يسلط نجاح الارهابيين في تنفيذ الهجوم على ماراثون بوسطن الضوء على عجز أميركي كبير عن منع الارهابيين عن تنفيذ مخططاتهم، حتى في عقر الدار الأميركية.


بعد نحو 12 عامًا من المخططات المجهَضة، تعرضت الولايات المتحدة يوم الاثنين الى أول عملية تفجير كبيرة منذ أن دشنت هجمات 11 ايلول/سبتمبر عام 2001 حقبة من الاجراءات الأمنية المشددة التي طالت كل نواحي الحياة الاميركية.
ويتفق المراقبون على أن احباط هذه المخططات والمؤامرات يؤكد الخطوات الكبيرة التي اتخذها جهاز الأمن القومي الأميركي بما في ذلك انتهاج سياسات ما زالت مبعث قلق بالغ بين منظمات حقوق الانسان والحريات المدنية.
وتبين أشرطة الفيديو بالحركة البطيئة لحظة وقوع أحد الانفجارين قرب خط نهاية ماراثون بوسطن،الذي اصاب المتسابقين والمتطوعين لتنظيم السباق وجمهور المتفرجين بالذعر. وشوهدت فرق الاسعاف وقوى الأمن تنقل المصابين وتوجه المتسابقين المنهكين نحو طرق أخرى.
ولكن نجاح الهجوم على ماراثون بوسطن الذي يشكل رمزًا دوليًا تعتز به المدينة يسلط الضوء على الصعوبة الدائمة التي تواجه المسؤولين الاميركيين في منع مهاجم عقد العزم على النجاح.
ولم يذهب الرئيس اوباما في تصريحاته مساء الاثنين الى حد وصف التفجيرات بالارهاب، لكنّ مسؤولاً في البيت الأبيض تحدث لصحيفة واشنطن بوست طالبًا عدم ذكر اسمه قال إن الحادث quot;عمل ارهابيquot; ، وهي العبارة نفسها التي استخدمها الرئيس بعد الهجوم على القنصلية الاميركية في مدينة بنغازي في ايلول/سبتمبر الماضي.
وقال مسؤول سابق في مكافحة الارهاب إن تفجيرات ماراثون بوسطن لا تحمل بصمة تنظيم القاعدة بوصفها هجومًا منسقًا تُفجَّر فيه عبوة ناسفة محشوة بالشظايا في مكان مغلق لإيقاع اكبر عدد ممكن من الضحايا. وأن الأدلة يمكن أن تشير الى مجموعة محلية، لكنّ مسؤولين في البيت الأبيض ومحققين حذروا قائلين إن من السابق لأوانه ربط الهجوم بأي جماعة محدَّدة.
وقال المسؤول السابق في مكافحة الارهاب quot;إن الأمر محير في هذه المرحلة ، فالهدف ليس عسكرياً أو معلمًا مثل ساحة تايمز في نيويورك أو محطات المدينة لقطارات الانفاقquot;. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن المسؤول أن المنفذ قد يكون شخصاً لديه ارتباطات خارجية محدودة أو بلا ارتباطات أجنبية كهذه.
وكانت الأجهزة الأمنية من مكتب التحقيقات الفيدرالي الى مراكز الشرطة المحلية توجهت خلال العقد الماضي نحو التشديد على مكافحة الارهاب وجمع المعلومات الاستخباراتية عن الجماعات المتطرفة في الداخل والخارج. واستحدثت ادارتا جورج بوش وباراك اوباما جهازاً عالميًا ضخمًا هدفه تعقب الارهابيين واستهدافهم.
لكنّ المسؤولين كانوا دائما يحذرون من أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تمنع كل محاولة لتنفيذ هجوم في اراضيها. وكان الحظ حليفها في كشف بعض المخططات والمؤامرات الأخيرة بقدر ما أسهمت مهاراتها الاستخباراتية في احباطها.
وكانت آخر عملية قتل جماعي شهدتها الأراضي الاميركية ارتكبها الطبيب العسكري النفسي الرائد نضال حسن الذي قتل رميًا بالرصاص 13 شخصًا وأصاب 30 آخرين في ثكنة فورت هود بولاية تكساس عام 2009. وكان الرائد حسن يرتبط بتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية ورجل الدين الاميركي ذي الأصل اليمني انور العولقي الذي قُتل لاحقًا في غارة شنتها طائرة اميركية بدون طيار في اليمن.
ولكن الفترة الممتدة منذ هجمات 11 ايلول/سبتمبر شهدت سلسلة من مخططات التفجير الفاشلة أو المجهَضة. فبعد اقل من ثلاثة اشهر على تفجير مركز التجارة العالمي والبنتاغون بطائرات مخطوفة حاول ريتشارد ريد تفجير حذاءه المفخخ على متن طائرة مدنية كانت متوجهة من ميامي الى باريس.وبعد ثماني سنوات حاول عمر عبد المطلب فاروق تفجير عبوة مخبأة في ملابسه الداخلية على متن طائرة مدنية قرب ديترويت. وحدث في كلتا الحالتين خلل حال دون انفجار العبوة الناسفة، فيما تمكنت السلطات من احباط محاولتين أُخريين.
وأُجهضت محاولة قام بها شخص يرتبط بتنظيم القاعدة في ايلول/سبتمبر 2009 لتفجير عبوات في شبكة قطارات الأنفاق في مدينة نيويورك. وفي ايار/مايو من العام التالي أُخليت ساحة تايمز وسط نيويورك بعد اكتشاف سيارة مفخخة ركنها فيصل شاهزاد وهو مواطن اميركي يحمل الجنسية الباكستانية ايضاً.
وشهدت الفترة الممتدة منذ انتخاب اوباما نموًا ضخمًا في عدد المنظمات quot;الوطنيةquot; الاميركية المناوئة للحكومة. وأصدر مركز quot;قانون الفقر الجنوبيquot; الشهر الماضي تقريرًا جاء فيه quot;أن خطر العنف يبدو داهمًاquot; بسبب امكانية تشريع قانون يفرض ضوابط على حيازة السلاح.
وقال المركز المختص برصد المنظمات التي تروج الكراهية إن عدد المنظمات quot;الوطنيةquot; الاميركية بلغ مستويات قياسية عام 2012 وازداد بنسبة 813 في المئة خلال السنوات الأربع الماضية.
ويتسم هذا الاتجاه بكره ما يرى معتنقوه أنها حكومة فيدرالية استبدادية والخوف من وقوع الولايات المتحدة فريسة حكومة عالمية ، بحسب رأيهم.
وفي رسالة الى وزير العدل اريك هولدر الشهر الماضي حذر المركز من أن الولايات المتحدة تشهد الآن ، كما في الفترة التي سبقت تفجير مدينة اوكلاهوما ، تهديدات تنذر بالشؤم من اولئك الذين يعتقدون أن الحكومة تعتزم مصادرة اسلحتهم.
وكان تفجير مبنى حكومي في مدينة اوكلاهوما في 19 نيسان/ابريل عام 1995 اسفر عن مقتل 168 شخصًا ليكون أكبر هجوم ارهابي في الولايات المتحدة قبل هجمات 11 ايلول/سبتمبر.
وحين نفذ تيموثي ماكفي عملية التفجير في مدينة اوكلاهوما كانت الحركة quot;الوطنيةquot; مستنفرة بسبب صدور قوانين عامي 1993 و1994 تمنع حيازة الأسلحة الهجومية وانتهاء المواجهة مع اتباع طائفة دينية في مدينة ويكو بولاية تكساس نهاية دموية.
وبسبب حجم الجمهور والمناسبة الرياضية فإن تفجيرات بوسطن استحضرت ايضًا ذكريات عملية التفجير خلال دورة الألعاب الاولمبية في اتلانتا عام 1996. وكان شخصان قُتلا وأُصيب أكثر من مئة في ذلك التفجير الذي نفذه اريك رودولف، الذي قال محققون إنه متطرف مناهض للاجهاض ومعادٍ للمثليين.
وقال تقرير صادر عن مركز مكافحة الارهاب في ويست بوينت هذا العام إن زيادة حادة سُجلت في عدد الهجمات والمؤامرات العنيفة التي خططها افراد ومنظمات ينتمون الى اليمين الاميركي.
ولكن التقرير قال إن عملية التوثيق المنهجي وتحليل الحوادث العنيفة داخل الولايات المتحدة عملية محدودة.
وبصرف النظر عن الجهة التي تقف وراء تفجيرات بوسطن فإنها أعادت الى الأذهان مشاهد من هجمات 11 ايلول/سبتمبر وخاصة بين اولئك الذين كانوا شهودًا عليها.
وقالت شارلوت هولر (24 عامًا) التي تعمل في عمارة مكتبية على ارتفاع سبعة طوابق فوق مكان التفجيرات quot;إن الجميع يتذكر هجمات 11 ايلول وان الأولويات هي أين عائلتي؟ أين اصدقائيquot;.