(إن أميناس)، و(عين اميناس) و(عين أم الناس)، هذا ما نقله العرب وصحافتهم حول بلدة إن أميناس الجزائرية التي كانت مسرحًا لمجزرة أليمة ذهب ضحيتها عشرات الأجانب بعد عملية احتجاز رهائن قام بها إرهابيون، لكنّ التسمية بعيدة عن العين !
إسماعيل دبارة من تونس: وجّهت صفحات تدافع عن الثقافة الأمازيغية في شمال أفريقيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتقادات واسعة للإعلام العربي الذي غطى أحداث إن أميناس في الجزائر بشكل مكثّف، لكنه لم يتحرّ الدقة في نقل التسمية الصحيحة للمدينة إلى العالم، وحاول تعريب اسم البلدة التي شهدت المجزرة المروعة على طريقته فأخطأ من جهة، وأثار حنق الأمازيغ من جهة ثانية.
وكان مجمع للغاز في ان اميناس في جنوب الجزائر مسرحًا لعملية احتجاز رهائن انتهت بحمام دم، وقتل 67 شخصًا في الاعتداء بحسب حصيلة رسمية غير نهائية. وقضى37 اجنبيًا من ثماني جنسيات وجزائري واحد و29 ارهابيًا في هجوم المسلحين الاسلاميين، وما تلاه من احتجاز رهائن وتصدي قوات الامن والجيش لهم.
في قلب الصحراء
إن أميناس هي بلدية في محافظة إليزي الجزائرية، تقع في عمق الصحراء الكبرى، بالقرب من الحدود الجزائرية الليبية. يسكنها قرابة الـ10 آلاف نسمة.
أنشئ في هذه المدينة عام 2006 أكبر مشروع للغاز الطبيعي المسال على مستوى البلاد. وهي تضم مطارًا تخدمه الخطوط الجوية الجزائرية وطيران الطاسيلي، كما تربطها طرق صحراوية ببقية أنحاء الجزائر.
وتسمية محافظة إليزي، هي تسمية أمازيغية تعني (المراهق)، أما ان أميناس، فهي كلمة مركّبة.
والتيفيناغ، وهي الأبجدية التي يستعملها الامازيغ لتدوين لغتهم، يستعمل الجزء الأول من إن أميناس (إن/ In) كإشارة للمذكّر، إذ تسبق الاسماء المذكرة حين الاشارة اليها بـ(إن) وتعني بالفرنسية (Celui)، في حين تتم الاشارة الى الاسماء المؤنثة باستعمال (Tin/تن)، وتعني بالفرنسية (Celle).
أما (أميناس)، فهي تسمية لوعاء معدني تستعمله القبائل الامازيغية في الصحراء لتخزين الماء، وله رديف في لهجة الطوارق، (وهم ايضًا أمازيغ)، هو quot;تانزروفتquot; (tanezrouft).
ثم بات المصطلح يستعمل ككناية عن الصحراء الجرداء الواسعة، والتي لا تتضمن ماءً ولا مراعي، وهو لا يشذّ ها هنا مع غالبية أسماء المواقع الجغرافية في المناطق التي يسكنها الأمازيغ، وهي عادة ما تكون تسميات تحيل إلى المجاري المائية أو بعض أنواع النبات.
فمثلاً، ادرار (مدينة جزائرية) تعني quot;جبلاًquot;، ومدينة تيزي ووزو تعني زهرة الاقحوان، وسرت الليبية تعني quot;خليجاًquot; وتافرويت تعني quot;بركةquot; أو quot;بحيرةquot; و ايموزار المغربية تعني quot;شلالاًquot;، ومدينة تالة تعني quot;نافورةquot;..إلخ.
وتستعمل بعض اللهجات الأمازيغية مفردة (أميناس) للدلالة على quot;الصحنquot; أو ما يستعمل للأكل، كما يرد المصطلح في سياق (قدموا له ماء) أو (أسقوه) لدى بعض القبائل في الجزائر.
تسمية غير دقيقة
بناءً على ما سبق ذكره، لم تتحرّ عدة وكالات أنباء ومحطات اخبارية الدقّة في ذكر اسم البلدة الجزائرية، وحتى وسائل اعلام جزائرية ناطقة بالعربية والفرنسية، وقعت في الخطأ ذاته، رغم أنّ اسم البلدة يبدو واضحًا بالحروف اللاتينية، وبعيدًا كل البعد عن تسمية (عين أميناس) التي تداولتها وكالات الانباء والمحطات في بداية الأزمة، قبل أن تقوم بعضها بالتصحيح لاحقًا.
تهكم وإدانة
بعض النشطاء الامازيغ على فايسبوك استغلوا الخطأ في التسمية للتذكير بمعاملتهم كأّقليات في ما يعتبرونه وطنهم الأم.
وهاجم شق متعصّب منهم العرب في المشرق والجزيرة، واعتبروا أنّ استعمال (عين أميناس) عوضًا عن (إن أميناس) ليس خطأ أو سهوًا، إنما محاولة للمضي قدمًا في quot;سياسة التعريبquot; ومهاجمة الارث الامازيغي للجزائر وشمال أفريقيا، بغية تجريفه وتزويره.
وكتب ناشط باسم سامي أحمد على فايسبوك معلقاً: quot; هؤلاء حتى اسم شكسبير عرّبوه فأصبح quot;شيخ زبيرquot;، وباراك اوباما اصبح quot;مبارك بوعمامةquot;... مهزلةquot;.
وعطفًا على الحادثة، نشرت عدة صفحات تُعنى بالثقافة الأمازيغية مواضيع تتعلق بتجاهل الاعلام العربي للتسميات الأمازيغية واللغة الأمازيغية ككل، رغم أنّ البربر جزء أساسي ومكون مهم في عدد كبير من الدول الناطقة بالعربية.
التعليقات