يعتبر تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، نسخة عن حركة أسامة بن لادن، غير أن الوضع لا يقف عند هذا الحد. فمع مرور الوقت، يصعب الادعاء، أن الأمر يتعلق بـquot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot; سابقًا، وقد تقمصت الآن أشكالاً جديدة، كما تقول السلطات الجزائرية. هنا مقتطف من ملف طويل حول تنظيم القاعدة هيّأه الباحث الفرنسي quot;جون بيير فيلوquot; المتخصص في هذا الميدان، لصحيفة لوموند.
بقلم: جان بيير فيلو |
ترجمة: سعيد بوخليط |
الرباط: يعتبر، تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، نسخة عن حركة أسامة بن لادن، غير أن الوضع لا يقف عند هذا الحد. فمع مرور الوقت، يصعب الادعاء، أن الأمر يتعلق بـ quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot; سابقًا، وقد تقمصت الآن أشكالاً جديدة، كما تقول السلطات الجزائرية.
سنة 2005، قررت هذه الجماعة الانقلاب نحو فلك تنظيم القاعدة، لكنها احتاجت إلى سنتين قصد الوصول إلى أهدافها. ففي حقبة تسمية quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot;، آخر زمرة إرهابية جزائرية فاعلة، وجدت نفسها في مواجهة ضغط قوي. مع بداية سنة 2004، اهتمت الولايات المتحدة الأميركية والجزائر، بإعطاء تعاونهما الأمني صيغة رسمية، كما أن مقترحات العفو التي تقدمت بها السلطة الجزائرية أخلت الأدغال، مما أدى إلى استنزاف في عدد مقاتلي quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot; بزعامة عبد المالك درودكال أو quot;مصعب عبد الودودquot;.
سنة 2003، خرج من صفوف الحركة مؤسسها quot;حسن حطابquot;، بعد رفضه لوجهة نظر رفاقه، الذين كشفوا عن رغبتهم إعطاء صراعهم بعدًا دوليًا، وبشكل خاص حقهم في الذهاب إلى العراق من أجل محاربة الأميركيين. لذا، ووفق مبدأ أغلبية الأصوات، اضطر quot;حطابquot; إلى تقديم استقالته وحل محله quot;أبو إبراهيمquot; المعروف بـ quot;نبيل الصحراويquot;.
هذا الأخير، قتل سنة 2004 بعد عملية للجيش الجزائري. فأوكلت مهمة القيادة، إلى quot;درودكالquot;، البالغ من العمر آنذاك 36 سنة، وصاحب تكوين علمي، أهله للتخصص في صناعة المتفجرات، فترة التحاقه بـ quot;الجماعات الإسلامية المسلحةquot; (GIA).
الحروب التي يقودها الأميركيون في أفغانستان والعراق، دفعت بالإرهاب الجزائري إلى امتطاء الحصان ثانية وتمثله لأهداف جديدة.
تنظيم القاعدة بدوره، يبحث عن استراتيجية مغايرة، ويرى في المغرب: quot;حوض سمك لتغذية وحداتهquot; كما جاء على لسان quot;محمد ضريفquot;، جامعي مغربي ومهتم بالإسلام الراديكالي.
سنة 2005، حين اختطف ديبلوماسيان جزائريان يعملان بالعراق، انتهزت الفرصة quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot; كي تعلن عن ولائها لقائد تنظيم القاعدة بالعراق، أبو مصعب الزرقاوي، بل رحب quot;درودكالquot; بقتل الرهينتين.
على امتداد سنة 2006، أخرجت quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot; كل ما في جعبتها حتى تكون عند حسن ظن تنظيم القاعدة، والذي ظل محتفظًا بجوابه حول طلب الإدماج، إلى غاية شهر يناير 2007، حينما سلمه رسميًا قميص المحارب تحت يافطة تسمية : [القاعدة في بلد المغرب الإسلامي].
سنة 2007، يقدم المستقيم الجديد دليل تصديقه. في شهر أبريل، شهدت كل من الدار البيضاء والجزائر العاصمة، عشرات المحاولات الانتحارية، وفق الأسلوب quot;العراقيquot; غير المألوف في المغرب. ثم شهر دجنبر، هزت الجزائر موجة هجمات اقترفت هذه المرة ضد مقر الأمم المتحدة والانتربول، وقد كان الصدى الإعلامي جليًا. كما، اغتيل في الوقت ذاته أربعة فرنسيين في موريطانيا يوم 24 دجنبر، أكد quot;تنظيم القاعدة في المغرب الإسلاميquot; مسؤوليته عن الحادث.
سنة 2008، طرح quot; درودكالquot; استراتيجية لإعطاء جماعته بعدًا عالمًيا. جدد، أغلب ضباطه وكذا قادة المناطق العسكرية وعيّن مكانهم آخرين شباباً، أسر رهائن نمساويين جنوب تونس، ثم كنديين وألمانيين وسويسريين بالنيجر، مع تصعيد عملياته المناوشة في كل مكان تقريبًا. غايته التحول إلى القوة المعارضة الأولى في بلاد المغرب، ذلك ما قاله بوضوح لـ quot;نيويورك التّايمزquot; عبر حوار أجرته معه شهر يوليوز 2008. يسعى في إطار خططه الحربية، أن يتجنب قدر ما يمكنه ذلك خلق ضحايا بين المدنيين المسلمين. تشكل قوات الأمن أهدافه الأولى داخل الجزائر، ثم تظل فرنسا عدوه الرئيسي بجانب الولايات المتحدة الأميركية.
أما، عن مصادر تمويل quot;تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلاميquot;، فقد استندت لفترة طويلة الى الابتزاز والتهريب ثم اللصوصية (وبشكل خاص، على امتداد الحدود المغربية الليبية، الموريطانية). لكن، مع نهاية 2008 تمكن من الحصول على إيرادات وافرة عن طريق اختطاف الرهائن الغربيين مما خول له ثروة حقيقية. حتى يومنا هذا، لم ينفذ حكم الموت إلا في حق رهينة واحدة، وبالضبط بريطاني خلال شهر مايو 2009 بدولة مالي، حينما رفضت لندن تأدية الفدية المطلوبة.
أين يتواجد، quot; درودكالquot; اليوم ؟ على وجه الاحتمال، بمنطقة quot;القبايلquot; في قلب أدغالها التي يعرفها أيضا أفضل من قوات الأمن الجزائرية، حيث يختفي هناك منذ ست عشرة سنة.
لما تبوّأ باراك أوباما، مقاليد السلطة بالبيت الأبيض وإعلانه انطلاق مسلسل انسحاب القوات الأميركية من العراق إلى غاية نهاية 2011، وجد درودكال صعوبات أمامه لاستقطاب وتجنيد المتطوعين : ((أوباما من أصول إسلامية، فلماذا نحاربه؟ ولما تكلم الرئيس الجديد في خطابه في القاهرة عن quot;الاحترام المتبادلquot; فقد عمق الحيرة السائدة)) يشير بهذا الصدد، quot;ماثيو غيديرquot; باحث مختص في شؤون quot;تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلاميquot;.
من دون شك، من الضروري أن نضعه في الحسبان ولفترة طويلة. لقد انتقل ثقله أخيرًا من المغرب إلى الساحل، والمجندون الجدد هم بالأحرى موريطانيون وماليون مقارنة مع المقاتلين المنحدرين من الجزائر. ربما، لأنه في الجنوب،ما زال بإمكان تنظيم القاعدة الكشف عن جاذبية الجدة.
ـ عبد المالك درودكال: صانع المتفجرات وزعيم التنظيم
هل مات ؟ مثلما أعلنت عن الخبر السلطات الجزائرية في مناسبات عديدة، آخرها شهر يونيو 2004 ؟ شيء مستبعد الاحتمال، ما دامت صورة لجثة عبد المالك درودكال، لم تعرض بعد. بالتالي، يمكننا التمسك بعدم صحة إشاعات وفاته أثناء مواجهة مع قوات الأمن الجزائرية ؟ ذلك، في كل الأحوال موقف quot;ماتيو غيديرquot;، أستاذ في جامعة جنيف وباحث مختص في شؤون تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، كما أنه مبرّز في اللغة العربية. بين صفحات كتابه:
quot;القاعدة غزو بلاد المغرب(2007)quot; ،كرس بين صفحاته محاور عديدة للمسؤول عن التمثيل القويم لأسامة بن لادن ببلاد المغرب.
ولد درودكدال يوم 20 ابريل 1970 في قرية quot;زيانquot; غير البعيدة عن quot;البليدةquot; وعلى مسافة 50 كلم من العاصمة الجزائرية. لا نعرف، شيئًا عن ماضي التلميذ سوى حصوله على شهادة الباكالوريا سنة 1989. بعد ذلك، وجه اهتمامه إلى دراسة الهندسة في جامعة quot;البليدةquot;.
نحن الآن مع بداية سنوات 1990، حين سرق الجيش الجزائري من جبهة الإنقاذ الإسلامية فوزها بالانتخابات التشريعية. اضطرت، معه إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع السلطة. النتيجة، حرب أهلية دموية مزقت الجزائر مدة عشر سنوات. ومثل كثير من مواطنيه، تعاطف درودكدال مع جبهة الإنقاذ الإسلامية ثم انضم إليها سنة 1992. سنة بعد ذلك، دشن مقاومته السرية في صفوف المجموعات الإسلامية المسلحة (GIA)، وهو يبلغ من العمر 23 سنة، فأسندت له مهمة صنع المتفجرات، وأصبح quot;رئيس أوراش الإنتاج العسكريةquot; داخل كتيبة مهمة. شيئًا فشيئًا، تسلق صفوف الحركة، فعيّن قائد خلية، ثم منطقة.
التحق بـ quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot; لحظة إنشائها سنة 1998 من طرف quot;حسن حطّابquot;، حيث ارتقى إلى quot;مجلس القادةquot; ثلاثة أعوام بعد ذلك.
سنة 2003، أبعد quot;حطّابquot; عن رئاسة التنظيم بسبب اختلاف وجهات نظره مع رفاقه، ليخلفه quot;أبو إبراهيم نبيل الصحراويquot; والذي سيقتله الجيش الجزائري في صيف 2004. حل محله، quot;درودكدالquot; وقد اختار اسمًا حربيًا دالاً، يعبر عن انخراطه في الجهاد : أبو مصعب عبد الودود، أي إحالة على quot;الزرقاويquot; قائد تنظيم القاعدة الشهير، الذي لقي مصرعه سنة 2006 بالقرب من بغداد. الاسم أيضا، يذكرنا بأحد أصحاب النبي محمد.
بعث، quot;درودكالquot; 200 جزائري، كي يقاتلوا في العراق، وتوجيه الصراع خارج الجزائر، دون أن يعني الأمر التوقف عن محاربة النظام القائم محليًا. أحرز على وعد من قبل حركة أسامة بن لادن يقتضي بإمكانية إدماجه، لكن وفق بعض الشروط. ثم سيعمل في السنة الموالية على تنظيم صفوف quot;الحركة السلفية للدعوة والقتالquot;.
يوم 11 سبتمبر 2006، أعلن أيمن الظواهري عن ولاء وتبعية quot;الحركة السلفية للدعوة والقتالquot;. وشهر يناير 2007، أمر أسامة بن لادن بتغيير اسم quot;الحركة السلفية للدعوة والقتالquot; إلى quot;القاعدة في بلد المغرب الإسلاميquot;. هكذا، بدأت بلاغات quot;أبو مصعب عبد الودودquot; أو quot;درودكالquot; سابقًا، تصدر تحت عنوان: quot;أمير القاعدة في بلد المغرب الإسلاميquot;، تختصره الصحافة من باب السهولة إلى: quot;القاعدة بالمغرب الإسلاميquot;.
التعليقات