قدم رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي استقالته يوم الجمعة بعد عامين من معاناة عاشها اللبنانيون على كافة الأصعدة، ونقل عن الرئيس المستقيل قوله إنه لا يستطيع تحمل دماء وسام الحسن والإطاحة بأشرف ريفي.


بيروت: الفراغ السياسي في الحكومة والبرلمان والمجهول الامني، يحكمان مصير اللبنانيين. فبعد سنتين وشهرين من تولي نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة اللبنانية من باب التحرّك الأمني الذي نفذه حزب الله، وعرف حينها بالقمصان السود، أصرّ حزب الله وحلفاؤه على إخراج ميقاتي من السراي بعدما زاد التباين بين الجانبين إلى منسوبه الأعلى.

وسردت أوساط رئيس الحكومة المستقيل quot;قليلاًquot; من المواقف المعلنة للاستدلال على المعاناة التي عاشها وعلى منسوب الغضب المعتمر في صدر الرجل الطرابلسي وقالت لـquot;إيلافquot; quot;ما خفي كان أعظمquot; وتابعت quot;الرئيس ميقاتي انتقد تصرف وزير الخارجية عدنان منصور فجاء الرد من الرئيس نبيه بري بأن منصور ليس مقطوعاً من شجرة وأن من أتى بالحكومة يذهب بهاquot;.

وتضيف الأوساط quot;أحرج الرئيس ميقاتي أكثر من مرة، وبيان الاستقالة أشار بشكل واضح إلى المعاناة الكبيرة التي كان يعانيها، فالنائب ميشال عون هاجمه مرات، وكلما صدر عنه موقف بادر نوّاب حزب الله إلى إصدار عكسه، فلماذا يبقى؟quot;.

وتكشف المصادر الميقاتية أن رئيس الحكومة اتخذ قرار الاستقالة قبل يومين وأن الرجل كرر في مجالسه الضيقة مقولة quot;أنا لا أستطيع أن أتحمل دم وسام الحسن، والاطاحة بأشرف ريفي، وعدم إجراء الانتخابات، والإحراج في الطائفة السنيةquot;.

قرار ممتاز

القرار ممتاز بكل المقاييس،quot; بهذه العبارة وصف خلدون الشريف مستشار رئيس الحكومة، قرار الاستقالة وقال في حديث إلى quot;إيلافquot; وأضاف quot;هذه الحكومة وصلت إلى أفق مسدود وكان بديهياً أن يتخذ رئيسها قراراً جريئا لإعادة النصاب إلى البلد وإفساح المجال لطاولة الحوار حتى تتفق على حكومة إنقاذية وقانون إنتخابي جديدquot;.

وأكد أن ميقاتي quot;غير متحمس لترؤس حكومة أخرى، وهو سيقدم استقالته إلى رئيس الجمهورية قبل ظهر السبت على ان تبدأ بعدها الاجراءات الدستورية لتشكيل حكومة جديدةquot;. ورجّح الشريف فرضية التمديد للمجلس النيابي لمدة ستة أشهر.

واعتبر أن quot;التمديد للواء أشرف ريفي المدير العام لقوى الامن الداخلي جزء أساس من استقالة ميقاتي، إنما ليس السبب الوحيدquot; مشدداً على أن quot;التمديد لريفي ضمانة للأمن اللبنانيquot;.

التطوّرات المخيفة
أوساط النائب وليد جنبلاط نقلت في حديث لـquot;إيلافquot; تخوفه من الانزلاق إلى تطوّرات مخيفة ربما يصعب السيطرة عليها، مشددة على ضرورة معالجة الوضع الناشئ عن الاستقالة في أسرع وقت ممكن ومن ضمن العملية الدستورية لضمان الوصول إلى تشكيل حكومة. لكن المصادر المقرّبة من جنبلاط لم تكشف عن ماهية الحكومة التي يفضّلها رئيس جبهة النضال الوطني، مكتفية بالقول quot;الاستشارات النيابية ستظهر أي نوع من الحكومات يريد الشعب اللبنانيquot;.

يذكر أن رئيس الجمهورية، ووفق الدستور اللبناني، يستقبل الكتل النيابية التي ترشح شخصية مسلمة سنيّة لتولي رئاسة الحكومة، وتكون نتيجة هذه الاستشارات ملزمة لناحية تكليف الشخصية التي تحظى بالعدد الأكبر من أصوات النوّاب الـ128.

ولفتت أوساط جنبلاط إلى أن ما هو أبعد من ظاهر استقالة ميقاتي هو سعيه إلى حماية جهاز قوى الأمن الذي قام بعمل جبار، وأن الاستقالة أتت بعدما شعر ميقاتي بأنه لن يستطيع فعل ذلك.

إستقالة عادية

وفي رد على سؤال عن استقالة الحكومة والنظرة إليها، اعتبر النائب قاسم هاشم عضو كتلة التنمية والتحرير (حركة أمل) أن الاستقالة طبيعية لكن الظروف التي يمر بها لبنان تجعلها استثنائية وقال quot;هذه الاستقالة تدخل في ضوء ظروف صعبة في لبنان والمنطقة وتوترات على كل المستويات السياسية والأمنية، لكن في النهاية لا بد من التعاطي معها بمسؤولية وطنية فالأوطان تمرّ في ظروف صعبة واستثنائية وهذا امتحان للقادة ولرجال الدولة وللمكونات السياسية التي عليها ان تتحمل المسؤولية لإنقاذ الوطن وهذه المسؤولية ملقاة على الجميعquot;.

أضاف quot;قد يكون البحث اليوم في موضوع حكومة إنقاذ أو وحدة وطنية في ظل ما نعيشه أحد المخارج، إذ لا معنى في لبنان لحكومة حيادية او تكنوقراط، ولا بد أن تكون الحكومة سياسية خصوصاً في هذه الظروف، وإذا كان في الإمكان الوصول إلى حكومة وحدة وطنية فهذا الأفضل طبعاً وإلا فوفق ما تقتضيه الأصول الدستورية ونطالب بالإسراع في تشكيل الحكومةquot;.

استقالة متأخرة

تيار المستقبل، الحليف القديم لميقاتي وخصمه على كل الساحات اليوم، أشار إلى أن الاستقالة أتت لأن ميقاتي لم يعد لديه ما يقدمه لحلفائه. فالنائب أحمد فتفت عضو كتلة المستقبل، قال في تصريح لـquot;إيلافquot; quot;أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، الإستقالة كان يفترض أن تتم منذ سنتين وعلى الأقل بعد اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، هناك تأخر وأضرار تسببت بها هذه الحكومة على الصعيد الإقتصادي والمعيشي والإجتماعي والسياسي والداخلي والخارجيquot;.

وأضاف quot;نحن اليوم أمام مرحلة جديدة تستدعي خطوات سريعة جداً لتأليف حكومة كي لا نقع في الفراغ إلا إذا كان الطرف السياسي الذي دفع باتجاه الاستقالة، وهو حزب الله، يسعى فعلاً للفراغquot;. ونفى فتفت التداول بأسماء مرشحين ومؤكداً أن تيار المستقبل يفضل حكومة حيادية وتابع quot;إذا أردنا تأليف حكومة وطنية سوف تأخذ أشهراً، لذلك نفضل الحيادية لتجري الإنتخابات في أسرع وقتquot;.

وأبدى فتفت تخوفاً حقيقيا من الفراغ على رأس قوى الأمن الداخلي، وشرح ذلك بالقول لا نريد النظر إلى الإستقالة فقط بل إلى سببها أيضاً الذي قد يكون وضع حزب الله يده على قوى الأمن الداخلي وهذا يعني إنكشافا أمنيا لكل قوى المعارضة، ما يعزز إمكان تعرض الجميع لأخطار كبيرةquot;.

وتابع quot;الأخطر، ألا تتشكّل حكومة قبل 20 حزيران، وقد يسعى الفريق الآخر إلى ذلك كي لا تحصل الإنتخابات وهذا سيؤدي الى مشكلة كبيرة فيكون الفراغ في السلطة التنفيذية والتشريعية والأمنية ويدخل لبنان معها في المجهولquot;.

لا صلح مع المستقبل

مصطفى علوش، منسق تيار المستقبل في طرابلس، أعرب عن اعتقاده بأن quot;استقالة الرئيس ميقاتي أتت على خلفية رغبته في الخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه بسبب فقدان الأمل بمعسكر الممانعة، خصوصاً بعد التطورات في سوريا وبرأيي كان ميقاتي يبحث عن مخرج على مدى الأشهر الماضية وما حدث اليوم كان إحدى الحجج التي ساعدته على ذلكquot;.

وأخبر quot;إيلافquot; بأن استقالة ميقاتي لا تعني عودة المياه إلى مجاريها مع تيار المستقبل quot;لأن الاستقالة أتت في نهاية الطريق ولن تغير شيئاً في المعادلة وعامل الثقة بين الرئيس ميقاتي وتيار المستقبل مفقود بكل معنى الكلمة خصوصاً أن الصديق يجب أن يكون وقت الأزمة وليس عندما يكون هو في أزمةquot;.

واعتبر أن حكومة الوحدة الوطنية تجربة فاشلة معتبراً أن quot;حكومة تكنوقراط هي الخيار الوحيد الموجود في الوقت الحالي أو حكومة تشكّلها 14 آذار، لكن ظروف تشكيلها غير متوفرةquot;. وذكر أن quot;الرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة لديهما سلة أسماء مرشحة لتولي الحكومة الجديدة لكن لا يتم التداول بها الآنquot;.