العلاقات بين تنظيم القاعدة وجماعات المغرب الإسلامي واهية، ويبدو أن المشتبه به بهندسة حادث احتجاز الرهائن في الجزائر لا يدين بالولاء للتنظيم الجهادي العالمي، ولا حتى للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.


في غمرة ما كان عمليا حقبة سابقة على تاريخ الجهاد أرسل اسامة بن لادن يوم كان شابا سعوديا ثريا عقائديا صاحب علاقات واسعة ومقاتلا مخضرما ضد السوفيت في افغانستان، مبعوثا الى الجزائر عارضا مساعدته لقيادة الجماعة الاسلامية المسلحة، التي كانت عصبة من المتطرفين تخوض معركة لا تعرف الرحمة مع الدولة الجزائرية.
وأوضح المبعوث ان الجماعة الاسلامية المسلحة ستتلقى تمويلا ودعما لوجستيا ويمكن ان تصبح فصيلا في ائتلاف من المنظمات الجهادية كان بن لادن يعمل على بنائه من مقره في السودان. وكان الجواب رفضا قاطعا مصحوبا ببعض الشتائم. وكان مبعوث بن لادن محظوظا بتمكنه من الفرار سالما.
كان ذلك في عام 1993. وبعد 14 عاما و150 الف قتيل جزائري في حرب أهلية انتهت بهزيمة المتطرفين، اعلن المتبقون منهم موافقتهم أخيرا على الانضمام الى شبكة الجماعات الاسلامية المتطرفة التي عمل بن لادن خلال السنوات السابقة على تجميعها للانضواء تحت راية تنظيم القاعدة.
وبسبب الضعف الذي اعترى الاسلاميون المتطرفون في الجزائر نتيجة سنوات من الاستنزاف وحملات مكافحة الارهاب وفقدان قواعدهم الجماهيرية، كان الانخراط في شبكة عالمية خيارهم الأخير. فوُلد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. ولكن هذا لا يعني ان مَنْ هاجموا مجمع حقل الغاز جنوب شرقي الجزائر قبل ايام كانوا عناصر من تنظيم القاعدة أو حتى مرتبطين بالقاعدة. فالعلاقات التي تربط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي بقيادة تنظيم القاعدة في جنوب غرب آسيا كانت دائما علاقات واهية. وكانت مصاعب الاتصال ناهيكم عن مشقة السفر تحول دون إقامة أي تعاون متين.
كما ان من المستبعد ان يقدم تنظيم القاعدة في المركز، الذي نفسه يعاني نقصا في الموارد، تمويلا الى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، الغني نسبيا. ولكن ما قدمه تنظيم القاعدة تكتيك لم يكن معروفا في الجزائر من قبل وهو التفجيرات الانتحارية التي توقع خسائر كبيرة بالأرواح. ولكن موجة من مثل هذه الهجمات بعد انضواء التنظيم في التحالف العالمي الأوسع للجماعات الجهادية عام 2007، افقدته بسرعة ما تبقى له من تأييد محلي.
ويخفي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وراء اسمه المفخَّم حقيقة فوضوية، على حد وصف صحيفة الغارديان مشيرة الى ان التنظيم فشل في توحيد الجماعات المحلية المبعثرة على امتداد المنطقة الساحلية في شمال افريقيا. وحتى في الجزائر نفسها تنقسم الجماعات المتطرفة الى جماعات شمالية واخرى جنوبية، وكل واحدة من هذه تنقسم بدورها الى أجنحة متصارعة. وأخيرا فان مختار بلمختار الذي يُشتبه بأنه مهندس الهجوم على مجمع عين ميناس لاستخراج الغاز، يقود جماعة منشقة لا تدين حتى بولاء شكلي لجناح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي في الجنوب ناهيكم عن الولاء للتنظيم بصفة عامة. وهي لا تدين بالولاء لتنظيم القاعدة الأم بكل تأكيد. وإذا كانت جماعة بلمختار حلقة في سلسلة التنظيمات المنضوية تحت راية القاعدة فهي سلسلة طويلة حقا.
ورغم ان بلمختار لم يبايع بن لادن ولا وريثه في قيادة القاعدة ايمن الظواهري فانه اعرب عن اعجابه بالرجلين. كما طرح آراء جهادية تقليدية تؤهله للانتساب الى quot;القاعديةquot;. وبالتالي فان بلمختار يشكل جزء من المشهد المتشظي للتطرف الاسلامي في المنطقة، الذي يشبه من بعض النواحي ايام الفوضى التنظيمية في اوائل التسعينات قبل ان يذيع صيت بن لادن أو ينجح في تحقيق قدر من الوحدة المؤقتة وإن كانت جزئية بين الفصائل المتعددة التي اختارت التطرف والعنف نهجا لها. وما يؤكد هذا الرأي احد المطالب التي قدمها بلمختار، كما افادت التقارير، وهو الافراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن، الاسلامي المصري الذي سُجن في الولايات المتحدة بعد هجوم 1993 على مركز التجارة العالمي في نيويورك.
وتشير المعلومات الاستخباراتية خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية الى سلسلة من المبعوثين الذين ارسلتهم القيادة المركزية لتنظيم القاعدة الى شمال افريقيا ومنطقة الساحل. ولا يُعرف الاستقبال الذي لاقوه هناك وما إذا عادوا مشيعين بالشتائم كما حدث لمبعوث القاعدة في عام 1993. ولكن التاريخ يعيد نفسه في بعض الأحيان.