عادت أعمال القتل على الهوية في العراق، وتزايدت أعمال التفجير، وظهرت quot;داعشquot; موحدة تكتيكها القتالي ضد بشار الأسد ونوري المالكي، فخاف العراقيون من انزلاق بلدهم ثانية إلى أتون الحرب الأهلية.


أثار تصاعد أعمال العنف السياسي في انحاء العراق مخاوف على مستقبل البلد، وإضافة عامل آخر من عوامل عدم الاستقرار في منطقة ملتهبة أصلًا. وامتدت أعمال العنف، التي ارتبط تصاعدها بتداعيات الحرب المستعرة على عتبة العراق الغربية في سوريا، إلى إقليم كردستان بعد سنوات من الهدوء النسبي، فضلًا عن استهداف مساجد وأحياء سكنية في بغداد وجنوب العراق.

وقال خبراء إن الهجمات والتفجيرات التي أصبحت جزءًا من حياة العراقيين اليومية بلغت مستويات لم يُعرف نظيرها منذ العام 2008، وأخذت تكتسب سمات النزاع الطائفي بين السنة والشيعة، الذي أوصل العراق إلى حافة الهاوية في العامين 2006 و2007.

عودة القتل
قال أحمد علي، مدير قسم أبحاث العراق في معهد دراسة الحرب في واشنطن، إن العراق شهد هجمات على سجون وموجة متواصلة من التفجيرات باستخدام سيارات مفخخة واستهداف مدنيين من السنة والشيعة. وأشار إلى عودة مظاهر مشؤومة، مثل حواجز التفتيش الوهمية، والتدقيق في هويات المواطنين لقتلهم على أساس انتمائهم المذهبي، وظهور جثث مقيدة ومعصوبة الأعين قُتل أصحابها برصاصة في الرأس أو الصدر.

ويرى خبراء أن صعود الجماعات الإسلامية المتطرفة بالارتباط مع الحرب الأهلية في سوريا والأزمة السياسية الداخلية في العراق والعلاقات المتوترة بين القوى السياسية، بما في ذلك بين الكرد وحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، وشعور السنة بالتهميش والاستبعاد وتجاهل مطالبهم وتحميلهم أوزار النظام السابق، كلها عوامل أوجدت تربة خصبة للجماعات المتطرفة.

ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن ماريا فانتابي، الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية قولها: quot;إن تنظيم القاعدة يجد في العراق تأييدًا محليًا لم يلق مثله في السنوات الأخيرةquot;. وأشارت فانتابي إلى تصاعد نشاط القاعدة في المناطق الغربية من العراق، قائلة: quot;لماذا يؤيد بعض السكان المحليين تنظيم القاعدة أو يتعاون معه؟، لأنهم ينظرون إلى الحكومة كعدو لهم، وينظرون إلى قوى الأمن كعدو لهمquot;.

داعش ضد الأسد والمالكي
تزايدت احتمالات الحرب الطائفية في العراق، مع صعود جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام quot;داعشquot;، التي ترتبط بتنظيم القاعدة بوصفها قوة رئيسة على جانبي الحدود العراقية ـ السورية. وقال المحلل العراقي حارث حسن إن داعش هي الجماعة الوحيدة التي تتعامل مع العراق وسوريا على أنهما بلد واحد. وأضاف: quot;داعش تنظر إلى المنطقة بوصفها نزاعًا واحدًا، وتستخدم تكتيكات واحدة ضد الأسد والمالكيquot;.

ويؤكد محللون أن الكثير من التداعيات الإقليمية للنزاع السوري في العراق يمكن احتواؤها بحل أزمة العلاقات الوطنية والاستجابة لمطالب المحافظات السنية. وكان الإفراج عن آلاف السنة، الذين كانوا موقوفين لسنوات بلا تهمة أو محاكمة، مؤشرًا إلى أن المطلوب من الحكومة أن تفعل أكثر من الخطوات التي اتخذتها حتى الآن، ليشعر سكان هذه المحافظات بأنهم ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية.

ويلاحظ المحللون أنه بعد سنوات من النزاع الطائفي، تناقص عدد الأحياء المختلطة في المدن العراقية. وقال رمزي مارديني، من معهد الدراسات الاستراتيجية العراقي في بيروت: quot;إن القتال خلال الحرب الأهلية العراقية كان أشد قربًا، بميليشيات في مواجهة ميليشيات، لكن خطوط المواجهة الطائفية لم تعد بين حي وحي آخر، بل بين المركز والأطرافquot;.

لا ملاذ
حتى إذا اندلعت حرب طائفية جديدة، لم يبق للعراقيين أماكن كثيرة يلجأون إليها. فسوريا لم تعد ملاذًا، والأردن كان يستضيف عشرات آلاف العراقيين، قبل أن يجتاحه تدفق اللاجئين السوريين. وقال مارديني: quot;ليس هناك مجال واسع لاستيعاب موجة أخرى من اللاجئين العراقيينquot;.

ويبدو أن القطاع الوحيد الذي سلم من أعمال العنف في العراق هو قطاع النفط، مصدر ما لا يقلّ عن 95 بالمئة من خزينة الدولة العراقية، التي تتصرف بها حكومة المالكي، لدفع رواتب جيش جرار من موظفي جهاز إداري متضخم وفاسد، وما يربو على مليون من عناصر قوى الأمن والأجهزة الأخرى.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتضاعف إنتاج النفط العراقي أكثر من مرتين بحلول نهاية العقد الحالي، وبحلول عقد الثلاثينات من القرن الحادي والعشرين، سيكون العراق ثاني أكبر دولة مصدرة للنفط بعد السعودية. وقال ستيفن ويكن، المستشار في شؤون الطاقة المتخصص في العراق، لصحيفة فايننشيال تايمز: quot;إن الاحتياطات هائلة، وأهداف الإنتاج طموحة، لكن الذين يتحدثون عن سوق نفط عالمية بطريقة مجردة يميلون إلى الحديث وكأن مشاكل صناعة النفط العراقية سهلة الحل، وهي في الواقع نتيجة مباشرة لبعض المشاكل الأساسية التي يواجهها العراقquot;.