ينذر الصندوق الأسود بتفخيخ صناعة الرئيس المقبل في الجزائر، إذ يربط بتدخل الجيش في الانتخابات، والسؤال المطروح إن كانت المؤسسة العسكرية ستوافق على ولاية رابعة لبوتفليقة.


الجزائر: قال مراقبون جزائريون لـquot;إيلافquot; إن الاقتراع الرئاسي المقبل سيسير على شاكلة سابقيه، حيث يرفض كثيرون التصديق أن العسكر لا يتدخلون في اختيار الرئيس، طالما أن ذلك، بلسان وزير سابق، quot;من ثوابت النظام الجزائري في ظلّ عدم احترام المتنفذين لإرادة الشعب وعدم استساغة الاحتكام إلى لعبة انتخابية حرة ونزيهة وعادلةquot;، على حد وصفه، بيد أن المعني يرفض التسليم بهذا المعطى كحتمية تاريخية أو كقدر مفروض.

من رحم العسكر

يصمّم عبد المجيد مناصرة، رئيس جبهة التغيير (فصيل إخواني)، على حقيقة واقعية مفادها أن الرئيس في الجزائر يختاره الجيش ويقبله الشعب مُجبراً غير مخيّر، quot;وعندما يبدأ أي رئيس في ممارسة السلطة، فإنه يحتاج إلى التفاهم مع المؤسسة العسكرية، وعندما يختلفان يضطر الرئيس إلى مغادرة قصر المرادية بإرادته أو بغير إرادتهquot;.

ويتكئ مناصرة، صاحب الباع الطويل في الممارسة السياسية، على تاريخ بلاده، فأول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة الراحل أحمد بن بلّة أتى به الجيش إلى الرئاسة وذهب بإرادة الجيش، الذي كان على رأسه آنذاك غريمه هواري بومدين، الذي حكم الجزائر بعد بن بلّة بالجيش إلى أن مات. وحسمت المؤسسة العسكرية المنافسة المستعرة على خلافة بومدين في أواخر سبعينيات القرن الماضي، باختيار الشاذلي بن جديد ثالث رؤساء الجزائر.

ويقول مناصرة: quot;عندما وقع الخلاف بين الشاذلي والعسكر حول التعامل مع الانتخابات التشريعية التي فازت بها جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة في كانون الأول (ديسمبر) 1991، تعيّن على الشاذلي المغادرة، ما مهّد لقدوم خلفه محمد بوضياف، الذي جاء به الجيش أيضًا لقيادة مرحلة جديدة.

كما يشير إلى أن الأمر ذاته حصل مع علي كافي في تموز (يوليو) 1992، واليامين زروال في شباط (فبراير) 1994، ثمّ بوتفليقة في نيسان (أبريل) 1999، موضحًا جزئية أساسية تتركّز في أن بوتفليقة رفض الإمساك بزمام الرئاسة في شتاء 1994، لرفضه أن ينصّب من لدن الأحزاب والمنظمات والجمعيات، إذ طالب حينها بإعلانه رئيسًا من طرف الجيش، وهو ما تمّ لاحقًا، فاتخذ منافسوه حينها الأمر ذريعة للانسحاب في آخر أيام الدعاية الانتخابية.

الجيش لن يعترض

يجزم مناصرة أنّه إذا رأى بوتفليقة في نفسه القدرة الصحية للترشح إلى ولاية رابعة، سيكون له ذلك لأنّ الجيش لن يعترض. أما إذا امتنع الرئيس عن الترشح، فإنّ مركز القرار سيتحول مباشرة إلى المؤسسة العسكرية، ومشاركة بوتفليقة في اختيار من يأتي خلفًا له ستكون مضمونة ولن تكون حاسمة، بالرغم من أنه قد يحاول استخدام حق الفيتو ضد أشخاص معينين، على حد تأكيد النائب السابق في البرلمان.

ويتوقع مناصرة أن لا تنكشف أسرار الرئاسيات، بل يرجّح تواصل هالة الغموض أطول مدة ممكنة، رابطًا ذلك بطبيعة السلطة الحاكمة التي استهوتها طريقة إدارة شؤون البلاد بالغموض وتفضيل التعامل مع الشعب والمعارضة بلعبة الغميضة.

لكنه يحذر من أن الغموض لا يخدم الجزائر، ولا يصنع مستقبلًا، ولا يبني ديمقراطية، quot;بل هو لعب بالنار التي قد تحرق صاحبها قبل غيرهquot;. ويستغرب أن تكون كل مفردات المنافسة الرئاسية غير معلنة بعد، وأوراقها لم تنكشف، بالرغم من أن موعد استدعاء الهيئة الناخبة بات وشيكًا.

طرف جوهري

يعتقد الدكتور حبيب بوخليفة، الأستاذ في جامعة الجزائر، أن الانتخابات القادمة ستكون خاصة جزئيًا، لكنها لن تكون مغايرة لانتخابات سابقة. ويوقن بوخليفة أن المؤسسة العسكرية لا تقبل بصرفها نهائيًا عن هذا الحدث المهم، quot;فهي لا تزال إلى يومنا هذا العنصر الأساسي في اختيار الرئيس لأسباب عديدة، منها الوضع الكارثي الذي يعيشه المجتمع الجزائري، ثم نتائج ما يسمى بالربيع العربيquot;.

لكن بوخليفة يرجّح تشاور العسكر مع الأطراف الجزائرية المتصارعة، لا سيما أنّه يرى في المرحلة الحالية آخر لحظات نظام فشل في تنظيم المجتمع الجزائري، نظام يتنفس بريع النفط والغاز. ولا يتكهنّ بوخليفة بتغيير جذري في استراتيجية اختيار الرئيس المقبل، بل يذهب إلى أن من سيحكم الجزائر في مرحلة ما بعد ربيع 2014 سيغدو محل إجماع بين كافة الحساسيات ومجموعات المصالح.

ويضع بوخليفة اللائمة على العجز الكبير لناشطي المعارضة، الذين لم يقدموا أي بدائل، بل بقيت مواقفهم هزيلة ومضحكة، quot;ما يجعل الظروف تحتم بقاء بوتفليقة في منصبه مع استحداث نائب له، بموجب اتفاق مبرم مع المؤسسة العسكرية ومن دون حاجة إلى تغيير الدستورquot;.

وفي سياق متصل، يرفض بوخليفة تأييد مناصرة بشأن غموض انتخابات الرئاسة، ويرى في المؤسسة العسكرية الطرف الجوهري اعتبارًا لتموقعها كمدافع عن الدولة وأمنها في ظروف معقدة وفي ظل فساد عام في المؤسسات، quot;ومهما كانت النتائج، الأهم بنظري هو عبور هذه المرحلة في الحفاظ على الدولة واستمرارها، لأنّ الجزائر أغلى وأكبرquot;.

خلط حسابات

بحسب المحلل عبد الرزاق بولقمح، تبقى طريقة عمل السلطة الحاكمة في الجزائر، سواء واجهتها أو جهازها الخفي، وصناعتها للقرار مسألة معقدة جدًا، في ظلّ اعتمادها تغييرات مستمرة في كل مركز من مراكز القرار. ويقدّر بولقمح أن بوتفليقة نجح إلى حد كبير في تحييد مراكز وتقوية أخرى بشكل يخلط الحسابات، لكنّه يشكك في تنظيم الرئاسيات على الطريقة الكلاسيكية، أي تسويق مرشح السلطة وتزكيته شعبيًا.

ويرى بولقمح تعقيدات هذه المرة، لأنه حتى لو ترشح بوتفليقة لولاية رابعة سيكون ذلك وفق سيناريو انتخابي يجري فيه إشراك مرشحي مختلف التيارات، مع تلبية بعض مطالب المعارضة. ويلفت إلى أن بوتفليقة، أو من سيزكيه لخلافته، سيفوز بسبب دعم مادي من رجال أعمال منتفعين من السلطة القائمة أو معنوي من الإدارة والمؤسسة العسكرية.

ويتلخص رهان السلطة، بحسب بولقمح، في طريقة إخراج هذا الموعد السياسي بطريقة تظهره يتوفر على الحد الأدنى من الشفافية لدى المجتمع الدولي والقوى الكبرى، كون هذا الرهان هو الأهم بالنسبة للنظام الحاكم في بلد يتسم بمعارضة هشة ومشتتة لا تشكّل إزعاجًا للسلطة.

وبالنسبة لدور المؤسسة العسكرية في تحديد هوية الرئيس المقبل، ينوّه محدثنا بأن الرئيس بوتفليقة، منذ وصوله الى السلطة في العام 1999، واظب على رفضه أن يكون ثلاثة أرباع رئيس، وهو إقرار بأنّ من كانوا قبله من الرؤساء لم يتمتعوا بسلطات كاملة لإدارة شؤون البلاد.

لكن استعادة بوتفليقة لبعض سلطاته، واستطاعته التواجد كشريك رئيسي في صنع القرار خلال السنوات الأخيرة، لا تعنيان أنه يقرر وحده. أما الجزم بنجاح مفترض في تحييد مراكز القرار الأخرى، عبر استظهار التغييرات الأخيرة التي قام بها في المؤسسة العسكرية، فإنه أمر مبالغ فيه، بحسب بولقمح.

شبح الفوضى

باعتقاد بولقمح، تحالف الرئيس الحالي مع جهة في الجيش على حساب أخرى، من أجل أن يكون هو مرشح السلطة لولاية رابعة، أو أن تكون له كلمة في تحديد هوية من يخلفه، quot;والأمر سابق لأوانه في الإقرار باعتراض الجيش على استمرار بوتفليقة، لأنّ الأمر لم يحسم بعد، وهناك عوامل أخرى ترتبط بمدى تحسن وضعه الصحي مع اقتراب موعد الانتخابات، والوصول إلى رجل تتوافق عليه كل مراكز القرار كخليفة لهquot;.

ويقحم متابعون عاملًا خارجيًا مهمًا في إدارة العملية الانتخابية القادمة بالنسبة للدول الغربية بالدرجة الأولى، فاستقرار الجزائر رهان مهم لأنها الدولة التي تضمن الاستقرار في شمال أفريقيا بعد انهيار الوضع الأمني في الساحل وليبيا وتونس، ونهوض الجزائر حاليًا بدور هام في ضبطه لا سيما وأنّ تبعاته ستصل أوروبا عن طريق تقوية نفوذ الجماعات الجهادية، وكذا تهريب السلاح والمخدرات بشكل يهدد مصالح الغرب وحتى أوروبا بشكل مباشر بحكم عامل الجوار مع المنطقة.

ما يهم الغرب حاليًا بنظر الكاتب المختص في الشأن السياسي، هو إجراء عملية انتخابية في الجزائر بحد أدنى من الشفافية، بغض النظر عن استمرار بوتفليقة في الحكم من عدمه. وأكثر من ذلك، يبدو فوز مرشح النظام الخيار المفضل للغرب من أجل استمرار هذه المصالح وضمان التنسيق الأمني مع الجزائر.

وسبق للفرنسي آلان شوي، المسؤول السابق في جهاز الاستعلامات الخارجية الفرنسية، أن أبرز أن صورة الرئاسيات المقبلة في الجزائر لن تتضح إلا قبل فترة قصيرة من موعدها، quot;إلا إذا فضل جناح في السلطة إحداث الفوضى، وهو أمر من السهل القيام به في البلدquot;، على حد تعبيره.

وأضاف شوي: quot;الحرس القديم المحنّط لا يشكل عائقًا في وجه التوافق على مرشح إجماع، في ظل الارتباك وعدم اليقين بشأن تقاسم عائدات النفط والغاز، التي هي قلب السلطةquot;.