تتصدّر التطورات الاقليمية وخاصة الأزمة السورية إضافة إلى عودة العمالة المصرية إلى العراق مباحثات رئيس الوزراء المصري هشام قنديل مع المسؤولين العراقيين خلال زيارة إلى بغداد الاثنين المقبل تستمر يومين.


يجري رئيس الوزراء المصري هشام قنديل خلال زيارته إلى العاصمة العراقية وهي الاولى من نوعها مباحثات مع نظيره العراقي نوري المالكي تتناول تطوير العلاقات السياسية والإقتصادية وتعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى مناقشة آخر التطورات السياسية في المنطقة وخاصة الأزمة السورية منها حيث يعارض البلدان التدخل الاجنبي في هذا البلد الذي يعيش منذ حوالى ثلاثة أعوام صراعا دمويا بين قوات المعارضة المسلحة وجيش النظام.

وقال سفير مصر لدى العراق شريف كمال شاهين إن قنديل يقوم بزيارته الرسمية هذه على رأس وفد وزاري رفيع المستوى يضم وزراء المجموعة الإقتصادية ومجموعة من كبار رجال الأعمال وذلك لتنشيط ملف العلاقات الثنائية في جوانبها الإقتصادية والتجارية والاستثمارية وإعطاء دفعة قوية للعلاقات الثنائية بين البلدين في جميع المجالات.

ومن المنتظر أن تركز مباحثات قنديل مع محاوريه العراقيين على الجانب الإقتصادي ودراسة مشاركة مصر في عدد من مشروعات الإعمار الكبرى في العراق حيث ستشهد الزيارة الإعلان عن تأسيس مجلس الأعمال العراقي المصري المشترك ولقاءات مع كبار رجال الدولة العراقية.

كما سيكون موضوع عودة العمالة المصرية واحدا من أهم المواضيع التي سيناقشها قنديل مع المسؤولين العراقيين خاصة وان الإقتصاد المصري يواجه صعوبات كبيرة بعد التطورات الاخيرة التي شهدتها البلاد.

وكان العراق يستضيف خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي حوالى المليوني مصري يعملون في مختلف القطاعات العراقية لكنهم رحلوا عن البلاد إثر غزو الرئيس السابق صدام حسين الكويت صيف عام 1990 وما نتج منه من عقوبات دولية صارمة ضد العراق أصابت إقتصاده بأضرار فادحة وهبطت بقيمة عملته المحلية بشكل كبير.

وتأتي هذه الزيارة في إطار سلسلة اللقاءات التي تتم بين الجانبين المصري والعراقي والتي كان أبرز محطاتها الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لمصر مطلع الشهر الحالي على رأس وفد كبير للمشاركة في القمة الإسلامية التي عقدت مؤخرا في القاهرة والتقى خلالها الرئيس المصري محمد مرسي.

ومن جهته، أشار وكيل وزارة الخارجية العراقية لبيد عباوي إلى أن زيارة قنديل تكتسي طابعا إقتصاديا بالدرجة الاولى. وقال في تصريحات نشرت في بغداد اليوم ان الطرفين سيناقشان الاوضاع السياسية في مصر والعراق حيث ستكون التطورات في سوريا في مقدمة البنود التي ستتم مناقشتها سياسيا.

وأضاف أنه quot;بعد اجتماع اللجنة الإقتصادية المشتركة للبلدين في القاهرة واجتماع المالكي مع مرسي ستشكل زيارة قنديل على رأس وفد وزاري يضم اربعة وزراء دفعة قوية نحو تطوير علاقات البلدينquot;.

وأوضح أن الطرفين سيبحثان جدول اعمال اجتماع اللجنة المشتركة للبلدين في نيسان (ابريل) المقبل مؤكداً أن هناك جهدًا جاريًا حاليا للتحضير مع جميع الوزارات المهنية لإعداد الأوراق العراقية لاجتماع اللجنة المشتركة.

ضعف العلاقات الإقتصادية والتجارية بين العراق ومصر

وتتسم العلاقات الإقتصادية والتجارية بين العراق ومصر باتساع آفاقها وتعدد مجالاتها وتوافر إمكانيات تطويرها مستقبلاً من ناحية وضعفها النسبي خلال السنوات (2003 ndash; 2011) من ناحية أخرى حيث هناك إمكانية متاحة تتمثل بحالة التنوع الذي تمتاز بها إقتصاديات البلدين تساهم في النهوض بهذه العلاقات وبالتبادل التجاري والاستثمار الصناعي والزراعي والطاقة والسياحة والبناء والتشييد.

ويمكن توضيح ضعف العلاقات الإقتصادية والتجارية بين العراق ومصر من خلال مقارنة الحجم الحالي لهذه العلاقات مع الإمكانات القائمة والاستعدادات المتوافرة لدى المسؤولين على أعلى المستويات لتطويرها أو بمقارنتها بحجم العلاقات التجارية السابقة بين البلدين قبل نيسان (ابريل) عام 2003 لدى سقوط النظام السابق أو مقارنتها بحجم التبادل التجاري بين مصر والأردن أو دول مجلس التعاون الخليجي.

وهناك إمكانات لتطوير هذه العلاقات مستقبلاً على نحو يتوقع منه أن تمثل مصر مرتبة متقدمة نسبياً بين البلدان العربية المتعاملة إقتصادياً وتجارياً مع العراق ومن العوامل التي تؤسس لبناء علاقات أمتن وأقوى توافر الإرادة السياسية على أعلى المستويات في البلدين والرغبة الواضحة بهذه العلاقات التجارية والإقتصادية واهتمام البلدين بالبحث عن آليات تفعيل هذه العلاقات إضافة إلى وجود اتفاقات تؤطر التعاون الإقتصادي وتنظم العلاقات التجارية بين البلدين.

وتعتبر مصر في مقدمة الدول العربية التي حققت مستويات عالية مـن التبادل التجاري مــع العراق حيث إن منحنى التبادل التجاري خلال الفترة (2005 ndash; 2008) شهد اتجاها تصاعديا وان عام 2008 قد شهد زيادة واضحة في حجم التبادل التجاري وبمعدل نمو سنوي بلغ 77%، حيث بلغ حجم التبادل التجاري في هذا العام 369 مليون دولار.

وتشير تقارير رسمية عراقية إلى أن الميزان التجاري بين العراق ومصر يميل لصالح الجانب المصري حيث حقق فائضاً خلال الفترة من عام 2005 وحتى اواخر عام 2010 بسبب قدرة مصر على نفاذ سلعها إلى الأسواق العراقية فضلاً عن ضعف الجهاز الإنتاجي الزراعي والصناعي العراقي وضعف مرونته الإنتاجية وقدرته على الاستجابة للزيادات المتصاعدة في الطلب المحلي.

تطور بطيء للعلاقات السياسية والدبلوماسية

ويرتبط العراق ومصر بعلاقات تاريخية تمتد إلى أوائل القرن الماضي عندما حصل كلا البلدين على استقلالهما من بريطانيا وأقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين اللذين كانا من المؤسسين لجامعة الدول العربية عند تأسيسها في منتصف أربعينات القرن الماضي ثم عقد البلدان العديد من الاتفاقيات الإقتصادية مثل السوق العربية المشتركة وعسكرية مثل اتفاقية الدفاع العربي المشترك ومشروع الوحدة الثلاثية.

وبعد سقوط النظام العراقي السابق عام 2003 بدأت القاهرة تستقبل شخصيات عراقية متعددة إلا أن العلاقات بين البلدين تعرضت إلى صدمة عنيفة إثر اختطاف السفير المصري المعين في العراق إيهاب الشريف وقتله في تموز (يولبو) عام 2005 من قبل مسلحي القاعدة ما كان له أبلغ الأثر على الموقف المصري وانعكاس ذلك سلباً على العلاقات مع العراق.

وعلى الرغم من ذلك سعت القاهرة عبر آلية اجتماعات وزراء خارجية دول الجوار والعلاقات المتعددة الأطراف إلى تقديم دعمها إلى العراق لاسيما بعد زيارة الرئيس العراقي جلال طالباني ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى القاهرة ونجاح مؤتمر دول جوار العراق الموسع وإطلاق وثيقة العهد الدولي مع العراق في مدينة شرم الشيخ عام 2007.

ومع التحسن الكبير الذي شهده الوضع الأمني في العراق والبدء بحملة الأعمار في العراق بدأ الموقف المصري ينشط باتجاه السعي لإقامة علاقات متطورة معه وتم الاتفاق عام 2009 على إعادة فتح السفارة المصرية في بغداد وتشكيل لجنة مشتركة لوكلاء الوزارات العراقية والمصرية عقدت اجتماعها ربيع العام نفسه وتوصلت إلى صياغة عدد من مذكرات وبروتوكولات التعاون بين عدة وزارات عراقية-مصرية على رأسها مذكرة تفاهم بين وزارتي خارجية البلدين حول التعاون الثنائي والحوار الإستراتيجي.

كما يشهد الوقت الراهن انفتاحاً مصرياً واضحاً باتجاه إقامة علاقات وتوقيع مذكرات واتفاقيات في مختلف أوجه العلاقات مع استعداد مصري لمساعدة ودعم العراق في ميادين شتى والتأكيد على الموقف المصري الثابت والدائم الداعم لوحدة الأراضي العراقية وعدم التدخل في شؤونه الداخلية وإجراء مصالحة وطنية شاملة ودعم شمول العملية السياسية في العراق لجميع الأطياف العراقية دون استثناء وقد انعكس ذلك في تبادل الزيارات المضطرد بالزيادة بين كبار المسؤولين في البلدين.

ويؤكد الموقف المصري مساندته العراق وحرص على استقرار أوضاعه وأمنه الداخلي ورفض أي نوع من أنواع التدخل الخارجي بشؤونه الداخلية ووقوفه على مسافة واحدة من جميع الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة في آذار (مارس) عام 2010. وفي العام نفسه قامت مصر بفتح قنصليتين مصريتين الأولى في أربيل الشمالية والثانية في البصرة الجنوبية ليكون أول تمثيل قنصلي لدولة عربية خارج العاصمة بغداد.