يتهم نشطاء حقوقيون، وحتى علماء في الأزهر، جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين بانتقاص حقوق المرأة وتهميش دورها لدرجة منعها من ممارسة النشاط السياسي تحت بند quot;الحرامquot;.


بينما يحتفل المجتمع الدولي باليوم العالمي للمرأة، عندما يُسأل المشايخ المسلمون عن منزلة المرأة في الاسلام، وعن حقوقها الاجتماعية ومسألة المساواة بينها وبين الرجل، يأتي الرد دائمًا أن الاسلام لا يقر بالتمييز بين البشر على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وأجناسهم وثقافتهم، ولا يعترف بكل ما يمكن أن يكون سبباً في التمييز بين فرد وآخر. ويؤكدون أن الشريعة الإسلامية عملت على تعزيز المرأة وحقوقها، ومواجهة أي عنف أو تمييز ضدها داخل الأسرة وخارجها، وفرضت الحدود على من يعتدي عليها بأي شكل من الأشكال، وألزمت الرجل بحسن معاملتها، أمًا وأختًا وزوجة وابنة.
إلا أن ثمة مسلمين لا يؤمنون بوجود حقوق للمرأة كي تطالب بها، خاصة إذا كان الحديث عن حقوق سياسية، ويردون هذه المطالبة إلى أنها مصطلح غربي، وضعته منظمات حقوق الإنسان في الغرب، وهي ليست من الإسلام في شيء. وقد تعزز هذا الاعتقاد اليوم برؤية المرأة تهان لتحقيق مكاسب سياسية، وما عمليات الاعتداء الجنسي عليها في ميدان التحرير بمصر ما بعد الثورة، وتحميلها مسؤولية هذه الاعتداءات سوى وجه واحد من عدة وجوه، قويت بعد صعود نجم الاخوان المسلمين.
هوة سحيقة
ينطبق المثل الشعبي الشهير quot;أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجبquot;، على الإسلاميين الممسكين بحكم مصر حالياً. فرغم تشدق أقطاب جماعات الإسلام السياسي بحقوق المرأة، إلا أن ثمة هوة عميقة ما بين الأقوال والأفعال. ويتضح ذلك في عدة مظاهر، منها: محاولاتهم الدؤوبة حرمان المرأة من المشاركة السياسية، ففي المناصب التنفيذية، إنخفض عدد الوزيرات إلى واحدة، بعد أن كان العددأربع وزيرات في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، كما ألغيت quot;الكوتةquot; حصتها في البرلمان التي أقرها مبارك في آخر إنتخابات برلمانية، ووصل الأمر إلى حد وضعها في نهاية القوائم الإنتخابية، بل وصل الأمر إلى حد إستبدال صور المرشحات بـquot;زهورquot; أو صور أزواجهن، بدعوى أن صوت المرأة وصورتها عورة. ورفض واضعو الدستور الجديد، الإعتراف بالمواثيق الدولية، لاسيما التي تكافح من أجل إقرار حقوق المرأة، بدعوى أنها تخالف التعاليم الإسلامية، وأنها بدع غربية. وكان حديث الشيخ أبو أسحاق الحويني، أحد أكبر شيوخ السلفية شديد القسوة، عندما قال إن المرأة مطالبة بإرتداء النقاب، لأن quot;وجهها كفرجهاquot;، كلاهما عورة، لا يجب أن يكشفا أمام شخص أجنبي عنها.
حقوق المرأة في الإسلام
ومنحت الشريعة الإسلامية المرأة جملة من الحقوق أكبر من تلك التي منحها إليها الغرب، لكن أصحاب تيار الإسلام السياسي ليسوا حجة على الإسلام، بل العكس، وقال الدكتور علوي أمين، الأستاذ في جامعة الأزهر، لـquot;إيلافquot; إن الإسلام حرم وأد البنات، وأقر حق المرأة في التعليم والعمل، منحها حق إختيار الزوج، وجعل لها ذمة مالية مستقلة عن زوجها، وبذلك حفظ لها إستقلالها المادي والمعنوي. و كرمها بأن جعلها وطناً للرجل، وفقاً لقوله تعالى: quot;ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكونوا إليهاquot;، مشيراً إلى أن السكن يعني الوطن، وبذلك تكون الزوجة وطناً لزوجها، ومنحها حق المواريث في أبيها وزوجها وأبنائها.
الدور السياسي
وأضاف أمين أن الإسلام منح المرأة حق المشاركة السياسية، مدللاً على ذلك بأنها شاركت في بيعة العقبة الثانية، التي تعتبر بيعة سياسية، وجاء في القرآن: quot;يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله، إن الله غفور رحيمquot;. ولفت إلى أن البيعة في الإسلام من أهم جوانب العمل السياسي، فهي التي تضفي على النظام السياسي مشروعيته. وبذلك أقر الإسلام حق المرأة في المشاركة السياسية.
ونبه إلى أن المرأة في الإسلام مشغولة دائماً ـ بجانب دورها كزوجة وأم ـ بشؤون الأمة، فقد كانت في طليعة المهاجرين للحبشة ثم إلى المدينة المنورة، وخرجت للجهاد إلى جانب الرجل، مشيراً إلى أن الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام حكم مبارك، لم تكن إلا شكلاً من أشكال الجهاد السلمي، وقد شاركت المرأة فيه. وأضاف أن quot;المرأة مشغولة بشؤون الأمة، فها هي حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها، تتناقش مع أخيها عبد الله في خليفة لأبيها، وتسأله قائلة: quot;أعلمت أن أباك غير مستخلف؟ قال: ما كان ليفعل. قالت: إنه فاعل وحلفت أن أكلمه في ذلكquot;.
الإخوان ليسوا حجة على الإسلام
وحول السبب في اللغط المثار حالياً حول دور المرأة السياسي والمجتمعي، قال أمين، إن الفهم الخاطىء للإسلام من جانب البعض، أوقع مصر والمجتمع الإسلامي ككل في مشاكل كثيرة، مشيراً إلى أن القول بأن النقاب فرض على المرأة، وأن quot;وجه المرأة كفرجهاquot;، مغالاة في الدين، وأوضح أن هناك إتفاقاً على أن ما يظهر من المرأة هما الوجه والكفان.
وأضاف أمين، أن نصوص الإسلام في ما يخص حقوق المرأة واضحة لا لبس فيها، مشيراً إلى أن جماعة الإخوان المسلمين أو السلفيين، أو الأزهر نفسه، ليسوا حجة على الإسلام.

ليست مجرد جسد
ووفقاً للدكتورة آمنة نصير عضو المجلس القومي للمرأة، وأستاذة الفلسفة والعقيدة في جامعة الأزهر، فإن شريعة الإسلام الوحيدة التي أعطت كافة الحقوق للمرأة تكريمًا لها واعترافًا بدورها العظيم، وقالت لـquot;إيلافquot;: quot;ولكن مازال أنصاف المشايخ من السلفية والإخوان يرون المرأة، إما أماً أو أختاً أو زوجة، وهناك من يرى المرأة جسدًا ودورها منحصر في البيت فقطquot;، مشيرة إلى أن صفحات التاريخ الإسلامي مليئة بالنماذج التي مارست دوراً أكبر من مجرد دور الزوجة والمربية للأطفال، ومنها أدوار سياسية، منها دور السيدة أم سلمة في صلح الحديبية، موضحة أن المسلمين رفضوا أمر الرسول محمد بأن يحلقوا رؤوسهم وذبحوا، لأنهم إعتبروا أن عودتهم للمدينة دون دخول مكة والحج ذلة لهم، إلا أن رسول الله دخل على أم سلمة، وquot;قال لها: quot;هلك المسلمون وأخبرها ما حدثquot;، فقالت: يانبي الله أتحب ذلك؟ أخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك.. فخرج رسول الله، فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك نحر بيده، ودعا حالقه فحلقه.. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق لبعضquot;.
التهميش لسهولة السيطرة
تهميش دور المرأة جزء من مشروع الإسلام السياسي في مصر، لاسيما أنهم يعتقدون أن الغرب إستطاع تدمير المجتمع المسلم عبرها، وقالت الناشطة النسوية، نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري للدفاع عن حقوق المرأة، إن المرأة نصف المجتمع ومسؤولة عن تربية النصف الآخر، فإن الإخوان وجماعات الإسلام السياسي لا ترغب في أن يكون لها دور سياسي واضح ومؤثر، إعتقاداً منهم أن المرأة تمثل الثغرة الأضعف، التي ينفذ منها الغرب لتدمير المجتمع والمشروع الإسلامي، بدعوى حرية المرأة. وأضافت لـquot;إيلافquot; أن المرأة بإعتبارها الحلقة الأضعف يسهل إقتيادها وإرهابها، إما من خلال التحرش أو الإغتصاب الجماعي أو من خلال إصدار قرارات ذات صبغة إسلامية وتظهر آثارها على المجتمع سريعاً، مثل فرض الحجاب أو تقليل سن الزواج، أو تقليل حظوظها في العمل، بدعوى أن الرجل أولى بالعمل منها، متجاهلين أن المرأة تمثل 70% من قوة العمل في القطاعات غير الرسمية، ولفت إلى أنه لا يمكن فصل كل تلك الأمور عما يعتقده بعض التيارات الإسلامية، وخصوصاً السلفيين، الذين لا يؤمنون بدور المرأة، إلا زوجة من أجل النكاح وإما من أجل الإنجاب فقط.
quot;الإخوان كاذبونquot;
quot;إنهم كاذبونquot;، هكذا وصفت الدكتورة ماجدة عدلي مديرة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي في التعاطي مع حقوق المرأة، وقالت لـquot;إيلافquot; إن هناك هوة عميقة ما بين تعاطي الإسلام مع المرأة وصيانة حقوقها، وبين التطبيق الفعلي من جانب جماعات الإسلام السياسي، وأرجعت ذلك إلى أنهم دأبوا على الكذب، حتى على الله ورسوله في ما يخص الحقوق والحريات، من أجل أن تستقيم لهم الأمور وأن يشبعوا رغبتهم في السلطة والحكم. وأضافت أن quot;الإخوان كاذبون في الإدعاء بأن المرأة تتحمل المسؤولية عن تعرضها لعمليات التحرش والإغتصاب الجماعي في ميدان التحرير، بحجة أنهن من ذهبن إلى أماكن الخطرquot;، مشيرة إلى أن الإسلام يأمر المسلم بعدم التعرض للنساء أو الشيوخ أو الأطفال في أوقات الحرب، أي نساء وأطفال العدو، بالتالي فإن الإسلام يأمر بحماية النساء أثناء التظاهر، وليس إطلاق جماعات البلطجية من أجل إرهابهن جنسياً.
ولفتت إلى أنهم كاذبون بشأن مخالفة قانون الخلع للشريعة الإسلامية، وكاذبون بشأن زواج القاصرات والأطفال، وحرمان النساء من الترشح في الإنتخابات، مشيرة إلى أن الإسلام أقر جميع الحقوق السياسية والإجتماعية للمرأة، التي نصت عليها أيضاً المواثيق الدولية التي رفضوا الإعتراف بها رغم أن مصر من أول الدول الموقعة عليها. ونبهت إلى أنأصحاب الإسلام السياسي لا يسيئون للمرأة فقط، ولكنهم يسيئون للإسلام أيضاً، والإسلام منهم براء.