تزداد قوة تنظيم القاعدة في مدينة الموصل التي تعتبر ثالث أكبر مدن العراق، وذلك بسبب جملة عوامل أبرزها انفلات الجبهة السورية وضعف سيطرة الحكومة في بلاد الرافدين.
يبدو أن ذراع تنظيم القاعدة في العراق يستجمع قواه في مدينة الموصل المضطربة، حيث تتكثف جهود جمع التبرعات من خلال العصابات، وتأجيج مشاعر الغضب المناهضة للحكومة على خلفية شن العديد من الهجمات والإفلات من العقاب.
هذا التطور يعتبر مقلقاً للغاية في ثالث أكبر مدينة في العراق، وواحدة من البوابات الرئيسة في البلاد إلى سوريا، في الوقت الذي تسعى فيه القاعدة في العراق إلى ترسيخ نفسها كقوة مهيمنة بين المتمردين الذين يقاتلون للإطاحة بالنظام السوري.
استعراض القوة الذي يجريه تنظيم القاعدة أتى موازياً لاستعداد سكان الموصل للتصويت في الانتخابات المحلية التي سيطرت عليها أعمال الترهيب من قبل المسلحين، كما حدث في الماضي.
واعتبرت صحيفة الـ quot;تايمquot; الأميركية أن استعراض عضلات تنظيم القاعدة واضح أيضاً من حيث قيمة الدولار، إذ يقول مسؤول عراقي إن المسلحين يحصلون على أكثر من 1 مليون دولار شهرياً من المدينة من خلال المؤسسات غير الشرعية والأعمال الإجرامية.
بؤر توتر
وبحسب الصحيفة الأميركية فقد تحولت الموصل والمناطق الريفية المحيطة بها إلى بؤر توتر رئيسة بعد موجة من جرائم إراقة الدماء التي راح ضحيتها ما يقرب من 2000 عراقي منذ بداية شهر نيسان/أبريل، في أسوأ أعمال عنف في البلاد منذ خمس سنوات. واندلعت المعارك بين المسلحين وقوات الأمن، واغتيل العديد من المرشحين ما أثار الرعب في نفوس سكان المنطقة.
ومنذ بداية الأسبوع الماضي، أطلق الإرهابيون العنان لهجماتهم في المدينة في موجة من إطلاق النار وتفجير خمس سيارات مفخخة، وحاولوا اغتيال حاكم الاقليم وقتلوا سياسيا محليا آخر وأربعة أشخاص آخرين في تفجير انتحاري.
الجماعات السنية المتشددة الأخرى، بما في ذلك أنصار الإسلام وجيش رجال الطريقة النقشبندية، ينفذون مخططاتهم العنيفة في نينوى بنشاط أيضاً. ويشار إلى أن الموصل هي عاصمة المحافظة التي يهيمن عليها السنة.
وارتفاع تنظيم القاعدة يثير القلق بشكل خاص إذ يعتقد أنه وراء الجزء الأكبر من التفجيرات في أنحاء العراق، ويسلط الضوء على سعي التنظيم إلى فرض نفسه كلاعب في الحرب الأهلية المجاورة في سوريا.
واشنطن قلقة
والأسبوع الماضي، تحدى رئيس ذراع تنظيم القاعدة في العراق- القيادة المركزية للشبكة الإرهابية- بالإصرار على أن وحداته ستواصل عمليات القاعدة في سوريا.
quot;اننا قلقون بالتأكيد بشأن ذلكquot;، قال دبلوماسي أميركي في إشارة إلى الوضع الأمني المتدهور في الموصل، رافضاً الكشف عن هويته لأنه غير مخول للحديث.
واعتبر الدبلوماسي أن ذراع تنظيم القاعدة في العراق ينتهز الفرصة لمحاولة حشد الدعم في المنطقة، وأنه quot;ينفذ الأعمال الانتحارية والتفجيرات ليثبت أن الحكومة لا تستطيع حماية وخدمة الناسquot;.
أدلى الناخبون في نينوى ومحافظة الأنبار المجاورة، التي ينتمي أغلبية سكانها إلى الطائفة السنية وتقع على الحدود مع سوريا، بأصواتهم في انتخاب أعضاء مجلس المحافظة يوم الخميس. وتوجه العراقيون الى صناديق الاقتراع في أماكن أخرى في نيسان/أبريل، لكن حكومة بغداد أجلت التصويت في نينوى والأنبار بسبب المخاوف الأمنية.
قوة تنظيم القاعدة المتنامية في الموصل واضحة بشكل مؤلم لرجل الاعمال صفوان موصلي، الذي يقول ndash; وتجار مثله ndash; انهم عادوا للمعاناة من مواقف صعبة خطرة لا سيما مطالب النشطاء في تنظيم القاعدة لدفع المال أو التعرض لعواقب وخيمة.
ويقول التجار ان هذه الممارسة اختفت الى حد كبير إلى أن انسحبت القوات الأميركية في ديسمبر/ كانون الاول 2011.
وقال أصحاب المتاجر الصغيرة والصاغة ومحلات السوبر ماركت ومحطات الوقود والصيدليات إنها تتعرض جميعها للتهديدات مقابل المال في هذه الأيام. ولا يوجد أمام هؤلاء التجار خيار سوى إعطاء المال للإرهابيين خوفاً من القتل أو تدمير محالهم، ولا سيما أن أحد رجال الأعمال سبق وأن رفض طلبهم فزرعوا قنبلة داخل متجره أدت إلى مقتله على الفور.
وقال موصلي: quot;الجميع يضطر لدفع المال، لأن قوات الأمن غير قادرة على فعل أي شيء لإنهاء هذا الوضعquot;.
قنوات نقدية
ونقلت الـ quot;تايمquot; عن مايكل نايتس، المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الذي يتابع عن كثب القضايا الأمنية الإقليمية، إن تنظيم القاعدة في العراق أسس قنوات نقدية من خلال شركات، مثل النقل بالشاحنات والعقارات، ومن خلال الابتزاز من الشركات الكبيرة مثل شركات الهاتف النقال.
وافق عبد الرحيم الشمري، وهو عضو في مجلس محافظة نينوى، على أن أعمال الابتزاز عادت إلى الرواج. وألقى باللوم في تصاعد التوترات السياسية والطائفية على الحرب الأهلية في سوريا المجاورة، حيث يحاول الثوار السنة الاطاحة بالرئيس بشار الأسد الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية.
وتنظيم القاعدة يتمتع أيضاً بارتفاع مشاعر التعاطف في الموصل بسبب ما وصفه الشمري quot;التعامل الوحشي غير المسؤولquot; من قبل الحكومة المركزية مع احتجاجات السنة التي احتدمت منذ أشهر ضد الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد.
انعدام ثقة الناس بالمسلحين وقوات الأمن على حد سواء، يؤدي إلى إعاقة معركة السلطات ضد تنظيم القاعدة ومتشددين آخرين، وفقا لمسؤولين عراقيين.
quot;المشكلة هي أن لا أحد في الموصل سوف يأتي ليتقدم بشكوى حول انتهاكات تنظيم القاعدة المتزايدةquot;، قال مسؤول كبير في المخابرات العسكرية، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بمناقشة هذه المسائل مع الصحافيين.
وقدّر المسؤول أن القاعدة قادرة على سحب ما بين 1 إلى 1.5 مليون دولار من الموصل كل شهر، وهو مبلغ كبير في العراق، مضيفاً: quot;نريد القبض على هؤلاء الناس متلبسين، لكن الحكومة المحلية لا تتعاون مع قوات الأمنquot;.
التعليقات