شهد اليوم الأول من شهر حزيران/يونيو أول لقاء ضم أكبر خصمين في العلمية السياسية العراقية، هما رئيس الوزراء نوري المالكي، ورئيس البرلمان أسامة النجيفي، من خلال اجتماع رمزي، دعا إليه رئيس المجلس الإسلامي عمّار الحكيم.


عبد الرحمن الماجدي من أمستردام: تمكن رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق عمّار الحكيم من جمع أكبر عدد من الساسة المتخاصمين وقادة الطوائف العراقيين تحت سقف واحد عصر اليوم السبت في بغداد.

عقد الاجتماع في مكتب الحكيم في بغداد، وحضره كل من رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ونائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، ونائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي، ووزير الخارجية هوشيار زيباري، ووزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي، ووكيل وزير الداخلية عدنان الأسدي، ووزير النقل هاد العامري، ورئيس ديوان الوقف الشيعي صالح الحيدري، ورئيس ديوان الوقف السني أحمد عبد الغفور السامرائي، إضافة إلى سياسيين آخرين، شهد مصافحات أبرز الخصوم، كرئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، عبر عمار الحكيم وبقية المدعوين.

وكان الشهر الماضي شهد ملاسنات إعلامية بين المالكي والنجيفي، خاصة بعد امتناع ائتلاف دولة القانون، التي يتزعمها المالكي، من حضور جلسة البرلمان الاستثنائية، التي كان دعا إليها النجيفي، فلم يتحقق النصاب لعقد الجلسة، التي كانت تهدف إلى استجواب القادة الأمنيين، بسبب التفجيرات التي تشهدها العاصمة بغداد، وراح ضحيتها خلال الشهر الماضي نحو ألف قتيل وألفي جريح.

مصافحة المالكي للنجيفي الحدث الأبرز
ويرى مراقبون أن تزايد الهجمات الإرهابية في بغداد انعكاس لشدة الخلافات السياسية وطغيان لغة المناكفات بين الخصوم التي يذهب ضحيتها المواطنين الأبرياء. وقال حضور في الاجتماع إن أبرز حدث فيه هو مصافحة المالكي مع النجيفي، وقول الأخير إن خصومته مع المالكي ليست شخصية، بل هي اختلاف في وجهات النظر.

وكان رئيس المجلس الأعلى الإسلامي أطلق في الثالث والعشرين من شهر أيار/مايو الماضي، مبادرة لـquot;تعزيز الثقة وجمع الفرقاء السياسيينquot;، ودعا جميع الأطراف إلى الجلوس إلى طاولة مستديرة، مجددًا تجاوز الخلافات السياسية، وعدم رفع سقف المطالب ومناقشة التطورات الأمنية والتظاهرات في المحافظات الغربية عبر الحوار البناء والجاد من أجل تجاوز الأزمة.

تغيّب عن الاجتماع اليوم كل من زعيم ائتلاف العراقية أياد علاوي فيما ناب عن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، وعن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر نائب رئيس مجلس النواب قصي السهيل.

تغريد خارج السرب
وكان علاوي طالب الحكومة العراقية يوم أمس الجمعة بالاستقالة بسبب ازدياد حدة التفجيرات الإرهابية وعجز الحكومة عن إيقافها. فيما رأى ائتلاف المالكي أن طلب علاوي تغريد خارج السرب.

ودعا زعيم المجلس الأعلى الإسلامي في العراق الكتل السياسية وقادتها وممثلي الطوائف إلى الالتقاء في الوسط، وفتح حوارات جادة على قدر مستوى المرحلة، التي يمر بها العراق، وإبداء كلمة شرف، على أن يكون الاختلاف تحت سقف الدستور، ومحاربة الإرهاب ودعوات التقسيم وquot;البعث الصداميquot; وتقديم التنازلات، كما طالب باستقلالية القضاء والتوازن في الجيش والقوات الأمنية وأن تكون تحت إشراف السلطة المدينة، وبعيدة على التسييس، وألا تستخدم لقمع الشعب.

وقال الحكيم في كلمته في الاجتماع quot;إن العالم ينظر إليكم اليوم، وشعبكم ينظر إليكم، والتاريخ يملأ أحباره كي يصدر حكمه عليكمquot;، مؤكدًا بالقول quot;ليست هناك مشكلة عصية على الحل، إذا آمن المختلفون بالحلّ المشترك والعيش المشترك، وليست هناك أزمة لا يمكن الخروج منها، متى ما آمنا بأن العراق فوق كل الأزمات والآلامquot;.

وأضاف الحكيم quot;إسمحوا لي وباسمكم جميعًا أن نقول لشعبنا الرائع وبمختلف طوائفه وقومياته ومناطقه عربًا وكردًا وتركمانًا وشبكًا ومسلمين ومسيحيين صابئة وأيزديين شيعة وسنة كلمة واحدة وبقلوب متحدة وإرادة واحدة، أن نقول كلا للإرهاب والطائفية وكلا لانتهاك حرمة الوطن والمواطن، وكلا لظلم بعضنا للبعض الآخر، وكلا لأي سلاح خارج إطار الدولة، وكلا لأي انتقام أو تشفّ بعيداً عن القضاء، ونعم لعراقيتنا، ونعم لوطننا الواحد الموحد، ونعم لشعبنا الطيب الوفي الصبورquot;.

الحكيم: أمامنا الكثير
واعتبر الحكيم أن العراقيين عبروا quot;مرحلة كبيرةquot;، واستدرك quot;ولكن مازال الطريق أمامنا طويلًا، وسوف يذكر الشعب دائمًا من وقف معه، ومن وقف مع نفسهquot;، ولفت إلى أن المنطقة quot;تمر الآن بظروف استثنائية لم تشهدها منذ 100 سنة، وأن هذه الظروف تضغط على الواقع الداخلي العراقي ومن مختلف الجهاتquot;.

وأكد الحكيم أن quot;الإرهاب والعنف بكل أشكاله يستهدفنا جميعًا، ليس كأفراد فحسب، وإنما كمكوناتquot;، وشدد بالقول quot;وعلينا أن نقف بحزم ووضوح وصراحة ضد الإرهاب وضد الدعوات الإرهابية والطائفية، التي تهدف إلى تمزيق العراق وتمزيق شعبنا، وأن نحارب سوية أي نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرّض أو يمجّد أو يروّج أو يبرر له، لاسيما البعث الصداميquot;.

كما طالب الجميع بـquot;الالتزام جميعًا بمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله، وأن نعمل على حماية أراضينا من أن تكون مقرًا أو ممرًا أو ساحة لنشاطاته، وأن يكون السلاح بيد الدولة حصرًاquot;، مشددًا على quot;ضرورة مراعاة التوازن في القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية، وأن تخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن الوطن والمواطن، وألا تكون أداة لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطةquot;.

وشدد الحكيم أيضًا على quot;حظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة وتقديم كل أشكال الدعم للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية لتؤدي وظائفها بالشكل الصحيحquot;، كما دعا إلى أن يكون الشعب مصدر السلطات وشرعيتها، وإلى أن يكون العراقيون متساوين أمام القانون من دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي، وأن يكون القضاء مستقلًا لا سلطان عليه لغير القانون، والقضاة مستقلونquot;.

وأكد الحكيم quot;المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، ولا يجوز الحبس أو التوقيف في غير الأماكن المخصصة لذلك، ولا يجوز توقيف أحد أو التحقيق معه إلا بموجب قرار قضائي، كما لا يجوز استمرار التوقيف ما لم تعرض أوراق التحقيق الابتدائي خلال مدة أقصاها 48 ساعة، وحرية الإنسان وكرامته مصونة، ويحرّم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، والمعاملة غير الإنسانية، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيبquot;.

الدستور آخر حصن يجمعنا
وبيّن الحكيم أن ما جاء في كلمته هي اقتباسات من النصوص الدستورية، وأن quot;الدستور هو القانون الأسمى والأعلى، ويكون ملزمًا في أنحاء العراق كافة من دون استثناء، ويعد باطلًا أي قانون أو نص آخر يتعارض معهquot;، معتبرًا أن quot;الاختلاف على الدستور خطأ.. لأننا سنفقد آخر حصن يمكن أن يجمعنا وينظم حياتنا وعلاقاتناquot;.

وأكد الحكيم أن الشراكة ليست نظرية جديدة ندعو إليها، إنما هي حقيقة وواقع، وعلينا أن نتحمل تبعاتها مثلما نسعى إلى نيل استحقاقاتهquot;، وتابع quot;الشراكة ليست امتيازًا يمنح، بل هي مسار طبيعي للعلاقة بين أبناء الوطن الواحد، ولن يستقر العراق من دون الاعتراف بالتعددية القائمة في الشعب العراقيquot;.

وانتقد الحيكم التدخلات الخارجية في العراق، ودعا السياسيين إلى quot;تحمل مسؤولياتهم بالمحافظة على استقلاله وإبعاده عن كل من يسعى إلى التدخل في شؤونه بأي شكل من الأشكال، والوقوف بحزم وإرادة وطنية ضد كل مظاهر التدخل فيه من قبل أي طرف خارجيquot;، مشددًا على ضرورة أن quot;يكون الحل عراقيًا، وليس حلًا مستوردًا، لأنه سيؤدي إلى المزيد من الإشكاليات والتقاطعات بين أبناء الوطن الواحدquot;.

وحث زعيم المجلس الأعلى السياسيين إلى quot;التهدئة والالتقاء في الوسط والتنازل، وأن يكون الاختلاف في الرأي مظهرًا طبيعيًا من مظاهر التعدد، لا أن لا يكون هذا الاختلاف سببًا في انهيار قيم التسامح والتعايش والقبول بالآخر والحوارquot;.

الحوار ضرورة
واعتبر الحكيم أن المرحلة الحالية quot;بحاجة إلى حوار جاد منطقي وموضوعي وشجاع من أجل قرارات تقود العراق إلى الوئام والسلامquot;، وتابع quot;علينا أن نغلب منطق الحوار على أي منطق آخر، وبدون توافر النوايا الجادة لحل الأزمة، لن نصل إلى حلول، بل سنزيد من الأزمة، ونوسع رقعتها، لذلك قبل الدخول في أي حوار، علينا أن نعتزم المضي سوية لحل الأزمة، وليس إلى تعقيدها أكثرquot;.

ودعا الحكيم إلى quot;العمل لتهيئة الأرضية المناسبة من أجل الوصول الى ميثاق يتفق عليه الجميع على جملة المبادئ التي تضمن للجميع حقوقهمquot;، مبينا بالقول quot;ان اجتماعنا هذا لن يصدر بيانا او وثيقة شرف او معاهدة او اتفاقا وانما سيصدر كلمة شرف من قادة ومسؤولين يحملون الوطن في قلوبهم اسما ومعنا ويقودون شعبهم للمستقبل رغم كل المعوقات ورغم نزيف الجراحات ورغم كل التدخلاتquot;.

وختم الحكيم كلمته قائلًا quot;كلمة الشرف التي نصدرها اليوم في اجتماعنا هذا تتضمن أن يكون الاختلاف تحت سقف الدستور، وأن يكون التقاطع ضمن حدود الوطن، والتأكيد على حرمة الدم العراقي وحمايته، ونبذ الإرهاب والطائفية والعنصرية ومظاهر الخروج عن القانون، إضافة إلى ضرورة تقديم التنازلات المتبادلة بين الأطراف وإبقاء قنوات الاتصال والتواصل مفتوحة دائمًاquot;.