رأى خبير إسرائيلي أن بزوغ نجم الدب الروسي في منطقة الشرق الأوسط يعود إلى خطايا الإدارة الأميركية في التعامل مع المعسكر السنّي، إذ اعتبر الأخير التفاوض مع طهران، وسياسة واشنطن حيال ما يُعرف بـ quot;الربيع العربيquot; خيانة عُظمى، لذلك قرر المعسكر عينه الانفتاح على روسيا، التي انتهزت بدورها الفرصة السانحة.

القاهرة: رأى الخبير الإسرائيلي يارون فريدمان، إن خطايا الولايات المتحدة كانت سبباً مباشراً في عودة الدب الروسي لمنطقة الشرق الأوسط، فحكومة موسكو مازالت تعكف على تعزيز وضعية نظام بشار الأسد، وباعت غواصات عسكرية لمصر، ومن المقرر أن تبني مفاعلات نووية للسعودية والأردن، وكلما زادت صعوبات الولايات المتحدة في استعادة ثقة المعسكر السني في المنطقة، باتت إسرائيل على شفا السقوط بين شقي رحى السباق النووي في المنطقة، وستصبح الرياض أول الرافضين لبناء قنبلة نووية إيرانية.
خطايا الإدارة الأميركية منحت الدب الروسي الفرصة
وبحسب تقرير الخبير الإسرائيلي، الذي نشرته صحيفة يديعوت احرونوت العبرية، فوجئ العالم اجمع باندلاع ما يعرف بـ quot;الربيع العربيquot; عام 2011، وبما يعرف بـ quot;الخريف الإسلاميquot; عام 2012، ثم صمود أنظمة عربية أمام هذا الطوفان في 2013، واليوم وفي 2014 جاءت quot;جنّة عدنquot; الدب الروسي في المنطقة، فرغم حالة الإحباط التي تخيم على العالم السنّي، نتيجة للحوار الدائر بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن غالبية الدول العربية أقبلت على الدب الروسي بشكل مفاجئ، في الوقت الذي تؤيد موسكو وتدعم نظام بشار الأسد منذ بداية الانقلاب الشعبي عليه.
ويرى الخبير الإسرائيلي في تقريره إن روسيا منحت نظام الأسد غطاءاً، رغم انه مسؤول عن مقتل 120 ألف عربي سوري، كما أن روسيا التي كانت تكره العالم السنّي، منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة ضد الأسد، هى عينها التي حاذت على تقارب الشارع العربي بشكل متزايد، ولعل ذلك يعود لسلسلة الخطايا التي ارتكبتها الإدارة الأميركية. وربما منحت تلك الخطايا فرصة لعودة روسيا إلى أحضان الشرق الأوسط.
ورغم إن زخم المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، لم ينعكس على المشهد السياسي في الشرق الأوسط، إلا إن مؤشراته تحمل عواقب كارثية على الولايات المتحدة وعلى رؤيتها الديمقراطية في الشرق، إذ إن واشنطن تراجعت عن التعاطي العسكري مع نظام الأسد، بداعي أن الأخير وافق على إخلاء بلاده من الأسلحة الكيماوية، كما أدارت الإدارة الأميركية حواراً غير متوقعاً مع الدولة الفارسية حول برنامجها النووي، وفي المقابل قلّصت الإدارة عينها مساعداتها العسكرية لمصر، في وقت باتت واشنطن على قناعة بأن القاهرة في حاجة لتلك المساعدات لمجابهة نشاطات جماعة الإخوان المسلمين، ولعل ذلك من شأنه إحراز تحول استراتيجي في المنطقة.
المعسكر السُنّي اعتبر خطوات واشنطن خيانة عُظمى
وفي نظرة تحليلية للمشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط، يقول الخبير الإسرائيلي، إن المنطقة كانت ولا زالت مجزئة إلى أكثر من فصيل مذهبي، فالمعسكر الشيعي على سبيل المثال يحظى بتأييد ودعم كامل من روسيا، بينما يرتمي المعسكر السنّي بما في ذلك المملكة العربية السعودية ومصر في أحضان الولايات المتحدة، إلا أن المعسكر السني تعامل مع خطوات واشنطن الأخيرة على إنها خيانة عُظمى.
وفي مقابل الولايات المتحدة، كشفت حكومة موسكو التي تحمي نظام الأسد عن أنها أمينة في دفاعها عن النظام، فرغم أن حكومة الرياض خصصت مبالغ مادية طائلة بحسب الخبير الإسرائيلي لدعم المعارضة السورية، إلا أنها أصيبت بخيبة أمل كبيرة، حينما تعاملت الولايات المتحدة بيد مرتعشة مع نظام الأسد، كما إن رفض السعودية الأخير لعضوية مجلس الأمن الدولي، كان دليلاً على خلافات المواقف السياسية بين الرياض وواشنطن.
ويلمح الخبير الإسرائيلي يارون فريدمان إلى أن حكومة الرياض باتت من أكثر دول الخليج تحسباً من إيران النووية، فبعيداً عن الصراع الإيراني الإسرائيلي، الذي لا تبعد جذوره عن الثورة الإسلامية في طهران عام 1979، يزيد الصراع السعودي الإيراني عمقاً تاريخياً، ليعود إلى 1.300 عاماً من الصراع، الذي هو في الحقيقة صراع مذهبي بين السنة والشيعة، فإذا ما امتلكت إيران قدرات نووية، يصبح المعسكر الشيعي أكثر غلبة من نظيره السني للمرة الأولى في تاريخ الإسلام، ولعل ذلك هو ما جعل رئيس الاستخبارات السعودية الأمير ترك الفيصل يعلن بشكل صريح: quot;انه إذا امتلكت إيران قدرات نووية، فسوف تمتلك المملكة السعودية القدرات عينها أيضاًquot;.
أزمة quot;تشرنوبلquot; اضطرت مبارك للتراجع عن بناء المفاعل
وفي حين بدأت الولايات المتحدة في تقليص عقوباتها المفروضة على إيران، استهلت الرياض بالتوازي تدعيم علاقاتها مع الباكستان، وهى الدولة الإسلامية quot;السنّيةquot; الوحيدة التي تمتلك تكنولوجيا عسكرية نووية. وخلال الآونة الأخيرة أعلن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل: quot;سندرس الحصول على مساعدات من روسيا أيضاًquot;، فهرولت روسيا إزاء ذلك بالإعراب عن استعدادها لمساعدة السعوديين على بناء وتطوير مفاعلات نووية. وفي المقابل بدأت محادثات داخل مجلس دول التعاون الخليجي، لبدء الاعتماد على التكنولوجيا النووية لأغراض مدنيّة، وانه من غير المستبعد ضلوع الروس في مثل هذه المشروعات، بحسب الخبير الإسرائيلي.
وتفيد المعطيات التي ساقها يارون فريدمان إلى أن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، كان يتطلع إلى بناء مفاعل نووي للأغراض المدنيّة، واعتمد لتحقيق ذلك على الدب الروسي، إلا أنه تراجع عن الفكرة بعد كارثة quot;تشرنوبلquot; النووية عام 1986.
لكن معلومات منسوبة لوسائل إعلام عربية، أكدت إن جزءاً كبيراً من المساعدات التي منحتها السعودية والإمارات العربية لمصر، والتي خُصصت لإنعاش الاقتصاد المصري، سيذهب نصيب الأسد منه إلى شراء أسلحة روسية متطورة للجيش المصري، ومن تلك الأسلحة غواصات وطائرات حربية من طراز quot;ميغ 29quot;، بالإضافة إلى أن روسيا وفقاً لمعلومات نشرتها صحف في موسكو تعتزم توقيع اتفاقات عسكرية طويلة المدى مع مصر، ومنها بناء مفاعل نووي روسي للأغراض المدنية في ساحل مصر على البحر الأبيض المتوسط.

تمويل روسي للمفاعل الأردني بـ 49%
ولم تكن الشهوة النووية العربية بعيدة عن الأردن، الذي أعلن منذ أسبوعين تقريباً شروعه في بناء مفاعل نووي للأغراض المدنيّة، لهدف معلن هو استخراج الطاقة، وتقليل أسعار الكهرباء، وفي حين يدخل المفاعل الروسي الأردني الذي يدور الحديث عنه الخدمة خلال عام 2021، يعطي حجم التمويل الروسي فيه وهو 49% انطباعاً بمدى حرص موسكو على بناءه.
ويرى الخبير الإسرائيلي إن أحداً لا يمكنه إنكار مدى حاجة الدول التي تفتقر للطاقة مثل مصر والأردن لبناء مفاعل نووي لأغراض مدنيّة، كما انه لن ينكر احد مدى حاجة دول الخليج إلى المفاعلات عينها، حينما تنضُب مصادر ثرواتها النفطية، إلا أن السباق النووي سواء إذا كان بغرض السلم أو الحرب، سيُفضي في نهاية المطاف إلى تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة نووية، كما انه لن تكون هناك حدوداً أو قيوداً، إذا باتت المنطقة تعيش هذا الواقع.
المشهد الجديد في الشرق الأوسط سيضع الولايات المتحدة أمام تحد غير متوقع: صعوبة في إعادة المعسكر السني إلى أحضان واشنطن، أو شراء ثقته مجدداً، وفي حين ستحاول الولايات المتحدة بذل الجهود للوصول إلى هذا الهدف، ستعزز روسيا علاقاتها المتشعبة مع دول المنطقة. كما أن الأزمة المزمعة ستُسفر بحسب الخبير الإسرائيلي عن تقارب عدوين مخضرمين هما: المملكة العربية السعودية وإسرائيل، إذ ستتلاقى مصالح الدولتين للحيلولة دون امتلاك طهران لقنبلة نووية.