الحرب السورية هجّرت السوريين إلى لبنان، حيث يعملون في ظروف قاهرة، فيها الكثير من الذل والهوان، لم يظنوا يومًا أنهم سيلقونه في هذا البلد، الذي قام عمرانه على سواعد العمال السوريين.

بيروت: عرف لبنان منذ زمن باستقطابه العمّال السوريين، لا سيما في الفترة التي تلت نهاية الحرب الأهلية وبداية مشاريع إعادة الإعمار، فكان العمّال السوريون يأتون إلى لبنان ويتركز عمل معظمهم في البناء والقطاعات المتعلقة به، مثل أعمال الكهرباء والنجارة وتركيب البلاط وغيرها.
لكن الحرب السورية وما انتجته من أعمال عنفدفعت الكثيرين للهرب نحو لبنان، الذي تجمع التقديرات على أنه يستضيف حاليًا نحو مليون نازح سوري، في حين لا تتوافر أرقام رسمية تؤكد أعداد العمّال السوريين، إلا أن تقديرات الاقتصاديين تشير إلى وجود نحو نصف مليون عامل سوري في لبنان لا يتمتعون بأي وضع قانوني.
اضطهاد واعتداءات
تدل الحال الإنسانية التي يعيشها هؤلاء على إجحاف كبير يلحق بهم. فالكثير من اللبنانيين يرون أن العامل السوري يأخذ لقمة عيشهم من أمامهم، ما يتسبب في الكثير من المشاكل. كما أن العمّال السوريين أصبحوا مضطهدين في بعض المناطق كالضاحية الجنوبية كردٍ على اختطاف تسعة لبنانيين شيعة في منطقة اعزاز في ريف حلب، ومناطق واسعة من المتن الجنوبي تحظر تجوّلهم بعد التاسعة ليلًا.
وتكاد لا تخلو نشرة أخبار من رواية عن حوادث يتعرض لها السوريون، كان آخرها تعرّض ممرض فلسطيني بالضرب لأحد الجرحى السوريين في مستشفى في جب جنبن.
وفي منطقة جسر السلطان ابراهيم، عند مدخل الضاحية الجنوبية، يحتشد عشرات العمّال السوريين الذين يعملون في مهن مختلفة. يصل رجل يبحث عن دهّان فيجتمع حوله أكثر من عشرة. يقدم كل منهم نفسه ويدخلون في مناقصة لا يحكمها دفتر شروط مسبق، فيختار صاحب العمل واحدًا منهم ويأخذه، فيلحق الباقون به على أمل أن يغيّر رأيه.
يقول أنس حمو من الحسكة لـquot;إيلافquot;: quot;أجورنا انخفضت كثيرًا، أتقاضى ما بين عشرة دولارات و15 دولارًا يوميًا، بعدما كنت أطلب 30 دولارًا لأحصل على 25 دولارًاquot;.
يضيف: quot;أعمل في الدهان، ولي من الخبرة سبع سنوات، أعرف أن أنفذ أي شيء يمكن أن يطلبه الزبون، لكنّ هناك الكثيرين غيري، والوضع في سوريا أتى بنا إلى هنا، فهل نتسوّل؟ نفضل أن نعيش بكرامة، ولو بالقليل من المالquot;.
معاناة مستمرة
يقول ابراهيم، شقيق أنس، إنه نجار وعمره 22 سنة، quot;وأنا وإخوتي خمسة، بيننا اثنان متزوجان، استأجرنا شقة من غرفتين، ندفع إيجارها 400 دولار شهريًا، لذلك علينا أن نعمل أي شيء، وقد عملت عتالًا مرارًا لكن لا بأسquot;.
يتابع: quot;نشعر أن اللبنانيين عنصريون نوعًا ما، فهم يسندون إلينا أعمالًا لا يقومون بها، فعمّال جمع القمامة سوريون، وعمّال البناء والسباكة أيضًا، ولم نتعرّض لإعتداء حتى الآن، لكن غيرنا تعرّضquot;.
عبد الرحمن (26 عامًا) أتى إلى لبنان ولم يكن يعرف شيئًا عن مهنة تركيب المصاعد. اليوم وفي زمن قياسي أصبح من الأكثر كفاءة في الشركة حيث يعمل. ويروي أن زوجته وضعت ولدًا ما لبث أن توفي بعد 36 ساعة، فواجه مشكلة في استلام جثمان ابنه لدفنه لأنه لم يكن يملك المال الكافي لدفع مصاريف المستشفى.
يقول: quot;طلبوا مني 1.2 مليون ليرة (800 دولار)، ولم أكن أملك إلا مئة دولار، فارتضى صاحب الشركة أن يقرضني راتب شهر، أي 300 دولار، وتكفّلت جمعية بمساعدتي بمبلغ بسيط وحسمت لي إدارة المستشفى جزءًا آخر، ومات ولدي ربما لأنهم أهملوه لأنه سوريquot;.
أحمد محو (27 سنة) من القامشلي، يعمل في ورشة لدهان السيارات، لا يختلف وضعه كثيرًا عن السوريين من أمثاله.
يقول: quot;كنا نعمل في ورشتنا مع والدي وأخي، والزمن أتى بنا إلى هنا، حيث أتقاضى 330 دولارًا مع أنني أصحح أخطاء من يعتقدون أنهم يفهمون كل شيء، وصاحب الورشة هنا ينظر إليّ بعين الشك دائمًا، فأنا أبحث عن عمل آخر لكن لا حلول كثيرة لديّ، ومع هذا يبقى وضعي أفضل من الآخرينquot;.