بدأت من عدم، تركت مدرستها لتعيل عائلتها، وعادت إلى طلب العلم حين استطاعت إليه سبيلًا، وهي اليوم موظفة كبيرة في الإدارة العليا في الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في إمارة دبي. إنها وضحة المهيري، النموذج المشرف للمرأة الاماراتية المكافحة، التي لا ترى في العمل عيبًا، وتمشي على هدى من أقوال محمد بن راشد.


دبي: وضحة المهيري امرأة إماراتية شابة طموحة تبلغ من العمر 37 عامًا، عانت كثيرًا وواجهت صعوبات جمّة، لكنها صبرت ولم تستسلم للجهل والفقر. بل حفرت في الصخر وسعت للتسلح بالعلم من أجل حياة أفضل لها ولأسرتها التي تعيل أفرادها منذ كانت في الصف الأول الإعدادي، لأنها الشقيقة الكبرى.

تركت مسار التعليم حينها بسبب حاجتها إلى العمل لتحصيل المال، ومساعدة والدها الصياد وأمها عاملة النظافة في إحدى المدارس على تربية إخوتها وأخواتها الأربعة، ليكملوا دراستهم ويصبحوا رجالًا وفتيات يافعين، حصلوا على الوظائف وكوّنوا أسرا مستقرة ومتماسكة. وعلى الرغم من كل هذه العقبات التي واجهتها في حياتها، استطاعت المهيري أن تتقلد منصبًا في الإدارة العليا في الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في إمارة دبي.

قدوة للإماراتيات

روت المهيري لـquot;إيلافquot; تفاصيل مشوارها الطموح، الذي يمثل قدوة لكل إماراتي وإماراتية. قالت: quot;بدايتي المهنية كانت في العام 1998، عندما انخرطت في العمل باحثة اجتماعية في جمعية بيت الخير في دبي، براتب شهري يقدر بـ 2000 درهم، وكنت في الصف الأول الإعدادي.

وكانت طبيعة عملي مشابهة لحياتي الصعبة، حيث كنت أبحث في شعبيات دبي عن الأسر الإماراتية المحتاجة، وأكتب أبحاثًا اجتماعية عن أوضاعها وتقديمها للجمعية التي كانت تعمل على مساعدتهم قدر استطاعتها، وكان أول بحث كتبته في عملي عن امرأة إماراتية عجوز غير قادرة على العمل، ولديها أبناء صغار يعانون بطء النمو بسبب الإعاقة منذ الولادة، ويتعاطون المخدرات، وقد تكفلت الجمعية برعايتهم وعلاجهم جميعًاquot;.

أضافت: quot;في بداية العام 1998، بدأت الدولة تهتم بتأسيس مؤسسات لرعاية أبناء الدولة المحتاجين، في عهد الراحل الشيخ زايد بن سلطان، وقد حصل والدي الذي كان يعمل صيادًا على إعانة من وزارة الشؤون الاجتماعية بعد أن أصبح غير قادر على العمل، لكن الإعانة لم تكن تكفي لتلبية كافة احتياجات الأسرة المتزايدة، فلجأت والدتي إلى العمل عاملة نظافة في مستشفى الوصل سابقًا (مستشفى لطيفة حاليًا) حتى العام 1989، ثم انتقلت إلى العمل عاملة نظافة في إحدى مدارس دبي، لكن أصيبت بآلام مبرحة في القدمين بسبب الروماتيزم، وأصبحت غير قادرة على المشي، فاضطررت إلى العمل بشكل مستمر وتركت دراستي لمساعدة والدي وإخوتي على مواجهة تكاليف المعيشة، لأن أخوتي كانوا يدرسون في المراحل الإبتدائية والإعدادية وقتها، ولم يكن ضمن أولوياتي الاستمتاع بالحياة عبر السفر، فأنا لم أسافر مطلقًا، وكنت أجدد جواز سفري كل 10 سنوات من دون أن يكون في داخله ختم واحد أو تأشيرة واحدة، فهدفي الأول كان البحث عن لقمة العيش الحلال وجلب السعادة لعائلتيquot;.

العلم سلاح المستقبل

خلال عمل المهيري في جمعية بيت الخير، كانت والدتها تذكرها دائمًا بأن العلم هو السلاح الذي يجب أن تتسلح به إذا رغبت في أن تكون لها حياة أفضل في المستقبل. كانت تقول لها: quot;أنا عاملة نظافة، أعمل في وظيفة رديئة لأني لست متعلمة، لأنني أمية، لا أقرأ ولا أكتب، وليس لدي شهادة، ولو تريدين الحصول على وظيفة أفضل عليك بالدراسة والعلم، فالشهادة هي الأساس، والإنسان يبني نفسه بشهادته وطموحه في الحياةquot;.

تقول المهيري: quot;أمي مثلي الأعلى في هذه الحياة، علمتني كيف أجازف واعتمد على نفسي، كنت أراها تعمل في أردأ الوظائف وهي مريضة غير قادرة على المشي، شجعتني كثيرًا على أن أكون طموحة في الحياة، وبعد إصرار متواصل من والدي على ضرورة عودتي لمقاعد الدراسة لإكمال تعليمي رجعت إلى الدراسة مرة أخرى، بعدما قضيت عامين في عملي في جمعية بيت الخير في العامين 1998 و1999، وقد علمتني والدتي قيادة السيارة حتى يسهل علي الذهاب إلى الدوام وإلى المدرسة لأجمع بين الدراسة والعملquot;.

استطاعت المهيري النجاح في دراستها، وحصلت على شهادة البكالوريا في العام 2001، ثم انتقلت للعمل في الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في إمارة دبي في العام 2002، براتب شهري قدره 4400 درهم. وفي الوقت نفسه ، أكملت دراستها واستمرت في رعاية والديها وإخوتها. وتحمّلت تكاليف وأعباء الحياة بهذا المبلغ، حتى زاد راتبها في العام 2003، حيث تم تعديل وضعها الوظيفي والمالي بناء على تطور مؤهلاتها الدراسية والمهنية، فالتحقت بالجامعة في العام 2008، واجتازت بنجاح الكثير من الدورات التأهيلية والمهنية.

وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، أنهت المهيري دراستها الجامعية في جامعة الجزيرة في دبي، وحصلت على شهادة بكالوريوس في القانون والاقتصاد، وحصلت بعدها على وظيفة أفضل في الإدارة العليا في الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في دبي، فتضاعف راتبها الشهري خلال 15 سنة من الكفاح المرير والصبر والعزيمة والإصرار. تقاعدت والدتها في بداية العام الجاري، أما والدها فمتوفٍ.

زوج معين

تزوّجت المهيري وهي في السادسة عشرة من رجل مكافح، يعمل براتب شهري خمسة آلاف درهم، ساعدها على الاستمرار في الكفاح، ومساعدة أسرتها. ولديها ابن وثلاث بنات، أصغرهم ريم (7 أعوام) في الصف الأول الابتدائي، وأكبرهم خليفة (20 عامًا) وهو طالب في كلية التقنية بدبي، ولديها هند (17 عامًا) طالبة في الصف الثاني الثانوي، وشيخة (12 عامًا) طالبة في الصف السادس.

تروي المهيري: quot;كنت أؤدي امتحانات الثانوية العامة وأنا حامل في الشهر الثامن بطفلي الثالث، وأكملت دراستي لكي أرتقي في وظيفتي، والحمد لله زوجي ساعدني كثيرًا على أن أكمل دراستي بنجاح، فكان يجالس الأبناء ريثما أعود من الجامعة، وما زال متعاونًا جدًا معيquot;.

بيت من دون أثاث

أضافت: quot;عشت مع أبي وأمي وأخوتي وزوجي في بيت شعبي لفترة طويلة، وفي العام 2001 أعدنا بناء البيت بشكل أفضل، وانتقلنا إليه في العام 2002، ووقتها لم يكن لدينا المال الكافي لتأثيث المنزل، وكنا نغطي النوافذ بأوراق الجرائد كي لا تنفذ إلينا أشعة الشمس الحارقة، وكنا نجلس على الأرض من دون أثاث حتى استطعنا تأثيث البيت قطعة قطعةquot;.

وتلفت إلى أن الدولة ساعدتها كثيرًا، لأنها عندما ذهبت للبحث عن وظيفة وجدت وظيفة حكومية بسهولة في إقامة دبي. كما أن الدولة وفرت لها إمكانية العمل والالتحاق بالدراسة المسائية، كما وفرت لها التعليم المجاني ومنحت الفرص للمرأة العاملة من خلال الاهتمام بالتعليم وتوفير المزيد من الجامعات.

سر نجاحي

قالت المهيري: quot;أشكر مشايخنا الذين قدروا المرأة وأعطوها المجال لأن تتعلم وتسافر وتستقبل في أفضل الوظائف الحكومية، وأن تأخذ مكانها الصحيح في المجتمع أسوة بالرجل، فقد كنت دائما أضع أقوال وحكم الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، نصب عيني في مكتبي في العمل، وفي حجرتي في المنزلquot;.

اضافت: quot;تلك الأقوال كانت المحرك الأساسي في حياتي وسر نجاحي، وكانت دائمًا المحفز والدافع الرئيس الذي يحثني على النشاط والجد في العمل، وهي مفتاح التميز في التعليم، والحمد لله لي الشرف أن أداوم في الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في إمارة دبي، وأتميز وأجتهد في عملي يومًا تلو الآخرquot;.

العمل ليس عيبًا

في ختام حديثها وجهت المهيري كلمة لكل الشباب والفتيات الخليجيين بشكل عام والإماراتيين بشكل خاص. قالت: quot;أقول للمواطنين والخريجين الذين يرفضون العمل في وظائف عديدة متدنية، إن العمل ليس عيبًا، إنما العيب أن تجلس عاطلًا من دون عمل، وأن تكون عالة على الآخرين، ويجب عليكم يا شباب أن تتسلحوا بالعلم لأنه سلاح المستقبل ومفتاح الحياة الكريمة، الذي يبني الإنسان ويساعد على الوصول إلى أعلى القممquot;.

وأضافت: quot;أنصح أي مواطنة في الإمارات أن تحافظ على دراستها، وأن تسعى للعلم لأنه سيكون سلاحها في المستقبل، وإن تعثرت في أي من مراحل حياتها عليها الثبات، وألا تتراجع، بل عليها أن تحاول مرارًا وتكرارًا وتواجه الازمات التي تواجهها في حياتها بقوة، لأن الحياة مليئة بالصعوبات ولن تتوقف فهي مستمرة، وعلى الانسان أن يكافح حتى يعيش حياة طيبة وكريمةquot;.

أضافت: quot;أنا لم أخجل مطلقًا من العمل في أي وظيفة، ووالدتي لم تخجل أيضًا من عملها كعاملة نظافة، وأنا فخورة بأن والدتي عاملة نظافة في مدرسة وأن والدي صياد، فلم ينظر إلينا المجتمع أي نظرة سلبية، بل على العكس كان الجميع يحفزنا ويرى فينا مثالًا يحتذى به، فالإنسان هو الذي يصنع المال والتاريخ والمستقبل، وليس المال هو من يصنع الإنسان الناجحquot;.