بات جنوب مالي ملاذاً آمناً للهاربين من تنفيذ العقوبات الصارمة في الشمال، حيث يتم بتر الأطراف ورجم المخالفين للشريعة بذريعة أنها تطبيق لـquot;عدل اللهquot;.


القاهرة: في وقت بدأت تثار فيه مخاوف في عدة عواصم حول العالم من طبيعة الحكم الإسلامي المتشدد الموجود في شمال مالي، منذ أن فرض الإسلاميون هيمنتهم على مقاليد الأمور هناك خلال فصل الربيع الماضي، فإنهم لا يتورعون في حقيقة الأمر عن تنفيذ ما يرونه عدل الله ضد جميع الأشخاص الذين يقترفون جرائم مخالفة للشريعة.

ولعلّ عقوبة بتر اليدين هي العقوبة الأبرز والأكثر وضوحاً من جانب الإسلاميين حتى الآن. وهي التي عادةً ما يلجأ إليها قادة الشرطة في مساعٍ من جانبهم لتطبيق الشريعة والقضاء على الجريمة خاصة إن كانت مقترنة بعمليات سطو وسرقة.

ونقلت في هذا الصدد صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عن أليو توريه، وهو قائد للشرطة في الجزء الشمالي من مالي الذي يخضع لهيمنة الإسلاميين: quot;لقد قطعت بنفسي يد شقيقي ( مختار ). ولم يكن هناك أمامنا سوى تنفيذ عدالة الله على الأرضquot;.

ويفترض أن الهدف من وراء عمليات البتر هذه هو إحداث حالة من الصدمة، ولاسيما أن السكان يتم استدعاؤهم في كثير من الأحيان لمشاهدة البتر بأعينهم، وحتى في الوقت الذي يخطط فيه العالم لإعادة الاستيلاء على شمال مالي عن طريق القوة، فإن الإسلاميين الذين يهيمنون عليها لا يتورعون بالفعل عن تنفيذ عمليات البتر هذه.

وبعد أن وافق مجلس الأمن الأسبوع الماضي على شن حملة عسكرية من أجل استرداد المنطقة، قام الإسلاميون في غاو، وهي مدينة الأخوين توريه، بقطع أيدي شخصين آخرين وجهت إليهما اتهامات بالسرقة في اليوم التالي مباشرةً، على حسب ما أكده مسؤول محلي بارز، وصف ذلك الأمر بردة الفعل الوقحة تجاه القرار الأممي.

ثم تحدث الإسلاميون، الذين لم يرتدعوا من التهديدات الدولية التي يواجهونها، لمراسلي وكالات الأنباء والصحافيين عن أن ثمانية آخرين سيلقون المصير نفسه عمّا قريب.

وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش ومراقبون مستقلون إن هذا التطبيق الصارم للشريعة، في وقت يتعرض فيه بعض الناس المتهمين بالسرقة لبتر أقدامهم أيضاً، قد حدث ما لا يقل عن 14 مرة منذ أن استحوذ الإسلاميون على السلطة في الربيع الماضي.

غير أن الصحيفة لفتت من جانبها إلى أن تلك الحالات هي الحالات المعروفة فقط، وأن هناك العديد من الحالات الأخرى التي لم يتم الكشف فيها عن طبيعة حالات التعذيب.

وأوضح أحد المسؤولين أن كثيرين تم جلدهم في غاو يوم الاثنين لإقدامهم على التدخين علانيةً، بينما قال آخرون إن الآيات القرآنية، ولا شيء سواها، هي التي يتم وضعها كنغمات رنين على الهواتف الخلوية، أما عقوبة النغمات المرحة فهي الجَلد.

وتم تنفيذ عقوبة الرجم حتى الموت مرة واحدة على الأقل في مدينة أغويلهوك بحق رجل وامرأة اتهما بإنجاب أطفال خارج إطار الزواج. ثم نوهت الصحيفة بأن المحاكمات عادةً ما تتم بصورة بدائية. وقال بهذا الشأن عبده سيدي بيه وهو نائب برلماني من مدينة غاو ويعيش الآن في المنفى في العاصمة باماكو quot; يقومون بتنفيذ تلك المحاكمات ما بين بعضهم البعض في جلسات مغلقة. وقد قام هؤلاء الأشخاص الذين جاؤوا بيننا بفرض نمط العدل الخاص بهم. وهو نمط يأتي من أي مكانquot;.

وأضاف سيدي بيه أن الجهاديين يحاولون الآن كذلك بيع مجمع المحاكم الجنائية السابقة في غاو، وذلك لمجرد أنه لم يعد يحظى بمنفعة بالنسبة لهم. وبدأ يتجه كثير من ضحايا البتر الآن صوب العاصمة باماكو، في الجنوب، التي ورغم المعاناة من وضعيتها السياسية المتقلبة قد تحولت إلى ملاذ بالنسبة إلى عشرات الآلاف الذين يلوذون بالفرار من الظروف الصعبة الموجودة في الشمال، بما في ذلك التجنيد القسري للأطفال.

وعن واقعة قطع يد شقيقه، أوضح أليو توريه، متحدثاً للصحيفة عبر الهاتف من مالي، قائلاَ :quot; القرار كان في غاية البساطة. فقد سرق 9 مرات. وهو شقيقي. وقد أمرنا الله أن نفعل ذلك. وقد خلق الله شقيقي وخلقني. وعليك أن تقرأ القرآن لتعلم أن ما أقوله صحيح. فتلك العقوبة موجودة في القرآن. ولهذا السبب نحن نقدم على تنفيذهاquot;.

ولفتت منظمة هيومان رايتس ووتش للتظاهرات التي قام بها سكان مدينة غاو عدة مرات اعتراضاً على عقوبة البتر، لدرجة أنهم أوقفوها ذات مرة عن طرق رشقهم قوات الشرطة الإسلامية بالحجارة وإقدامهم على سد المدخل المؤدي إلى الساحة الرئيسة.