يحار المراقب لنوع الخطابة الصادرة عن الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اونغ وتهديده بتفتيت الغرب بقنابله النووية. وسبب الحيرة هو ولع الحاكم laquo;الصبيraquo; بثمار الرأسمالية نفسها التي يسعى لتدميرها.


صلاح أحمد من لندن: ربما كان حاكم كوريا الشمالية كيم جونغ اون مولعًا بالخطابة النارية ضد الولايات المتحدة والغرب والرأسمالية، كما تتمثل ايضًا في العدوين اللدودين كوريا الجنوبية واليابان. لكن الواقع هو أن هذه الخطابة ربما كانت للاستهلاك المحلي فقط.

ووفقًا لياباني يدعى كينجي فوجيموتو عرف الرئيس منذ طفولته، إذ ظل يعمل طباخًا لأسرة كيم على مدى أكثر من عقدين، فهو مولع برموز الحضارة الغربية وبريق أضوائها الممثل في موسيقاها وسينماها وفنونها ومطابخها وأسلوب حياتها عمومًا.

وعلى سبيل المثال فهو عاشق لأغاني laquo;البيتلزraquo;، ويتخذ من ممثل أفلام laquo;الآكشنraquo;، جان ndash; كلود فان دام، أقرب شيء الى مثله الأعلى ويتمنى لو كان له نوع صفاته السينمائية شبه الخارقة.

ملعقة الفضة

يقول الطباخ السابق إن الرئيس الكوري الشمالي (30 عاماً) يحب تناول نبيذ laquo;بوردوraquo; وسجائر laquo;كارتييهraquo; بنكهة النعناع. وكان منذ بلوغه سن السابعة فقط يقود سيارته laquo;المرسيدسraquo; داخل جادات القصر المنيف الذي تعيش فيه أسرته.

ولهذا الغرض ذلك فقد عدلت تلك السيارة بحيث رُفعت أدوات القيادة ndash; مثل بدال السرعة والفرامل ndash; الى مستوى تصل اليه قدماه الصغيرتان. فصار سائقاً ماهراً وهو لا يزال في تلك السن الغضّة ولا يعرف وقتها مغزى ملعقة الفضة التي ولد وهي في فمه.

السجين الهارب

وفقًا للصحف البريطانية التي تداولت التقرير، فقد ظل الشيف فوجيموتو يعمل لآل كيم منذ العام 1988 عندما استؤجر لإعداد أطايب المطبخ الياباني.

ثم توصل الى قناعة بأنه يعيش في الأسر عمليًا، فقال إنه بحاجة الى السفر الى بلاده لإحضار نوع نادر من قنافذ البحر قال إن طعمها لا يعادله شيء آخر في الوجود. فسُمح له بطلبه وكان ذلك آخر عهده ببيونغ يانغ. لكنه انصرف ايضاً الى تأليف كتب عن ذكرياته العديدة في كنف أسرتها الحاكمة ونظامها الفريد.

وقال فوجيموتو لصحيفة laquo;الصنraquo; البريطانية إن كيم جونغ اون يحرّم على مواطنيه كل شيء تفوح منه رائحة الغرب. لكنه شخصيًا - واولئك الذين يرفلون في نعيم دائرته الداخلية - لا يستطيبون غير ثمار الحضارة الغربية ولا شيء يعادل عندهم مختلف رموزها.

وكان من آثار مشاهدة كيم مغامرات جان ndash; كلود فان دام السينمائية قراره أن يكون له جسد تزيّنه العضلات في كل شبر منه كما هو حال بطله القاهر. فأحضرت له سائر المعدات الرياضية للرشاقة وكمال الأجسام، وصار حريصًا على تناول البروتينات الرياضية أكثر من أي شيء آخر... لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح كما هو واضح للعيان.

حتى الجيش يعاني الجوع

على الرغم من الستار الحديدي الذي يضربه النظام الكوري الشمالي حول البلاد، فمن المعروف أن أهلها ndash; خاصة في القرى والأرياف ndash; يعانون شظف العيش الى حد المجاعة.

يشار الى أن فريقًا من الصحافيين العاملين في وكالة الأنباء الآسيوية laquo;آيشيابرسraquo; التي تتخذ من طوكيو مقرًا لها، استطاع العام الماضي إلقاء الضوء على أمر يدق نواقيس الخطر. ويتعلق هذا بأن قطاعات واسعة من القوات المسلحة نفسها (أهم مؤسسات البلاد على الإطلاق) تتضور جوعاً.

وكشف ضابط ألقيت على عاتق وحدته مهمة حماية المسؤولين الحكوميين في أحد أقاليم البلاد إن المخصص للوجبة الواحدة صار لا يتعدى 100 غرام أو حوالي 3.5 أوقية.

وقال بعد تردد وتعهدات مطوّلة بحجب هويته: laquo;يمكن القول إن نصف العاملين في القوات المسلحة يعانون من سوء التغذية البالغ... وربما الجوع الواقف على عتبة المجاعةraquo;.

وقال جندي: laquo;من الواضح أن الأمور تسير من سيئ الى أسوأ. فحتى بعد حصاد البطاطا لا ننال سوى سبع قطع صغيرة في الوجبة الواحدةraquo;. ولكي يشرح حجم laquo;القطعةraquo; التي يشير اليها هنا، يبرز إبهامه قائلاً: laquo;بهذا الحجمraquo;!

وقال جندي آخر في معيته: laquo;النقص الحاد في المواد الغذائية لا يقتصر علينا وحدنا وإنما صار السمة السائدة وسط الجنود في مختلف الأسلحة والوحداتraquo;.

الشبل والأسد

لا شك في أن نوع النعيم الذي يهنأ به كيم جونغ ايل رغم عيش شعبه في فقر مدقع يتخذ جذوره في حياة أبيه كيم جونغ ايل. فقد كان الدكتاتور الراحل صاحب مكتبة سينمائية جامعة من الفيديوهات وأقراص laquo;دي في ديraquo; تضم سائر السواد الأعظم من الأفلام التي انتجتها هوليوود.

وعرف عنه ولعه الخاص بأغلى أصناف البراندي الفرنسي laquo;هينيسيraquo;، وحفلاته التي وصفت بأنها ماجنة لأنها كانت تضم راقصات شبه عاريات.

بعبارة أخرى، فإن laquo;هذا الشبل من ذلك الأسدraquo;. وبعبارة أخرى أيضًا فإن الولع بالحياة الغربية وثمار الرأسمالية لم يمنع سواء الأسد القديم أو شبله الجديد من الزئير الغاضب في وجه الغرب مصدر سعادتهما اللانهائية... فكيف للمرء أن يفسّر هذا؟