دخلت قوات خاصة فرنسية إلى أغاديز في النيجر مُهاجمة إرهابيين أخذوا بعض الرهائن، بعدما فجّروا ثكنة نيجيرية عسكرية وشركة فرنسية للطاقة، لكن باريس رفضت بشكل قاطع كل الاتهامات الموجّهة إليها بأنها تريد أن تكون شرطي أفريقيا.
باماكو: حين دخلت القوات الفرنسية إلى مالي لضرب المتشددين الإسلاميين، الذين ضيّقوا الخناق على الحكومة المالية، سرت أحاديث في أروقة السياسية الدولية عن أمنيات تدغدغ مشاعر فرنسا لتكون الشرطي الأمني في أفريقيا، لكنها خبت مع تأكيد باريس محدودية عملياتها المالية.
وحين تدخلت القوات الفرنسية أمس الجمعة في أغاديز في النيجر، بذريعة إنهاء عملية احتجاز رهائن، تطورت إثر عملية إنتحارية، عادت هذه الأقاويل لتطفو على السطح الدولي. فأعادت باريس التأكيد على أنها ترفض قاطعًا أن تلعب دور شرطي أفريقيا، لا اليوم ولا غدًا، ودعت المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته الجسيمة، إزاء الإرهاب المتغلغل في أفريقيا.
وقال دبلوماسي فرنسي: quot;لا تريد فرنسا استعادة دورها كشرطي أفريقيا، وليس هذا هدفنا من عملية التدخل في أغاديز، ولن يكون هدفنا كلما واجه بلد أفريقي صعوبات أمنيةquot;.
كان وزير الدفاع الفرنسي جون إيف لورديان أعلن أمس الجمعة أن قوات فرنسية خاصة تدخلت في شمال النيجر، لتحرير الرهائن المحتجزين منذ الخميس، quot;وهذا التدخل يهدف إلى وضع نهاية لأزمة الرهائن التي بدأت في موقع أغاديز، بعدالهجوم الانتحاري على موقع عسكري، وأسفرعن مقتل إرهابيين على الأقلquot;.
تأتي هذه التطورات بعد مقتل 23 شخصًا على الأقل، بينهم 18 جنديًا، في انفجار سيارتين مفخختين استهدفتا الخميس ثكنة عسكرية في أغاديز، وموقعًا لاستخراج اليورانيوم تابعًا لشركة أريفا الفرنسية. وقد احتجز أحد المهاجمين طلبة في الثكنة، وأعلنت حركة التوحيد والجهاد المالية مسؤوليتها عن التفجيرين.
موقعون بالدم
في وقت لاحق، أعلنت مجموعة إسلامية متشددة مسلحة، تطلق على نفسها اسم quot;الموقعون بالدمquot;، أن الجهادي الجزائري مختار بلمختار أشرف على التفجيرين، بالاشتراك مع حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا. وهددت الجماعة بشنّ هجمات جديدة داخل النيجر.
وقال البيان إن هجومي الخميس نفذا باسم الجهادي عبدالحميد أبوزيد، أحد قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي قتل أثناء التدخل العسكري الفرنسي في مالي، وجاءا ردًا على تصريحات الرئيس النيجري بأنه قد تم القضاء على التنظيم عسكريًا.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن أبو وليد الصحراوي، المسؤول الإعلامي في حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، تأكيده مسؤولية حركته عن الهجومين. وقال: quot;بفضل الله قمنا بعمليتين ضد أعداءالإسلام في النيجر، لقد هاجمنا فرنسا وهاجمنا النيجر، لأنها تعاونت مع فرنسا على الحرب على الشريعةquot;.
وتوعد الصحراوي دول المنطقة التي تقف مع فرنسا في حربها على الجماعات المسلحة في إقليم أزواد، وقال: quot;سنواصل الهجمات على فرنسا وكل الدول التي تقف مع فرنسا ضد الإسلام في الحرب في شمال ماليquot;.
استنهاض فرنسي
أمل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في توضيح خارطة طريق فرنسية في أفريقيا، بتأكيده على أن حكومته ستدعم جهود النيجيريين لوقف عمليات خطف الرهائن، وللقضاء على المجموعة التي تقف وراءالهجوم، ووراء الهجوم الذي استهدف موقع أريفا في أرليت في شمال النيجر.
وقال هولاند خلال زيارة إلى لايبزيغ في ألمانيا الخميس: quot;سنحمي مصالحنا، ففي أرليت مصالح شركة فرنسية كبيرة تعرّضت للاستهدافquot;.
وأوضح هولاند الجمعة أنه يرى في أحداث شمال النيجر دليلًا إضافيًا على أن المعركة التي تخوضها فرنسا ضد الإرهاب الدولي معركة يتعيّن على المجتمع الدولي أن يكون جزءًا لا يتجزأ منها، طالما أنه يؤمن بالمبادئ التي تؤمن بها فرنسا. ورأى مراقبون غربيون في كلام هولاند دعوة مبطنة إلى المجموعة الدولية إلى المشاركة الفعلية في الحرب الفرنسية على الإرهاب في شمال أفريقيا، لم تسفر حتى الآن عن نتائج ملموسة، بالرغم من أن باريس لم تأل جهدًا لحشد حلفائها الغربيين خلفها، عبر دعوتهم إلى تحمل مسؤولياتهم.
ولم تتوقف باريس عن هذا الاستنهاض، خصوصًا بعدما وجدت نفسها وحيدة، بلا شركاء أوروبيين وبلا أميركا، في خضم معركة أفريقية عرفت كيف تبدأها، ولا تعرف إلى الآن كيف تنهيها. فالولايات المتحدة اتهمت فرنسا باتخاذ قرار التدخل في الساحل الأفريقي من دون استشارتها، فتركتها وحيدة، وعزف الأوروبيون عن مد يد العون إلى فرنسا، وحجتهم الأزمات المالية التي تمر بها منطقة اليورو، وعجز الحكومات الأوروبية اليوم عن تحمّل تكاليف الحرب الباهظة.
سوبر ماركت ليبي
قال الجنرال هنري بونسيه، القائد السابق للعمليات الخاصة الفرنسية: quot;في السياسة، هناك الواقعية السياسية التي تطبق باسم حماية المصالح الحيوية لفرنسا وأوروبا وبلدان المغرب العربي أيضًا، وحلفاؤنا الأوروبيون مسرورون جدًا لأننا نقوم بهذه المهمة المنهكة، لكن أحدًا منهم لم يتحرك، وهذا يؤكد أن أوروبا الدفاع ليست موجودةquot;. أضاف: quot;لا بد أن مقتل الجندي البريطاني في لندن باسم الجهاد سيوقظ البريطانيينquot;.
إلى ذلك، تخوف بونسيه من تطور الأوضاع في أفريقيا نحو الأسوأ، وأبدى خشيته من اتساع منطقة الضعف في جنوب ليبيا، quot;حيث السلطة الليبية غائبة، والإسلاميون مستقرون، يتدرّبون، وينطلقون من هناك لمهاجمة أهدافهم في أفريقياquot;.
وكشف بونسيه عن أن الحكومة الفرنسية الحالية ورثت وضعًا كارثيًا بعد تدخل في ليبيا في العام 2011، quot;فقد تحوّلت هذه الدولة بعد الثورة إلى سوبر ماركت مفتوح للأسلحة، زبائنه من الإسلاميين، وعلى الجهد الفرنسي ألا يقتصر على حماية اليورانيوم في مناجم أرليت فحسب،بل ألا تسمح بتطوير خلافة إسلامية متطرفة مسلحة في أفريقيا، وهذه قضية تحتاج نفسًا ميدانيًا طويلًاquot;.
التعليقات