تتعاظم معاناة مرضى الإيدز في السعودية، ولا يجابهون آلام المرض القاتل فحسب، بل إن نظرة المجتمع الدونية لهم ونبذهم من الجميع يزيدان منأوجاعهم، وسط أدوار سلبية تلعبها العديد من المؤسسات وحتى من بعض رجال الدين، بيد أن حادثة الطفلة quot;رهام الحكميquot; قد تكون البداية لنظرة أخرى تجاه هؤلاء المرضى.

الرياض: ذكر اسم المرض فقط يكفي لإثارة مشاعر وتوتر الكثيرين في السعودية، وهو تماماً ما حدث مع quot;إيلافquot; حينما توجهت لمدينة الملك سعود الطبية في العاصمة الرياض للالتقاء ببعض المرضى، إذ عندما سألت بعض الموظفين في المستشفى عن مركز علاج الإيدز، نفى البعض وجوده تمامًا، بينما زود آخرون quot;إيلافquot; بمعلومات خاطئة عن مكان المركز واسم الطبيب المسؤول عنه.
وبعد أكثر من زيارة للمدينة الطبية أخبرنا حارس أمن بمكان المركز، وعندما التقت
quot;إيلافquot; بطبيب مسؤول في مركز علاج الإيدز الذي فضل عدم ذكر اسمه، أخبرنا بضرورة الحصول على إذن من وزارة الصحة لكي يستطيع تزويدنا بالمعلومات اللازمة حول مرض الإيدز ومعاناة المصابين به، ولكي نستطيع أيضًا إجراء مقابلات مع المصابين.
ثم أردف قائلاً: quot;بصراحة نحن مثل النعامة نخبئ رؤوسنا في الرمال، لا أستطيع الحديث إلا بموافقة وزارة الصحة.. لقد زودت أحد الصحافيين قبل مدة بمعلومات عن المرض وعندما علمت وزارة الصحة بذلك منعتنا من التحدث للصحافة!quot;.
تركنا الرياض واتجهنا إلى جدة، التيما زالت تتصدر المدن السعودية من حيث نسبة الإصابة بالمرض، وكانت جمعية مرضى الإيدز الخيرية حلقة الوصل بين إيلاف وبعض المصابين .
يقول أبو وائل وهو أحد المصابين بالإيدز: quot;قبل 15 عاماً دخلت السجن بسبب تعاطي المخدرات التي كنت أتناولها عبر الحقن بالوريد مع بعض الشباب وكنا نتشارك في الإبرة الواحدة ونمررها على بعضنا البعض وحينها كنت متزوجًا ولديّ طفلان، لكنني لم أعلم بإصابتي بالإيدز إلا بعد خروجي من السجنquot;.
ويضيف: quot;عندما كنت مسجوناً ساءت حالتي الصحية في إحدى الأيام، وتمت إحالتي إلى المستشفى التابع للسجن وبعد الفحوصات المخبرية اكتشف الأطباء إصابتي بالمرض لكنهم لم يخبروني حينها، وفي اليوم الذي خرجت فيه من السجن نصحني أحد المسؤولين هناك بضرورة مراجعة البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز في مستشفى الملك سعود في مدينة جدة وهناك علمت بإصابتي بالمرض الذي وقع على مسامعي كالصاعقة ولم يقف بجانبي إلا أمي أما زوجتي عاشت معي بعد أن علمت بمرضي سنة واحدة فقط ثم طلبت الطلاق خوفًا من انتقال المرض إليها، رغم أن المستشفى أجرى فحوصات لها و للأولاد وثبت عدم إصابتهمquot;.
وتابع أبو وائل: quot;بعد الطلاق، ساءت حالتي النفسية والجسدية كثيرًا علمًا أن بقية أفراد الأسرة والأصدقاء لا يعلمون أنني مصاب بالإيدز لأني أخشى أن تتغيّر نظرتهم إليّ وأن يعاملوني بسوء، فيكفي ما نلاقيه من سوء معاملة من الشركات والمؤسسات التي ترفض توظيفنا، ولقد ساعدتني جمعية مرضى الإيدز من خلال ما تقدمه للمرضى من برامج تثقيفية وترفيهية وكذلك مساعدات عينية متمثلة بالسلال الغذائية والأجهزة الكهربائية كما لا أنسى دور الجمعية وكذلك دور برنامج الإيدز في تزويجي بامرأة حاملة لفيروس الإيدز لكننا -ولله الحمد- أنجبنا طفلة سليمة، أتمنى أن أعيش معها حياة كريمة ولا أريد العودة لأخطاء الماضيquot;.
وبدورها، تقول المتعايشة مع المرض والتي تحمل رقم (417) في جمعية مرضى الإيدز: quot;أعاني من مشاكل عدة، فأسرتي تنفر مني ومن ابني المصاب، لقد أصبت بالإيدز عن طريق زوجي ولم أعلم بذلك إلا بعد وفاته، حيث أظهرت التحاليل أن سبب الوفاة هو الإيدز عندها سارعت بإجراء الفحوصات، وكنت حاملاً بطفلي، فأثبتت التحاليل إصابتي بالمرض وأنجبت طفلاً مصاباً أيضًا أصبح اليوم يرفض الذهاب إلى المدرسة بسبب مضايقات زملائه له رغم حرصي على عدم معرفة أحد بإصابتهquot;.
وتضيف: quot; تواجهني الكثير من المشاكل المادية خاصة أنه لا توجد جهة عمل تقبل بتوظيفي، أتمنى أن تحرص جميع الفتيات على فحص ما قبل الزواج حتى لا تتكرر مأساتي، كما أتمنى أن يقف أفراد مجتمعي معي في محنتي فلا ذنب لي مما أعاني منهquot;.
quot;أبو عليquot; يسرد بدوره حكايته فيقول إن المرض انتقل إليه عن طريق العلاقات الجنسية غير المشروعة رغم أنه متزوج وأب، ولم يعلم بإصابته بالمرض إلا عندما أجريت له عملية جراحية قبل سبع سنوات في أحد مستشفيات جدة، ويضيف: quot;في بداية الأمر عانيت كثيرًا ثم تقبلت زوجتي وأبنائي المرض الذي أثبتت التحاليل عدم إصابتهم به لكن معاناتي تتجسد في نظرة المجتمع القاسية لناquot;.
أما المصابة رقم (534) فقد علمت بإصابتها بالمرض بعد إجرائها عملية تجميل وإلى الآن لا تعلم مصدر انتقال الفيروس إليها.. quot;ربما انتقل إلي الفيروس من عيادة الأسنان أو من طليقي الذي كان سيئًا معي، وحتى الآن لا أحد يعرف بإصابتي خوفًا من وصمة العار والتمييز ضدي لاسيما أني مطلقة، فقدت الأمل في كل شيء وتدمر مستقبلي كما أني أفضل الانعزال عن أسرتي والمجتمع بأسره حتى لا يعلم أحد بإصابتي فينفر مني، كما أن ظروفي المادية صعبة جدًا فأنا لا أعمل وفي الوقت نفسهمسؤولة عن ثلاثة أبناء والدهم لا ينفق عليهم، لذا أتمنى إصدار قانون يمنح مرضى الإيدز حقوقهم الطبيعية في التعليم و العملquot;.
أحمد مصاب آخر بالمرض، ويقول إنه أصيب به قبل ثماني سنوات، وكان عمره آنذاك سبعة عشر عامًا، وانتقل إليه عبر ممارسة فاحشة اللواط مع مراهقين في عمره، وكذلك رجال في عمر والده.. quot;أهملني والدي الذي انفصل عن والدتي باكرًا ليعيش كل منهما حياته الخاصة بعيدًا عني، فكنت فريسة سهلة الاصطياد للشواذ جنسيًا، ولم أعلم بإصابتي بالمرض إلا عندما تقدمت بطلب وظيفة فطلبت مني جهة العمل إجراء فحص شامل لمعرفة مدى لياقتي للعمل، وقتئذ ساءت حالتي النفسية وغضب مني والدي في بداية الأمر ثم أصبح يهتم بي كثيرًا لكن بعد فوات الأوانquot;.
ويتابع قائلا: quot;حاليًا أتلقى العلاج لدى مستشفى الملك سعود، حيث توفر الحكومة السعودية الرعاية الطبية لكافة مرضى الإيدز، كما تحاول جمعية مرضى الإيدز مساعدتنا في إيجاد وظيفة وزوجة حسب إمكانياتها إلا أن المشكلة أن المجتمع لا يتقبلنا، وأذكر أن شرطي مرور أوقفني في إحدى المرات وكنت مستعجلاً لألحق بموعدي في المستشفى فلما ذكرت له سبب سرعتي في قيادة السيارة رمى بطاقة الأحوال في وجهي وقال لي: اذهب بعيدًا عني حتى لا تنقل إلي الفيروس! مما يدل على قلة وعي المجتمع بالمرض و طرق الإصابة بهquot;.
والمصابة الأخيرة التي التقتها quot;إيلافquot; يرمز لها بالمتعايشة رقم (103) وأصيبت بالمرض عن طريق زوجها المتوفى، تقول: quot;لم يتقبلني أحد وابتعدت عني أسرتي وجيراني وصديقاتي لكني واجهت الجميع من أجل أبنائي وتجاوزت المرحلة الحرجة، راتب زوجي التقاعدي يساعدني قليلاً لكنني أواجه مشكلة في دفع إيجار البيت الذي أسكن فيه، كما أن المالك يريد إخراجي بالقوة بعد معرفته بنوعية المرض الذي أعاني منه، وجمعية مرضى الإيدز تقدم لنا محاضرات ودورات وبرامج ترفيهية لكنها لا تقدم لنا مساعدات مالية، كما أخشى على مستقبل أولادي الذين نبذهم المجتمع بسبب إصابتي بالإيدز لذا يجب أن يعي الجميع حقيقة هذا المرض ليتعاملوا معنا بالحسنىquot;.
يعتقد الكثير من السعوديين أن مريض الإيدز هو المسؤول الوحيد عن إصابته بالمرض وأن فيروس نقص المناعة ينتقل عن طريق العلاقات الجنسية المحرمة فقط، ولقد ساهم رجال الدين في هذا الاعتقاد عبر خطبهم وفتاواهم، إلا أن إصابة الطفلة ريهام حكمي بفيروس الإيدز عن طريق نقل دم ملوث إليها بسبب إهمال طبي في مستشفى جازان العام أثبت العكس، كما أن بعض رجال الدين يرفض فكرة تقديم مساعدات مادية للمرضى بدعوى أن ذلك يعني قبول نتائج ممارسة الجنس المحرم.
تجدر الإشارة إلى أن المرض ينتقل عبر الاتصال الجنسي المباشر وتزيد النسبة بين الشواذ جنسياً، وعبر الإبر وأدوات ثقب الجلد الملوثة بالفيروس مثل أدوات ثقب الأذن وأدوات الحلاقة والحجامة والوشم، وكذلك عبر فرشاة الأسنان وأدوات معالجة الأسنان غير المعقمة، بالإضافة إلى إدمان المخدرات ونقل الدم الملوث بالفيروس وزراعة الأعضاء من متبرع مصاب بالإيدز.

وتتضارب الأرقام حول أعداد المصابين بالإيدز في السعودية، إذ تقول وزارة الصحة إنهم في حدود 16 ألف مصاب، بينما تؤكد مصادر طبية أخرى أنهم أكثر من ذلك بكثير، ووفقاً لها فهم يتجاوزون الـ70 ألف مصاب بكثير.