وصل حجم تجارة التبغ المهرّب في شمال أفريقيا إلى مليار دولار، وهي التجارة التي يديرها متشددون، منهم مختار بلمختار، الذي دبّر الهجوم الذي شُنّ أخيراً على محطة غاز quot;إن أميناسquot; في الجزائر، وتتسم بكونها مربحة للغاية، وأخطارها محدودة جداً.


أشرف أبوجلالة من القاهرة: كان مختار بلمختار، الذي شنت كتيبته، التي يطلق عليها كتيبة quot;الموقعون بالدمquot; هجوماً على محطة غاز quot;إن أميناسquot; في الجزائر، وراح ضحيته ما لا يقلّ عن 38 فرداً، يعتبر شخصية غير مهمة نسبياً في النظام الأيكولوجي السياسي في تلك المنطقة الشاسعة.

غير أن الغموض يهيمن على شخصية ووضعية بلمختار، الذي حارب مع المجاهدين في أفغانستان والجماعة الإسلامية المسلحة في الحرب الأهلية الجزائرية، قبل أن يصبح في الأخير قائداً في فرع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في مالي.

وقد سبق له أن دبّر في 2003 اختطاف 32 سائحاً أوروبياً ليحررهم بعدها بنجاح. ومنحته الأموال البذرة التي كان يحتاجها لتكوين تجارة متطورة في كل أنحاء الصحراء الأفريقية، إلى جانب الطريق المالح القديم الممتد على مسافة قدرها 2000 ميلًا، والذي يستخدمه رجال قبائل الطوارق، لنقل البضائع من ساحل القارة الغربي إلى تمبكتو في مالي، ثم إلى النيجر، قبل أن تصل إلى جنوب الجزائر، التي تعتبر بوابة للبحر المتوسط.

لكن في الوقت الذي يكسب فيه الطوارق المال من خلال تجارتهم بالملح والذهب والحرير، فإن بلمختار، الذي تربطه علاقات وطيدة برجال القبائل من خلال الزواج من بنات كثيرات من أبرز العائلات، قد كوّن ثروة من خلال سلعة مختلفة، وهي السجائر المهرّبة. وهي التجارة الضخمة التي جعلت الناس يطلقون عليه quot;مستر مارلبوروquot;.

نقلت في هذا الصدد صحيفة الغارديان البريطانية عن مورتن بواش، وهو زميل أبحاث بارز في جامعة أوسلو، قوله: quot;لم يكن ( بلمختار) شخصاً مهماً في القاعدة في المغرب الإسلامي، فقد كان مختلفاً إلى حد بعيد عن القاعدة وبن لادن. فهو معروف عموماً بأنه واحد من الأشخاص الأكثر واقعية، وأكثر اهتماماً بالمال عن الجهادquot;.

مضت الصحيفة البريطانية تشير إلى أن الدور الرئيس الذي تلعبه السجائر في تسهيل الأنشطة الإرهابية يتم تجاهله، لأسباب غير مفهومة تماماً. لكنه بات ذا أهمية ملحّة بالنسبة إلى الوكالات الاستخباراتية، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تفحص أفرع القاعدة المتنوعة، التي تعمل وتنشط بفاعلية في أنحاء المنطقة الصحراوية كافة.

عقب إجراء مقابلات مع وكلاء وخبراء في هذا المجال، فقد خلص الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين إلى أن تهريب السجائر يوفر القدر الأكبر من التمويل لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. ومن أفرع هذا التنظيم ذلك الذي يعرف بـ quot;أنصار الشريعةquot; والمسؤول عن قتل السفير الأميركي، كريس ستيفنز، في مدينة بنغازي الليبية.

وأشارت الصحيفة في السياق عينه إلى أنه يُعتَقَد أن القيمة الإجمالية لتجارة التبغ غير المشروعة في شمال أفريقيا تتجاوز المليار دولار (632 مليار جنيه إسترليني).

ويقدر مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة بأن الأفارقة يدخنون 400 مليار سيجارة في العام، يتم شراء 60 مليار منها في السوق السوداء. ومع هذا، تبين أن خمسة بلدان فقط، هي الجزائر ومصر وليبيا والمغرب وتونس، تدخن 44 % من سجائر القارة، فضلاً عن أن أسواقهم السوداء تعتبر أكبر في الحجم بشكل كبير. كما إن أكثر من ثلاثة أرباع كل السجائر التي يتم تدخينها في ليبيا، على سبيل المثال، غير مشروعة.

وقد تسببت المساعي المبذولة لضبط تدفق التبغ المحظور في تلك البلدان في اشتعال حرب عصابات في الوقت الذي يتنافس فيه بلمختار وباقي أفرع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي مع بعضهم البعض، وكذلك مع قبائل الطوارق ومسؤولي الجيش والحكومة الفاسدين، في محاولة من جانب كل طرف للهيمنة على التجارة.

لفتت الغارديان إلى أن السجائر تدخل في كثير من الأحيان غرب أفريقيا عن طريق غانا وبنين وتوغو. ويوجد كذلك طريق آخر عن طريق غينيا، حيث يتجاوز المعروض احتياجات البلاد بشكل كبير، ثم يتم نقل السجائر إلى مالي عن طريق البر أو عبر قارب يسير في نهر النيجر، حيث تقلّ مع هذا المسار احتمالات الكشف عنها. وهناك محور ثالث عن طريق موريتانيا لتوفير السجائر للسنغال والمغرب والجزائر.

أثار التهريب المتوطن للسجائر في مثل هذه الدول تساؤلات بشأن الدور الذي تلعبه شركات التبغ الكبرى، وتحديداً إلى أي مدى يجب أن تتحمّل فيه مسؤولية أن يتم استخدام مسارات التوزيع في ملء خزائن بعض الجماعات الإرهابية الأكثر خطورة.

وأشار الخبراء في الوقت عينه إلى أن الأرباح التي يتم تحقيقها من خلال تهريب السجائر تشعل أنشطة إجرامية أخرى، بما في ذلك المخدرات والنفط والاتجار بالبشر، وهي النشاطات التي تستعين في كثير من الأحيان بشبكات التوزيع نفسها. وهو ما يساعد على تفسير السر وراء استخدام الجماعات الإرهابية للتجارة غير المشروعة.

قال ديبورا أرنوت الرئيس التنفيذي لإحدى الجماعات الخيرية المعنية بالتدخين والصحة: quot;تهريب التبغ من النشاطات المربحة والمنتشرة. ويساعد على تمويل الإرهاب العالمي والصراعات ويشجّع الفساد ويموّل بعض من أكثر الأنظمة قمعية في العالمquot;.

ويريد الخبراء أن تقوم الدول بالتصديق على المعاهدة الدولية الخاصة بالتجارة المحظورة للتبغ، التي ستجبر شركات السجائر على مراقبة وتتبع توزيع منتجاتها، مع تقديم العناية الواجبة إلى عملائها. وعاود بواش ليقول: quot;انتهت أيام بلمختار كمهرّب. فلم يعد يرغب قطاع الطرق والتجار في أن يكون على بعد كيلو متر واحد منه. فهم لا يريدون أن يتم استهدافهم من جانب الطائرات الأميركية التي تعمل بدون طيارquot;.