كل الآمال التركية والكردية معقودة على التزام الطرفين بالاتفاق الأخير، الذي بدأ المقاتلون الأكراد بمقتضاه انسحابًا من الأراضي التركية، لكن ثمة تساؤلات كثيرة حول قدرة أردوغان على المضي قدمًا في تنفيذ بنود الاتفاق الأخرى، التي تضمن للأكراد حقوقًا لطالما حرموا منها.


بيروت: بعد ثلاثة عقود من صراع تركيا مع الأقلية الكردية، قد تكون البلاد اليوم أمام فرصة ذهبية لتحقيق السلام أخيرًا، مع استعداد مقاتلي حزب العمال الكردستاني للانسحاب من الأراضي التركية، وعودة الحياة إلى طبيعتها. فقد بدأ المقاتلون بالانسحاب من الجبال في جنوب شرق تركيا. وليست هذه هي المرة الأولى، فقد شهدت السنوات الثلاثون الماضية محاولات واتفاقات لوقف إطلاق النار، سرعان ما انهارت لتؤدي إلى عواقب دموية وخيمة. لكن الآمال المعقودة هذه المرة تستند إلى عوامل مختلفة، فالاتفاق الذي تم التوصل اليه أعدّ باجتهاد. فزعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله اوجلان لم يعد قاتل الأطفال الإرهابي، وقائد القوات المسلحة في سيمدينلي، حيث تم إطلاق هجوم حزب العمال الكردستاني الأول في 15 آب (أغسطس) 1984. للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود، تحلم هذه البلدة بتحقيق السلام.
تساؤلات برسم أردوغان
ثمة العديد من الأسئلة الكبيرة التي لم تلقَ إجابات حتى الآن: هل سيكون انسحاب حزب العمال الكردستاني كاملًا؟ هل سينسحب المقاتلون مع أو من دون أسلحتهم؟ ما أن يختفي مقاتلو حزب العمال الكردستاني، ما ستكون استراتيجية الجيش التركي تجاه الأغلبية الكردية في جنوب شرق البلاد؟
حتى اللحظة، كل ما يمكن التأكد منه هو أن الجانبين يصران على الالتزام بالاتفاق. والمفارقة هي أن المجد بشأن التوصل إلى هذا الاتفاق لا يزال بعيدًا عن الرجل الذي يستحقه، وهو رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان.
فحزب العدالة والتنمية والمعارضة الكمالية ينقسمان بشدة حول هذه المسألة. وهناك جمود في البرلمان بشأن الطرف الذي تتمثل مهمته في وضع دستور جديد. وعلى الرغم من عدم انسحاب أي طرف من لجنة المصالحة حتى الآن، إلا أنه من المستبعد أن يتم التوصل إلى دستور جديد.
وحتى إن لم يتم التوصل إلى اتفاق، أو في حال إقرار سلسلة من التعديلات، فهناك تكهنات كثيرة حول ما إذا كان أردوغان قادرًا على الوفاء بجانبه من الاتفاق مع الأكراد، الذي يتضمن الاعتراف الرسمي بالهوية الكردية، والتعليم بلغتهم الأم، والحق في تنظيم حملات باللغة الكردية، إضافة إلى تخفيض العتبة العليا للدخول في البرلمان.
أرضية هشة
يسعى أردوغان لنظام رئاسي على الطريقة الأميركية، وهو المجد الذي يريد تكريسه لشخصه. لكنه يفتقر إلى الأصوات لتأمين الموافقة على هذا النظام. كما أن صورة حزب العدالة والتنمية ستتضرر، باعتباره الحزب الحاكم، إذا حاول الدفع من خلال دستور لا يحظى بإجماع، ويتكئ على أصوات حزب السلام والديمقراطية المؤيد للأكراد.
لذلك، وفي ظل الجمود في اللجنة، يبدو أن اردوغان يقف على أرضية هشة. وربما بحلول كانون الاول (ديسمبر) المقبل، عند اكتمال انسحاب حزب العمال الكردستاني، قد يكون أردوغان قادرًا على العودة إلى البرلمان بشكل أقوى. غير أن ذلك يعتمد على مدى سلاسة عملية السلام. لكن تبدو تركيا في طريقها إلى إضاعة فرصة كبيرة للمضي قدمًا، من خلال التوصل إلى توافق سياسي.
يُشار هنا إلى أن عناصر حزب العمال الكردستاني بدأت بالانسحاب من الأراضي التركية يوم الأربعاء، تنفيذًا لاتفاق بين المسلحين الأكراد والحكومة. ومن المتوقع أن يعبر ألفا مسلح من الأراضي التركية إلى شمالي العراق بجبال قنديلي، التي يتخذونها معقلًا لهم. وهناك سيلتحق المسلحون بنحو خمسة آلاف مسلح في القيادة العامة للتنظيم، والتي كانت تنطلق منها الهجمات على قوات الأمن التركية.