة ثلاثة مليارات ليرة لضحايا الاضرار جراء العاصفة.
التعليقات