تقر المستشارة الألمانية بأنها لا تزال من laquo;أبناء المانيا الشرقيةraquo;، ولا تقوى على الفكاك من عاداتهم مثل تخزين الأشياء ليوم الحاجة. لكنّ كتاباً جديداً يتهمها بأن الأمور تتعدى ذلك الى laquo;المخبّأraquo; وخصوصًا دورها في دعم النظام الشيوعي.


لندن: laquo;ليس لديّ ما أخفيهraquo;! كان هذا التصريح هو ردة فعل المستشارة الألمانية انغيلا ميركل الغاضبة إزاء كتاب جديد يقول مؤلفه إنها ربما كانت ذات حظوة لدى النظام الشيوعي الحاكم في المانيا الشرقية وبشكل أكبر كثيرًا مما كان يُعتقد.
يذكر أن ميركل (58 عامًا) نشأت في الشطر الشرقي من بلادها ودخلت عالم السياسة عندما كان نظامه الشيوعي يتهاوى حتى سقوطه في 1989. ومن المعروف في سيرتها أنها انضمت الى منظمة الشباب الشيوعي، وأنها ترد على ذلك بالقول إنها - كالعديد من أبناء جيلها ndash; فعلت ما كان يُعتبر أمراً طبيعيًا في ناموس الأشياء من حولها.

اتهام ورد
الكتاب الصادر هذا الأسبوع يقول إن ميركل لم تكن مجرد عضو بالمنظمة الشبابية وإنما واحدة من فريق من أمناء الدعاية للمنظمة، وإن هذا منصب نخبوي لا يتاح الا لمن أثبت فوق الشك أهليته له عبر ولائه التام للحزب الشيوعي وفهمه لأيدلوجيته وأهدافه للبلاد وموقفه من أعداء الآيدلوجية الشيوعية.
ميركل من جهتها تنفي هذا الاتهام قائلة إنها كانت ndash; في أعلى مستوى وصلت إليه بالمانيا الشرقية ndash; مسؤولة نشطة بنقابة عمالية أهدافها المشروعة هي حماية حقوق الطبقة العاملة. ونقلت عنها صحف بريطانية قولها إنها لم تسعَ البتة لإخفاء شيء يتعلق بحياتها في المانيا الشرقية. على أنها أضافت إقرارها بأن الكتاب ربما حوى أشياء laquo;لم تظهر للعلن حتى الآن ولكن السبب الوحيد لهذا هو أنني لم أُسأل عنها من قبلraquo;.

حنين
الواقع أن ميركل لم تخفِ حنينها الى laquo;الأيام الخواليraquo; ولكن في إطار المعيشة اليومية. فقد قالت في حوار مع مجلة laquo;سوبريلوraquo; المانية في 2010 (عندما كانت البلاد تحتفل بالذكرى العشرين لإعادة التوحيد) إنها ما زالت تغسل ملابسها بمنظّف الماني شرقي معيّن، وتعد حساء مفضلاً وسط أهل الشرق يسمى laquo;سوليانكاraquo; (من المقانق وعصير المخللات)، ولا تقوى على مقاومة الرغبة في ملء سلتها عن آخرها كلما دخلت أحد متاجر السوبرماركت (في إشارة الى أن الألمان الشرقيين كانوا يخزّنون الأشياء خوف اختفائها في أي لحظة).
وقالت: laquo;لا استطيع التوقف في بعض الأحيان عن شراء شيء فقط لأن نظري وقع عليه وليس لأنني بحاجة حقيقية اليه. هذه النزعة الى laquo;التخزينraquo; صارت جزءًا من تركيبتي. والسبب في هذا هو أننا كنا في ما مضى (أيام المانيا الشرقية) نشتري كل ما استطعنا شراءه بسبب الندرة المستمرة التي كنا نعيشهاraquo;.

خلفية
قُسّمت المانيا الى جزء شيوعي (جمهورية المانيا الشرقية الديمقراطية) والآخر رأسمالي (المانيا الغربية) في أعقاب هزيمة جيوش النازي ونهاية الحرب العالمية. واستمر هذا الوضع، الذي شطر مدينة برلين أيضا نصفين بالجدار الشهير، حتى تاريخ إعادة توحيد الألمانيتين في الثالث من تشرين الأول (اكتوبر) 1990 بعدأشهر من المظاهرات السلمية.
وقد أطاحت هذه المظاهرات النظام الشرقي الشيوعي وتمثل نصرها الباهر في هدم جدار برلين الذي صار رمزًا لسقوط الشيوعية كنظام عالمي. وتأتى كل هذا مع سقوط الاتحاد السوفياتي الذي كان النظام الألماني الشرقي يدور في فلكه كما كان الحال مع معظم دول شرق أوروبا.

لا توحيد حقيقي
لا يمكن القول إن إعادة توحيد ألمانيا تجاوزت الأوراق الرسمية وتغلغلت الى رجل الشارع. فبينما مُحيت الحدود الجغرافية والآيدلوجية بين الكيانين الخصمين سابقًا، يظل ثمة حاجز laquo;نفسيraquo; بارتفاع جدار برلين نفسه يميّز أهل الغرب، الذين يطلق عليهم اسم Wessis laquo;فيسيزraquo;، عن أهل الشرق Ossis laquo;اوسيزraquo;.
فهؤلاء الأخيرون لا يزالون ميّالين الى العزلة ويظهرون إجلالاً غير عادي للمنتجات الشرقية التي صمدت في وجه إعادة التوحيد ويغلقون الأبواب في وجه الرياح الجديدة التي تهب عليهم من الغرب. ومازال العديد منهم يخزّنون الأشياء laquo;ليوم الحاجةraquo; ولا يتناولون نبيذًا غير laquo;روتكابتشينraquo; الشرقي ويقضون عطلاتهم الصيفية في كبائن الداشا الريفية المصممة على الطريقة الروسية... وكل هذا على عكس laquo;الفيسيسraquo; أهل الغرب.
وتبقى الحقيقة الماثلة للعيان ndash; رغم الجهود المستمرة لتعديل مستوى المعيشة في الشطر الشرقي بحيث يلحق بمستواه في الغربي ndash; وهي أن الشرقيين لا يجدون تمثيلاً حقيقيًا في المجتمع الألماني الحديث.

نعم ولا
بالطبع، فإن المستشارة ميركل تظل بنت laquo;الأوسيزraquo; أهل الشرق، وينطبق عليها ما ينطبق عليهم، بشهادتها هي لمجلة laquo;سوبريليوraquo;. وربما كانت الكارثة هي أن تتنكر لماضيها وأن تنبذه، لكنها أذكى كثيرًا من ذلك.
ويجب ان يُقال إن الكتاب الصادر الآن لا يتخذ بالتالي من هذا نفسه موضوعاً له، وإنما يرميها بما ظلت تنفيه وهو أنها كانت ترسًا مهمًا في الماكينة الشيوعية التي كانت تحرك المانيا الشرقية. فهل يكفي هذا لإسقاطها من الكرسي الأعلى ويسد الطريق السياسي أمامها مرة وإلى الأبد؟
الأرجح أن هذا لن يحدث وأن السهم الذي يوجهه الكتاب اليها سيخطئ هدفه بالكامل. لكنه سيكون مادة مقروءة سواء في داخل المانيا أو خارجها، لأن ميركل ndash; في نهاية المطاف ndash; هي المستشارة الألمانية ولكل ما يُقال عنها أهمية تفرض نفسها بغض النظر عن صحته.

ميركل في سطور

* ولدت انغيلا دوروتيا ميركل في 17 يوليو (تموز) 1954 بهامبورغ لأبيها القس اللوثري والمعلم، الذي انتقل عام ولادتها بالأسرة الى تيمبلين، قرب برلين في المانيا الشرقية سابقاً. وهنا تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي قبل التحاقها بجامعة لايبزيغ حيث درست الفيزياء (1973 ـ 1978). ثم واصلت دراساتها في laquo;المعهد المركزي للكيمياء الفيزيائيةraquo; بأكاديمية العلوم (1987 ـ 1990) وحصلت منه على شهادة الدكتوراه في الفيزياء متخصصة في كيمياء الكم.

* في أواخر 1989، بعد سقوط جدار برلين، صارت ناشطة في الحركة المطالبة بالديمقراطية وانضمت الى الحزب الجديد laquo;الصحوة الديمقراطيةraquo;. وبعد أول انتخابات ديمقراطية في الشطر الشرقي أصبحت ناطقة باسم الحكومة الجديدة بقيادة لوتار دوميزيير.

* بعد اول انتخابات في المانيا الموحدة في ديسمبر (كانون الأول) 1990 صارت وزيرة لشؤون النساء والشباب في حكومة هيلموت كول الذي رعاها وعيّنها في 1994 وزيرة للبيئة وسلامة المفاعلات النووية.

* بعد هزيمة حكومة كول في انتخابات 1998 العامة، انتخبت أمينة عامة للاتحاد الديمقراطي المسيحي. وفي مايو (ايار) 2005 فازت بترشيح تحالف الحزبين laquo;الاتحاد الديمقراطي المسيحيraquo; وlaquo;الاتحاد الاجتماعي المسيحيraquo; لخوض انتخابات ذلك العام. فنازلت مرشح laquo;الحزب الديمقراطي الاجتماعيraquo; غيرهارد شرودر وصارت، بعد هزيمته، أول مستشارة للبلاد.