أكد ورئيس الوزراء المصري هشام قنديل ونظيره العراقي نوري المالكي على ضرورة الحل السلمي للأزمة السورية ومنع التدخل الأجنبي. وأعلن المالكي عن الإتفاق على تفعيل الإرادة السياسية بين البلدين من أجل تطوير العلاقات الثنائية وتنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الجانبين.


اتفقت بغداد والقاهرة على مد أنبوب نفط عراقي عبر الأردن إلى مصر وعودة العمال المصرية إلى العراق وإلغاء الإجراءات الأمنية على دخول العراقيين إلى مصر وأكدتا التعاون من أجل مواجهة العنف والارهاب في المنطقة وضرورة الحل السلمي للأزمة السياسية في سوريا ومنع التدخل الاجنبي فيها.

وخلال مؤتمرصحافي مشترك في بغداد مع رئيس الوزراء المصري هشام قنديل عقب مباحثات مستفيضة بينهما أعلن المالكي انه تم الاتفاق على تفعيل الارادة السياسية بين البلدين من اجل تطوير علاقاتهما الثنائية وتنفيذ الاتفاقات الموقعة في مجالات الطاقة والاعمار والكهرباء والنفط ومساهمة الشركات المصرية في اعمار العراق مؤكدا ان السوق العراقية مفتوحة امام الشركات ورجال الاعمال في مصر.

وأشار إلى أنّ ما حصل في العراق ومصر من تحولات سياسية وديمقراطية يتيح فرصًا واعدة لتعاون ثنائي مشددًا على أنه تم الاتفاق على العمل والتنسيق لمواجهة الارهاب والتطرف وقمع الشعوب ودعم التحولات الديمقراطية في المنطقة من خلال مبدأالاعتدال والوسطية وحل المشكلات بين الدول بالحوار والتفاهم.

وأشار المالكي إلى أنّه تم الاتفاق على عقد اللجنة الوزارية المشتركة برئاسة رئيسي حكومتي البلدين في القاهرة الشهر المقبل لتوقيع اتفاقت جديدة في الميادين الصناعية والزراعية والنفطية والتجارية والسياحية.

وقال إن اتفاقا تم على مد انبوب نفط من العراق إلى مصر عبر الاردن وميناء العقبة من اجل تكرير النفط العراقي. وأضاف أنّه تم الاتفاق ايضا على عودة العمالة المصرية إلى العراق وقال quot;ننتظر الشركات المصرية للمساهمة في بناء ملايين الوحدات السكنية وعشرات الالاف من المدارس والجسور والشوارعquot;.

وأشار المالكي إلى أنّه اتفق مع نظيره المصري على ضرورة مواجهة الخروقات التي يتعرض لها الامن القومي العربي والعمل لايجاد حلول سلمية في سوريا ووقف عمليات القتل والتدمير هناك ومنع التدخلات الاجنبية. وأشار إلى الاتفاق على ما اسماه لملمة الاوضاع والمخاطر التي تواجه المنطقة وايجاد الحلول السلمية للمشاكل والازمات على الساحة العربية وأكد دعم العراق لمخرج سلمي للأزمة السورية.

وحول مشكلة المعتقلين والمحكومين من ابناء البلدين فيهما أوضح المالكي انه تمت دراسة هذه القضية وسيكون هناك عفو عن البعض ونقل المحكومين إلى بلدهم لقضاء فترة العقوبة المتبقية فيه.

وفيما يخص ديون المصريين الذين كانوا يعملون في العراق خلال فترة الثمانينات والتسعينات أشار المالكي إلى أنّ الحكومة العراقية ستباشر بانهاء هذا الملف الديون وقالquot;اننا سنباشر من اليوم ومن خلال الوزراء المعنيين بين الجانبين بهذا الموضوع والنقاش بحل هذه المسألة من خلال ايجاد الضمانات القانونية، لاننا نحتاج إلى غلق جميع الملفات العالقة بين البلدين للانطلاق بعملية التعاون في عملية البناء والاعمارquot;.

ومن جهته أشار قنديل إلى أنّ العراق ومصر مصممان على بناء علاقات اقتصادية متينة مدعومة برغبة سياسية مشتركة تنسق في جميع المجالات. وشدد على ان بلاده عأزمة على العودة بقوة إلى محيطها العربي سياسيا واقتصاديا مبتدئة بالتعاون مع العراق في مجالات النفط والاعمار والكهرباء والتجارة والسياحة والموانئ والصرف الصحي. وقال إن المالكي أكد له ان السوق العراقية مفتوحة امام الشركات ورجال الاعمال والقطاع الخاص المصري وهناك تسهيلات عراقية في هذا المجال تتضمن منح تاشيرات مسهلة لدول العمالة ورجال الاعمال المصريين إلى العراق.

وعبر قنديل عن اسفه للاجراءات الامنية التي تتبعها بلاده حايال دخول العراقيين إلى مصر وقال إن تعليمات قد صدرت إلى الاجهزة المصرية لتسهيل عمليات دخول العراقيين وخاصة القادمين منهم للسياحة. وحول الموقف من سوريا أشار قنديل إلى أنّ البلدين لهما موقف واحد حول ضرورة وحتمية وقف نزيف الدم السوري والذهاب باتجاه الحل السلمي للأزمة هناك ورفض التدخل الاجنبي فيها.

وسيجري قنديل مباحثات في وقت لاحق يوم مع رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي تتناول تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية وتعزيز التعاون بين البلدين أضافة إلى مناقشة اخر التطورات السياسية في المنطقة وخاصة الأزمة السورية منها حيث يعارض البلدان التدخل الاجنبي في هذا البلد الذي يعيش منذ حوالي ثلاثة اعوام صراعا دمويا بين قوات المعارضة المسلحة وجيش النظام.

وكان سفير مصر لدى العراق شريف كمال شاهين قال في وقت سابق ان قنديل يقوم بزيارته الرسمية هذه على رأس وفد وزاري رفيع المستوى يضم وزراء المجموعة الاقتصادية ومجموعة من كبار رجال الأعمال وذلك لتنشيط ملف العلاقات الثنائية في جوانبها الاقتصادية والتجارية والاستثمارية وإعطاء دفعة قوية للعلاقات الثنائية بين البلدين في جميع المجالات.

وتتركز مباحثات قنديل مع محاوريه العراقيين على الجانب الاقتصادي ودراسة مشاركة مصر في عدد من مشروعات الإعمار الكبرى في العراق حيث ستشهد الزيارة الإعلان عن تأسيس مجلس الأعمال العراقي المصري المشترك ولقاءات مع كبار رجال الدولة العراقية. كما سيكون موضوع عودة العمالية المصرية واحدا من هم المواضيع التي سيناقشها قنديل مع المسؤولين العراقيين خاصة وان الاقتصاد المصري يواجه صعوبا كبيرة بعد التطورات الاخيرة التي شهدتها البلاد.

وكان العراق يستضيف خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي حوالي المليوني مصري يعملون في مختلف القطاعات العراقية لكنهم رحلوا عن البلاد اثر غزو الرئيس السابق صدام حسين للكويت صيف عام 1990 وما نتج عنه من عقوبات دولية صارمة ضد العراق اصابت اقتصاده باضرار فادحة وهبطت بقيمة عملته المحلية بشكل كبير.

وتأتي هذه الزيارة في إطار سلسلة اللقاءات التي تتم بين الجانبين المصري والعراقي والتي كان أبرز محطاتها الزيارة الأخيرة التي قام بها المالكي لمصر مطلع الشهر الحالي على رأس وفد كبير للمشاركة في القمة الإسلامية التي عقدت مؤخرا بالقاهرة والتقى خلالها الرئيس المصري محمد مرسي.

ضعف العلاقات الاقتصادية والتجارية بين العراق ومصر

وتتسم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين العراق ومصر بأتساع أفاقها وتعدد مجالاتها وتوافر إمكانيات تطويرها مستقبلاً من ناحية وضعفها النسبي خلال السنوات (2003 ndash; 2011) من ناحية أخرى حيث هناك إمكانية متاحة تتمثل بحالة التنوع الذي يمتاز بها اقتصاديات البلدين تساهم في النهوض بهذه العلاقات وبالتبادل التجاري والاستثمار الصناعي والزراعي والطاقة والسياحة والبناء والتشييد.

ويمكن توضيح ضعف العلاقات الاقتصادية والتجارية بين العراق ومصر من خلال مقارنة الحجم الحالي لهذه العلاقات مع الإمكانات القائمة والاستعدادات المتوافرة لدى المسؤولين على أعلى المستويات لتطويرها أو بمقارنتها بحجم العلاقات التجارية السابقة بين البلدين قبل نيسان (ابريل) عام 2003 لدى سقوط النظام السابق أو مقارنتها بحجم التبادل التجاري بين مصر والأردن أو دول مجلس التعاون الخليجي.

وهناك إمكانات لتطوير هذه العلاقات مستقبلاً على نحو يتوقع منه أن تمثل مصر مرتبة متقدمة نسبياً بين البلدان العربية المتعاملة اقتصادياً وتجارياً مع العراق ومن العوامل التي تؤسس لبناء علاقات امتن وأقوى توافر الإرادة السياسية على أعلى المستويات في البلدين والرغبة الواضحة بهذه العلاقات التجارية والاقتصادية واهتمام البلدين بالبحث عن آليات تفعيل هذه العلاقات إضافة إلى وجود اتفاقات تؤطر التعاون الاقتصادي وتنظم العلاقات التجارية بين البلدين.

وتعتبر مصر في مقدمة الدول العربية التي حققت مستويات عالية مـن التبادل التجاري مــع العراق حيث أن منحنى التبادل التجاري خلال الفترة (2005 - 2008) شهد اتجاها تصاعديا وان عام 2008 قد شهد زيادة واضحة في حجم التبادل التجاري وبمعدل نمو سنوي بلغ 77%، حيث بلغ حجم التبادل التجاري في هذا العام 369 مليون دولار.

وتشير تقارير رسمية عراقية إلى إن الميزان التجاري بين العراق ومصر يميل لصالح الجانب المصري حيث حقق فائضاً خلال الفترة من عام 2005 وحتى اواخر عام 2010 بسبب قدرة مصر على نفاذ سلعها إلى الأسواق العراقية فضلاً عن ضعف الجهاز الإنتاجي الزراعي والصناعي العراقي وضعف مرونته الإنتاجية وقدرته على الاستجابة للزيادات المتصاعدة في الطلب المحلي.

تطور بطئ للعلاقات السياسية والدبلوماسية

ويرتبط العراق ومصر بعلاقات تاريخية تمتد إلى أوائل القرن الماضي عندما حصل كلا البلدين على استقلالهما من بريطانيا وأقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين اللذين كانا من المؤسسين لجامعة الدول العربية عند تأسيسها في منتصف أربعينيات القرن الماضي ثم عقد البلدان العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مثل السوق العربية المشتركة وعسكرية مثل اتفاقية الدفاع العربي المشترك ومشروع الوحدة الثلاثية.

وبعد سقوط النظام العراقي السابق عام 2003 بدأت القاهرة تستقبل شخصيات عراقية متعددة إلا إن العلاقات بين البلدين تعرضت إلى صدمة عنيفة على أثر اختطاف السفير المصري المعين في العراق إيهاب الشريف وقتله في تموز (يوليو) عام 2005 من قبل مسلحي القاعدة مما كان له أبلغ الأثر على الموقف المصري وانعكاس ذلك سلباً على العلاقات مع العراق.

وبالرغم من ذلك سعت القاهرة عبر آلية اجتماعات وزراء خارجية دول الجوار والعلاقات متعددة الأطراف تقديم دعمها إلى العراق لاسيما بعد زيارة الرئيس العراقي جلال طالباني ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى القاهرة ونجاح مؤتمر دول جوار العراق الموسع وإطلاق وثيقة العهد الدولي مع العراق في مدينة شرم الشيخ عام 2007.

ومع التحسن الكبير الذي شهده الوضع الأمني في العراق والبدء بحملة الأعمار في العراق بدأ الموقف المصري ينشط باتجاه السعي لإقامة علاقات متطورة معه وتم الاتفاق عام 2009 على إعادة فتح السفارة المصرية في بغداد وتشكيل لجنة مشتركة لوكلاء الوزارات العراقية والمصرية عقدت اجتماعها ربيع العام نفسه وتوصلت على صياغة عدد من مذكرات وبروتوكولات التعاون بين عدة وزارات عراقية-مصرية على رأسها مذكرة تفاهم بين وزارتي خارجية البلدين حول التعاون الثنائي والحوار الإستراتيجي.

كما يشهد الوقت الراهن انفتاحاً مصرياً واضحاً باتجاه إقامة علاقات وتوقيع مذكرات واتفاقيات في مختلف أوجه العلاقات مع استعداد مصري في مساعدة ودعم العراق في ميادين شتى والتأكيد على الموقف المصري الثابت والدائم الداعم لوحدة الأراضي العراقية وعدم التدخل في شؤونه الداخلية وإجراء مصالحة وطنية شاملة ودعم شمول العملية السياسية في العراق لجميع الأطياف العراقية دون استثناء وقد انعكس ذلك في تبادل الزيارات المضطرد بالزيادة بين كبار المسؤولين في البلدين.

ويؤكد الموقف المصري على مساندته للعراق وحرص على استقرار أوضاعه وأمنه الداخلي ورفض أي نوع من أنواع التدخل الخارجي بشؤونه الداخلية ووقوفه على مسافة واحدة من جميع الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة في آذار (مارس) عام 2010. وفي العام نفسه قامت مصر بفتح قنصليتين مصريتين الأولى في أربيل الشمالية والثانية في البصرة الجنوبية ليكون أول تمثيل قنصلي لدولة عربية خارج العاصمة بغداد.