منذ أن وصل الإسلاميون إلى السلطة في مصر، يحاول مناهضوهم قلب طاولة الحكم، بوسائل غير ديمقراطية، توّجَها الجيش بعزل مرسي.
في خطابه الأخير إلى الأمّة في 2 تموز/يوليو الأخير، ذكر الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي عبارة الشرعية الانتخابية 56 مرة. وانتقده الكثير من المعارضين له، لاعتباره أن الانتخابات هي المصدر الوحيد للسلطة القانونية.
حتى الآن، يتفق المثقفون على شيء واحد فقط، هو الحاجة إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في الأشهر القليلة المقبلة، كوسيلة لتأمين الشرعية المحلية والدولية على حد سواء. ويبدو أن هذا الإجماع منطقي للغاية، فالانتخابات الحرة ليست مرادفة بالضرورة للديمقراطية، لكنها عنصرًا حيويًا من أجل إنشاء نظام ديمقراطي مستقر، كما إنها أفضل طريقة لانتقال السلطة المدنية بشكل سلمي.
لكن من المفارقات أن كل المؤشرات تتوقع أن الانتخابات الحرة في مصر قد تكون وصفة لمزيد من الصراع، لا سيما في ظل الجدل القائم في الأفق بين الليبراليين والعلمانيين والمسؤولين الحكوميين حول كيفية استخدام الآلية الانتخابية بطريقة توفر الشرعية الديمقراطية، مع ضمان أنها لن تؤدي إلى انتصار آخر للإسلاميين في البلاد.
خمس تجارب
الانتخابات عملية محفوفة بالمخاطر، فنتيجتها تحدد المنتصر والخاسر. ومن الناحية المثالية، فإن الخاسر في الانتخابات يرد من خلال محاولة الفوز في الانتخابات المقبلة. لكن صحيفة فورين بوليسي أشارت إلى أن المثالية لم تتحقق في مصر، فقد سعى خصوم الإخوان، الذين لم يحرزوا تأييدًا جيدًا في الانتخابات على مدى العامين ونصف العام الماضية، إلى قلب النتائج الانتخابية من خلال وسائل غير ديمقراطية، سواء عن طريق الأحكام القضائية والمراسيم العسكرية أو الاحتجاجات الجماهيرية، ولم يتم احترام نتائج الانتخابات في مصر، وهذا الأمر بلغ ذروته في 3 تموز (يوليو) في انقلاب عسكري عزل مرسي.
ومنذ نهاية عهد حسني مبارك في 11 شباط (فبراير) 2011، دُعي الشعب المصري إلى صناديق الاقتراع في خمس مناسبات مختلفة. جرت أول انتخابات حرة في 19 آذار (مارس) 2011، عندما صوّت الناخبون المصريون بغالبية ساحقة على التعديلات الدستورية المقترحة. استجابة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى النتيجة كانت بتنفيذ إعلان دستوري مختلف تمامًا.
في استطلاعات الرأي الثانية والثالثة، هيمنت الأحزاب السياسية الإسلامية في الانتخابات البرلمانية، التي أجريت بين كانون الأول (ديسمبر) 2011 وكانون الثاني (يناير) 2012، لكن المجلس العسكري ألغى النتائج مرة أخرى، عن طريق إنفاذ حكم المحكمة العليا في مجلس النواب.
وكانت التجربة الانتخابية الرابعة لمصر هي الانتخابات الرئاسية، التي فاز فيها مرسي بفارق ضئيل في جولة الإعادة. وكان الاستفتاء على الدستور في كانون الأول (ديسمبر) الماضي العملية الانتخابية الخامسة والأخيرة، عندما وافق الناخبون على الدستور المدعوم من الإسلاميين.
أمّية!
في 3 تموز (يوليو)، ألغيت نتائج ثالث ورابع وخامس تجربة انتخابية حرّة مصرية، بإعلان عسكري، يزعم أنه يعكس الإرادة الشعبية لملايين المتظاهرين في الشوارع. وعلى الرغم من أن تاريخ مصر القصير من الانتخابات الحرة أعطى القيادة لأحزاب إسلامية، فقد عكس الطرف الخاسر النتيجة الانتخابية باستمرار.
وبدلًا من تأسيس أحزاب فعالة وحملات توعية، اعتبرت فورين بوليسي أن الليبراليين ومعارضي الإخوان يروّجون لأساليب غير ديمقراطية لاستباق انتصارات الإسلاميين في المستقبل. ويدعو بعض المعارضين البارزين لمرسي إلى وضع مبدأ دستوري ينص على حظر الأحزاب على أساس ديني، وهو اقتراح من شأنه استبعاد الأحزاب الإسلامية، لكنه يعتبر أيضًا إقصاء وتهميشًا للإخوان.
وفي مقابلة مع قناة PBS الأميركية، قال محمد البرادعي، نائب الرئيس المصري والمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية: quot;لدينا الطبقة الوسطى المتعلمة من جهة، وغالبية أخرى تعرف باسم الإسلاميين والأمّيينquot;. وذكر الكاتب المصري البارز علاء الأسواني أن الأمّيين هم أهلنا، ونحن نحترمهم، لكنهم يصوّتون على قضايا لا يستطيعون قراءتها. وفقًا لهذا التفكير، يأمل بعض العلمانيين في منع الانتصارات الانتخابية الإسلامية عن طريق منع سكان مصر الأمّيين من الانتخاب.
صراع هوية
كثيرًا ما تصوّر الأزمة في مصر على أنها صراع هوية بين الإسلاميين والعلمانيين، لكنها أيضًا صراع مختلط يضم عوامل أخرى مثل المستوى الاجتماعي والدين وغيرها. الأمّية تشكل تحديًا للعمليات الديمقراطية في مصر، ومع ذلك فإن موقف البرادعي والأسواني يشير إلى وجود تحول خطير من قبل أولئك الذين يدّعون التمسك بالقيم الليبرالية.
علاوة على ذلك، سيكون من السخف استخدام هذا العذر كذريعة لفشل الأحزاب العلمانية والليبرالية في جذب الناخبين الفقراء والمهمّشين، الغالبية الصامتة في مصر. من خلال حصولهم على التأييد من جانب الناخبين الفقراء والمحرومين، نالت الأحزاب الإسلامية أكثر من ثلثي الأصوات في كل الانتخابات منذ ثورة 2011. وإذا أرادت الجماعات الليبرالية الفوز من خلال الوسائل الديمقراطية المشروعة، عليها تبني استراتيجيات جديدة من دون حرمان أو استبعاد ملايين الناخبين المصريين.
تعتمد الديمقراطية على احترام النظام، والعنصر الأساسي للإيمان بالديمقراطية هو الإيمان بأن الانتخابات ونتائجها ملزمة. لكن طالما أن المصريين يستمرون باللجوء إلى وسائل أخرى لعكس نتائج العمليات الانتخابية، لن تكون للناس ثقة في الانتخابات، وبالتالي ستفشل الجهود لتغيير النظام، فتستمر الفوضى في مصر.
التعليقات