ما زال الرئيس اليمني السابق علي صالح مؤثرًا في الحياة السياسية اليمنية، التي تسير ببطء بسبب نفوذ العائلات والقبائل التي تعرقل مسار المرحلة الانتقالية في اليمن.



في المناطق الواقعة شمال غرب العاصمة اليمنية صنعاء، تسيطر على الشوارع قوات يقودها ضابط منشق. وفي المناطق الجنوبية من العاصمة، يمارس الرئيس السابق علي عبد الله صالح السطوة من قصره. وفي الأحياء المحشورة في الوسط، تبسط عائلة قبلية قوية سلطتها على الأرض وفي الدوائر السياسية.

يعملون بحرية

بعد عام على تنحي صالح، في اتفاق مدعوم من جيران اليمن والولايات المتحدة، ما زالت أقوى ثلاث عائلات في اليمن تلقي ظلالًا كثيفة على مرحلة الانتقال السياسي للبلاد. وبخلاف قيادات دول عربية أخرى أطاحت بها ثورات الربيع العربي، فإن أفراد النخبة اليمنية الحاكمة سابقًا لم يُسجنوا ولم يهربوا خارج البلاد، بل ما زالوا في الداخل يعملون بحرية.
وأسهمت هذه الاستمرارية في الحيلولة دون انزلاق اليمن إلى حرب أهلية على غرار الحرب التي تمزق سوريا حاليًا، أو إلى الغليان السياسي الذي يهزّ مصر وتونس. لكن ناشطين ومحللين ودبلوماسيين غربيين يقولون إن بقاء أركان النظام السابق واستمرار نفوذهم أعاق تقدم اليمن ايضًا.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن توكل كرمان، الفائزة بجائزة نوبل للسلام، قولها: quot;نحن لا نريد إعادتنا إلى الماضي وصراعاتهquot;.

تحضر للانتخابات

يتسم استقرار اليمن السياسي بأهمية بالغة للولايات المتحدة وحلفائها، في وقت ما زال تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية يشكل فيه خطرًا على الغرب والحكومة اليمنية.
وأعلن تنظيم القاعدة، الذي يعمل قرب ممرات مائية حيوية لنقل النفط في واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم، مسؤوليته عن محاولات عدة لتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة.

وردّت إدارة اوباما بحرب مثيرة للجدل، سلاحها الطائرات من دون طيار، وأهدافها قائمة ممن تتهمهم بالإرهاب.
واليوم، يحاول صالح وعائلته واللواء علي محسن الأحمر وقبيلة الأحمر، التي لا تمت بصلة قربى إلى اللواء، إملاء النهج الذي يتعين أن يمضي فيه اليمن وصولًا إلى انتخابات العام المقبل.

شريكان فعدوّان


قال الناشط الشبابي علي البخيت، الذي شارك في انتفاضة العام 2011، لصحيفة واشنطن بوست: quot;سبب بقاء علي عبد الله صالح وعائلته في الحياة السياسية حتى الآن هو أن الأطراف الأخرى، مثل اللواء محسن وآل الأحمر، ما زالوا موجودينquot;.
وكان صالح ومحسن سيطرا على اليمن أكثر من ثلاثين عامًا، الأول بوصفه حاكمه المستبد والثاني بوصفه أقوى قائد عسكري في البلاد، إلى أن تحولا غريمين. وكان محسن يعتبر في اوساط واسعة وريث صالح، إلى أن حاول هذا تهيئة ابنه لوراثته.

وفي بلد تشكل القبائل الوحدة الاجتماعية الأساسية في بنيته، فإن صالح اعتمد اعتمادًا كبيرًا على آل الأحمر للبقاء في الحكم. وكان رب هذه العائلة شيخ قبيلة الأحمر التي تنتمي عشيرة صالح إليها.
ومقابل هذا الدعم، سمح صالح للواء محسن وآل الأحمر بإدارة شؤونهم، مستخدمين جيوشًا ومحاكم وامبراطوريات اقتصادية خاصة بهم، وكان صالح يرصد مدفوعات مباشرة من الخزانة... لدوائر تأييد قبلية وعسكريةquot;، كما كتب السفير الاميركي السابق توماس كرايسكي في برقية في العام 2005، نُشرت على موقع ويكيليكس.

انشقاقات الأحمر

شهدت العلاقة تغيرًا جذريًا في 18 آذار (مارس) 2011، بعد أن قُتل عشرات المحتجين بنيران قناصة موالين لنظام صالح. وانضم محسن إلى الانتفاضة، ليطلق سلسلة من الانشقاقات في صفوف الجيش والحكومة والقبائل.
وأصبح كثيرون من افراد قبيلة الأحمر مؤيدين للثورة، وخصوصًا الملياردير حامد الأحمر القيادي في حزب التجمع اليمني للاصلاح، أقوى الأحزاب الاسلامية اليمنية الذي يشارك في الحكومة الائتلافية حاليًا.
وانتهى حكم صالح الذي دام 33 عامًا رسميا في شباط (فبراير) 2012، حين تولى الرئاسة نائبه عبد الرب منصور هادي قيادة الفترة الانتقالية المحددة بعامين على الأقل. وبالمقابل مُنح صالح وأفراد عائلته حصانة ضد الملاحقة القضائية.

انتقام صالح

كان كثير من اليمنيين يأملون في أن يرحل صالح خارج اليمن، لكنه بقي في العاصمة واحتفظ بمنصب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام المشارك في الحكم. وما زال هادي نائب صالح في قيادة الحزب.
وقالت لينا تايلور، الباحثة المختصة بشؤون اليمن في منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان: quot;من غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت حكومة هادي قادرة على إحداث تغيير حقيقي، أو أن حكمه صيغة مخففة من نظام صالحquot;.

ويقول معارضون للرئيس السابق ودبلوماسيون غربيون إن صالح يستخدم موقعه وعلاقاته وثروته الطائلة للتأثير على الوزراء واعضاء البرلمان وغيرهم من المسؤولين في حزبه. وأطلق صالح ومؤيدوه قناة تلفزيونية لترويج مواقفهم وآرائهم، فيما يتهمه خصومه باستخدام البلطجية لقطع خطوط الكهرباء وتدمير أنابيب النفط، لكي تبدو حكومة هادي عاجزة.
وقالت كرمان: quot;ما زال الرئيس المخلوع يقوم بدور سياسي، وما زال يمارس ألعابًا انتقامية ضد الشعب اليمنيquot;.

لا يتدخل

ينفي معاونون للرئيس السابق هذه الاتهامات، ويتهمون بدورهم آل الأحمر ومحسن بمحاولة الاستئثار بالسلطة، من خلال دفع حلفائهم السياسيين الى تعيين محافظين ينتمون إلى حزب الاصلاح، وشراء خدمات موالين للحزب في الجيش والأجهزة الأمنية.
وقال ياسر العواضي، القيادي في حزب مؤتمر الشعب العام، لصحيفة واشنطن بوست: quot;لا يسيطر علي عبد الله صالح على كل شيء، ولا يتدخل، وآل الأحمر وعلي محسن وحزب الاصلاح هم من يضعون العراقيلquot;.

ويتبدى انعدام الثقة بوضوح على كل المستويات، إذ من المقرر أن يُعقد الشهر المقبل مؤتمر وطني تأخر كثيرًا لبحث قضايا تتعلق بمستقبل اليمن، مثل التحضير لكتابة دستور جديد. لكن ثمة اتهامات لحزب الاصلاح بأنه يلغم المؤتمر بمؤيديه.
وتفكر أطراف أخرى في مقاطعة المؤتمر، مثل الحراك الجنوبي الانفصالي، الذي لديه قائمة طويلة من المظالم يرفعها بوجه الشمال.

رفضهم الشعب

تعتبر اعادة وحدة الجيش مهمة بالغة الأهمية، لكن القوات المسلحة ما زالت منقسمة. وقد تمكن هادي من عزل احمد علي، نجل صالح، وأقارب آخرين من مناصب حساسة في الأجهزة الأمنية. لكن العديد من المسؤولين الأمنيين ما زالوا موالين لأسرة صالح، كما أفادت صحيفة واشنطن بوست، نقلًا عن محللين ودبلوماسيين.

وقالت كرمان: quot;الرئيس هادي لا يسيطر على أمن البلاد، وفي الواقع أن احمد علي ما زال قائد الحرس الجمهوري وعلي محسن ما زال يسيطر على الفرقة المدرعة الأولىquot;.
وأكد اعضاء في حزب الاصلاح الذي يسيطر عليه آل الأحمر ومحسن أن على أفراد النخبة الحاكمة سابقًا أن يغادروا المشهد السياسي والعسكري، لكي يتقدم اليمن.
وقال سعيد شمسان، رئيس الدائرة السياسية في حزب التجمع اليمني للاصلاح: quot;يجب ألا يشاركوا فإن الشعب اليمني رفضهم جميعًاquot;.