المدهش حسب المتابعين لأزمة الرهائن في الجزائر، ليس وقوع الهجوم، وإنما لماذا لم يحصل مثل هذا الهجوم سابقاً. هنا، وجب فهم خلفية صراع الجيش مع الارهابيين في هذا البلد الذي يريد سلامًا وأمنًا.


لميس فرحات من بيروت: الهجوم على حقل غاز في عين أميناس وقتل العديد من العمال سوف تكون له عواقب وخيمة على الجزائريين الذين يرغبون في الغالب بحياة آمنة وسلمية، كما يقول سفير بريطانيا السابق.

ربما الشيء الأكثر إثارة للدهشة حول الهجوم الإرهابي الذي وقع الأسبوع الماضي على العمال في محطة الغاز في عمق الصحراء الجزائرية ليس أنه حدث، بل انه لم يحدث من قبل.

الارهاب والطاقة

على مدى عقود ازدهر عدد متزايد من حقول النفط والغاز وانتشرت في جميع أنحاء المنطقة، حيث ازدهر بدوره الإرهاب والتمرد، لكن الاثنين تمكنوا بطريقة ما من التوصل إلى تركيبة للعيش المشترك.

أما اليوم فقد تغير هذا الواقع، إذ اختار الإرهابيون الضرب بيد من حديد على الموارد الأكثر ربحاً في البلاد، مما يعني أن العواقب ستكون وخيمة على الجزائر.

كمستعمرة فرنسية في العام 1830، كانت أجزاء من الجزائر لديها أعضاء ممثلين في الجمعية الوطنية الفرنسية لسنوات قبل مطالب بإنهاء الحكم الفرنسي الذ بدأ بعد الحرب العالمية الثانية.

واستمرت الحرب من أجل الاستقلال ثماني سنوات قاسية حتى عام 1962، عندما قرر الرئيس شارل ديغول ان يضع حداً لها.

وفقد خمسة رؤساء وزراء فرنسيين موقعهم على التوالي بسبب عجز القوات الفرنسية المسلحة تحت قيادتهم عن هزيمة التمرد الجزائري.

وقرر ديغول أن الوقت قد حان للدعوة الى وقف الحرب؛ فيما تحول أولئك الذين قاتلوا في حرب استقلال الجزائر إلى أبطال وشهداء حتى يومنا هذا.

كان هذا البلد الشاب راديكاليا بطريقة أو بأخرى في عهد زعيمه أحمد بن بلة. لكنه حقق نجاحاً لا بأس به من حيث اكتشافات النفط ثم الغاز، التي بدأت في عام 1956.

وكانت النتيجة أن الجزائر اصبحت دولة علمانية، فيما تضْمن القوات المسلحة الجزائرية استمرار الوضع على ما هو عليه وتحافظ على استقرار البلاد.

الجيش يُهيمن

لكن بن بيلا خسر ثقة الجيش وتم عزله في انقلاب غير دموي في العام 1965، ليحل محله العقيد هواري بومدين.

منذ تلك اللحظة، أصبح الجيش اللاعب المهيمن في السياسة الجزائرية - وهذه حقيقة أصبحت ذات أهمية كبيرة وتحديداً الأسبوع الماضي، بعد ما يقرب من 50 عاماً، اي عندما تم اتخاذ القرار لانهاء أزمة الرهائن بواسطة عمل عسكري سريع.

ويرى غراهام هاند، سفير بريطانيا السابق في الجزائر، في مقال له نشرته التلغراف، أنّ تاريخ البلاد الغارق في الدماء جعل الجزائر ترتاب بشدة من الغرباء، وهو عامل أثر بشكل كبير على أحداث الأسبوع الماضي المأساوية، لا سيما وأن الشعب الجزائري لديه تحفظات كثيرة تجاه الفرنسيين.

الجزائر تحترم البريطانيين والكومنولث، ومستعدة لأي مشروع تجاري مع شركة بريطانية بدلاً من الفرنسية، شريطة السعر والجودة.

في وقت مبكر من التسعينات، بدا أن جبهة الإنقاذ الإسلامية ستفوز في الانتخابات التشريعية، وأعلنت انه لن يكون هناك أي حاجة أخرى لإجراء انتخابات تحت الحكم الإسلامي.

هنا تحركت القوات المسلحة، الضامنة للعلمانية، فألغت الانتخابات وحظرت الجبهة مما ادى الى اندلاع حركات الارهاب الاسلامي الذي استمر بشكل متقطع منذ ذلك الحين.

سنوات من الارهاب

وتمكن الإرهابيون من إثبات وجودهم في الصحاري الشاسعة للجنوب، كما شنوا ايضاً هجمات وتفجيرات في الشمال. وكانت الشرطيات الجزائريات، بزيهن الرسمي الذي يتألف من تنانير أو سراويل زرقاء موحدة، أهدافاً خاصة للإسلاميين. كذلك المدرسات، اللواتي قتلت كثيرات منهن لأنهن رفضن بشجاعة التخلي عن عملهم.

لكن على الرغم من هذه الأعمال، لم يتم استهداف منشآت النفط والغاز لأنه، وعلى الرغم م أن الإسلاميين يريدون استبدال الحكومة العلمانية بشيء أشبه بالنظام الإيراني، إلا أنهم لا يريدون أن يرثوا دولة فقيرة.

قدم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عفواً عن الإرهابيين الذين لم يرتكبوا جرائم خطيرة جداً، كالقتل أو الاغتصاب. وكانت هذه الخطوة الشجاعة من قبل الرئيس سبباً في فقدان الكثير من شعبيته، لكنه قام بالعمل الصحيح.

سلّم العديد من الإرهابيين أنفسهم وأعيد إدماجهم في المجتمع، مما أدى إلى إضعاف نواة الإسلاميين.

لكن للأسف، اكتسبوا بدلاً من ذلك إلهاماً جديداً باستمرار عمليات quot;القاعدةquot;، لا سيما بعد تشكيل فرع للتنظيم في بلاد المغرب في العام 2007.

أصبحت الحوادث الإرهابية أكثر شيوعاً مرة أخرى، وأكثر شراسة من أي وقت مضى. وعلى الرغم من أن الإرهابيين لم يحققوا هدفهم بإقامة دولة إسلامية، إلا أن الأحداث في مالي قدمت لهم دفعاً هائلاً. لذلك، فمن غير المستغرب أن يهب عدد كبير من الشباب العاطلين عن العمل في الجزائر للإنخراط في هذه الحركة.

بالنظر إلى هذه الخلفية، فمن غير المستغرب أنه لم يكن هناك quot;ربيع عربيquot; في الجزائر، إذ ان الشعب لا يريد سوى حياة هادئة ولا توجد أي رغبة تذكر للخروج إلى الشوارع للتظاهر من أجل الديمقراطية.