يصيب مرض اللشمانيا، الذي يطلق عليه العامة اسم quot;حبة حلبquot;، وينتقل إلى الإنسان من خلال لسعة بعوضة تسبب بتشويه الوجه، عددًا كبيرًا من سكان شمال سوريا، الذين نزحوا بكثرة من القرى المجاورة إلى حلب، ثاني أكبر مدن البلاد.


حلب: منذ ثلاثة اشهر، تغطي بقع صغيرة يزداد حجمها مع الوقت وجه الطفل محمد (11 عامًا)، الذي يقول quot;انها بعوضة مصدرها اشجار الرمان، تصيبك بالمرض عندما تلسعكquot;.

تترك هذه الحبوب غير المؤلمة، التي تكسو أنفه، وتفتحت حول فمه، ندوبًا مدى الحياة. كما تترك آثارها على وجه والدته واخته واولاد عمه، الذين لسعتهم هذه البعوضة، حاملة داء اللشمانيا اليهم.

كان هذا المرض غير القاتل، لكنه يؤدي الى إضعاف جهاز المناعة في الجسم، يقتصر على ريف الشمال السوري قبل بدء النزاع منتصف آذار/مارس 2011. لكن عدد المصابين بهذا الداء بات يزداد بشكل كبير في العاصمة الاقتصادية للبلاد، التي تشهد معارك عنيفة منذ تسعة اشهر، وحيث تصادف في كل مكان اكوام القمامة المرمية في الشمس والرطوبة.

يقول علي (23 عامًا)، وهو متطوع في احدى العيادات الطبية الميدانية في حلب، ان quot;ما بين 200 و250 حالة لشمانيا تاتي الى المركز لتلقي العلاجquot; يوميًا. وينتظر في الممر المخصص لاستقبال المرضى عشرات الرجال والنساء والاطفال، الذين تغطي البثور وجوههم واذرعتهم.

الأطفال أكثر عرضة
في الغرفة المجاورة، يقوم احد الاشخاص الجالسين على الاريكة بسكب محلول مطهر (بيتادين) على ساقه التي التهمت اللشمانيا جلد ربلتها. ويصاب الاطفال خصوصًا بهذا المرض. ويقول علي إن هؤلاء يشكلون ما نسبته quot;50 بالمئة من المرضىquot;.

وتوضح عائشة (19 عامًا)، وهي طالبة تطوعت للعمل كممرضة منذ بدء quot;الثورة السوريةquot; ضد الرئيس بشار الاسد، ان quot;الاطفال يمضون جل وقتهم خارج المنزل، ويلعبون في الشارع بين اكوام القمامةquot;.

واقيات البعوض خارج القدرات
وللوقاية من الإصابة بالمرض، على الاطفال ان يناموا على أسرّة تعلوها واقيات البعوض، بحسب علي، الذي يشير الى انه يتعذر على العديد من العائلات شراء هذه الواقيات، بسبب سعرها quot;التي يبلغ نحو ألف ليرة سورية (10 دولارات اميركية)quot;.

يقول علي quot;كيف يمكن لعائلة لديها اطفال عدة ان تشتري واقية لكل فرد منها؟quot;. وادى النزاع السوري الى ازمة اقتصادية غير مسبوقة في البلاد، انعكست ارتفاعا في الاسعار وتراجعًا في القدرة الشرائية لليرة السورية.

مع اقتراب فصل الصيف، ومعه انتشار اسراب البعوض، قرر ربيع (30 عاما)، الطالب السابق في الفيزياء وعضو في مؤسسة الفطيم، ان يتولى الامور بنفسه.

حملات وقائية
يجول ربيع مع ابن عمه وصديقه في حي طريق الباب في حلب والاقنعة الواقية تغطي وجوههم. يحملون آلة تنفث دخانا أبيض كثيفا هو quot;مزيج من الكاز والمبيداتquot;.

يقول ربيع quot;قررنا ان ننظم انفسنا نظرًا إلى اقتراب فصل الصيف، من اجل القضاء على البعوض المسؤول عن نقل المرض الى الانسان، وذلك قبل ان تلسع الناسquot;. وكانت السلطات تقوم كل عام بحملة تعقيم في المدينة قبل اندلاع المعارك فيها قبل نحو تسعة اشهر.

الا ان ربيع واصدقاءه هم الذين يقومون بهذا العمل الدؤوب هذه السنة في الأحياء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة، مستخدمين سيارات quot;بيك ابquot;، ابتاعوها من مساعدات حصلوا عليها من مقاتلي المعارضة وجميعات خيرية تتعاون معها.

بلغ سعر الآلة التي ابتاعها ربيع من تركيا المجاورة نحو 1500 دولار اميركي. وينوي ان يجول بها الحي ليقوم بتعقيم نحو عشرة شوارع في الساعة.

يعي ربيع ان مهمته شاقة في وجود اكوام القمامة المنتشرة في كل زاوية من حلب، الا انه مصمم على انجازها، وخصوصا بعدما شارف عقار quot;الغلوكانتينquot; المخصص لمعالجة الداء على النفاذ من العيادة في حلب. وبات من شبه المستحيل الحصول على كميات اضافية من العقار المصنع في فرنسا.