لا أمن في العراق، ما يدفع بالشباب إلى حمل السلاح الأبيض للدفاع عن النفس. إلا أن ذلك يتجاوز الدفاع إلى الاشتراك في اشتباكات، تنتج من سوء تربية جيل كامل من الشباب العراقي.
بغداد: ترتبك الكثير من الأسر في العراق حين تكتشف أن ابناءها يحملون السلاح الابيض بشكل دائم، حتى في المدرسة، لكنها تقف عاجزة عن لجم الظاهرة التي تنتشر بشكل واسع في المجتمع.
وتتعدد أنواع السلاح الابيض الذي يحمله الشباب، من السكاكين الصغيرة والمتوسطة الحجم إلى المفكات والبوكس الحديد والأدوات الجارحة الصغيرة، وأمواس الحلاقة والخناجر. وكلها أدوات يسهل الحصول عليها لتكون الوسيلة المتوفرة لفض المشاجرات اليومية. وبسبب ذلك، تزداد حالات الاصابات والتشوهات وآثار الجروح في أجساد الكثير من الشباب، بسبب اشتباكات واعتداءات لا يسلم منها حتى الكبار في السن.
دفاع عن النفس
ومثلما تختلف انواعها وأحجامها وأنواعها الغريبة، تختلف مناشئها. يقول بائع ينشر أسلحة بيضاء على الرصيف في بغداد، سمى نفسه ابو علي، إن اكثر زبائنه من الشباب الذين يفضلون الادوات الحادة والصغيرة وذات الاشكال الجميلة والمبتكرة.
ويبلغ سعر سكينة ام الياي، الشائعة بين الشباب، ثلاثين دولارًا. ويشارك الشاب غانم الالوسي في الحديث بعد شرائه سكينا صغيرة معقوفة من وسطها بسعر عشرين دولارًا. يقول: quot;هذه الالة لا تقتل بل تجرح فقط، ولا استعملها الا في حالات الدفاع عن النفسquot;. ويدافع الالوسي عن حمل السلاح الابيض مؤكدًا انه ضروري في الحالات الحرجة.
ويمسك ابو علي بنوع اخر من السكاكين القاتلة المصنوعة في المانيا، قائلا: quot;احتواء هذه السكاكين على تجويف بحجم مليمترات يؤدي إلى إدخال الهواء إلى جسم الضحية فيموت في الحالquot;. والشاب حسن حامد، الذي يعمل في بيع الخضراوات، يحمل بوكس حديد، وهو قبضة حديدية تصد المهاجم ولا تقتله. وهو استعملها مرة واحدة في شجار تسبب بجرح يده اليسرى جرحًا عميقًا، لكنه نجح في ترك اثر لا يمحى على وجه الخصم، حين باغته بضربة صاعقة.
نتيجة التهميش
وبينما ينظر حامد إلى حمل الآلات الحادة على انها رمز إلى الشجاعة والرجولة، فان الباحث الاجتماعي علوان شاكر يراها نتاجا لفترة المراهقة وقلة التعليم وسوء التربية.
ويقول حامد: quot;هي نتاج فكرة خاطئة مفادها فض النزاعات بالقوة من قبل شباب يتملكهم الشعور بالتهميش الاجتماعي والاقتصادي، في محاولة منهم للفت نظر الاخرين إلى دورهم في المجتمع، عبر سلوكيات عنيفةquot;. وما يعزز ذلك افلام العنف والمشاهد الدموية في المسلسلات والاخبار، حيث يتقمص بعض الشباب ادوار البطولة في محاكاة هذه الافلام.
ويعترف الشاب الجامعي علاء الزبيدي انه يشعر بالهيبة حين يحمل معه السلاح الابيض، وهو عبارة عن بلطة صغيرة مبتكرة توضع في الجيب وتفتح بضغطة زر. ويقول: quot;انها آلة خطرة تسبب الموت اذا ما اسيء استعمالها، لكن اصحاب التجربة والخبرة يخدشون بها الخصم ولا يتسببون بقتلهquot;.
لا إشارة صريحة
ضابط الشرطة احمد فاضل، في الحلة في محافظة بابل، يؤكد أن ضحايا العنف بالآلات الحادة أكثر من ضحايا الأسلحة النارية، لاسيما بين الشباب والفتيان. ويستقبل مركز الشرطة في قاطع معين حوالى عشرين حالة اعتداء بالسلاح الابيض كمعدل يومي، لكن اضعاف هذه الحالات تحصل من دون بلاغات، وبالتالي يصعب اعطاء احصائية حولها.
وتصل الحالات بحسب فاضل إلى الذبح بالسكين او الطعن إلى حد الموت. وفي الأماكن الخطرة التي يكثر فيها المراهقون ومدمنو المخدرات، مثل سوق الحرامية ومنطقة البتاوين في بغداد، فإن المراهقين يخبئون أمواس الحلاقة في افواههم. ويستعمل المراهق لسانه وقوة عضلات الفم ليقذف بها نحو الخصم، مسببة له جروحًا خطيرة في الوجه.
ويقول جاسم مصطفى، وهو سائق تاكسي، إن اغلب سواقي التاكسي يحملون السلاح الابيض، إن لم يكن السلاح الناري في سياراتهم وفي جيوبهم، بعدما كثرت حوادث التسليب والاعتداء. ولا توجد في قانون الاسلحة العراقي اشارة صريحة إلى السلاح الابيض، لكن المحامية هناء جابر تقول إن عقوبة حمل السكاكين والبلطات هو الغرامة، وفي بعض الحالات السجن.
التعليقات