عديدة هي المؤشرات التي تدلّ على عدم اتساق المواقف داخل قيادة حركة النهضة الاسلامية التي تحكم تونس. وبات واضحًا أنّ الحركة تعيش صراعًا لا يظهر الى العلن كثيرًا، لكنّ المراقبين يعتبرونه صراعًا quot;محمودًاquot; كونه يتيح لها هامشًا للمناورة وامتصاص الغضب.


محمد بن رجب من تونس: لم يعد خافيًا مؤخرًا، التباين الحاصل في آراء عدد من قيادات حركة النهضة التونسية، خاصة حيال التعاطي مع الأزمة التي تعيشها البلاد منذ اغتيال المعارض محمد البراهمي، ومنذ إعلان الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، قبوله مبادرة اتحاد الشغل (المركزية النقابية).

وعبّر عدد من قياديي النهضة عن رفضهم مزيد التنازل لفائدة أحزاب المعارضة من ذلك التراجع عن تحديد السن القصوى للترشح لرئاسة الجمهورية وغيرها من المطالب التي تقدمت بها المعارضة.

قبول وتردّد

بعد اجتماع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي برئيس اتحاد الشغل (أكبر منظمة نقابية ) وإعلانه قبول مبادرة الإتحاد لحلّ الأزمة الراهنة، أصدرت حركة النهضة بيانًا توضيحيًا بعد ردود أفعال عدد من نوابها في المجلس التأسيسي ممّن عبروا عن تفاجئهم ورفضهم لاستقالة الحكومة وتقليص مهام المجلس التأسيسي الذي يمثل الشرعية الأولى منذ ثورة 14 يناير.

نفى القيادي في حركة النهضة وليد البناني أن تكون حركته قررت التنازل عن قانون quot;تحصين الثورةquot; وإدراجه ضمن قانون العدالة الانتقالية إلى جانب حلّ رابطات حماية الثورة وإلغاء السن القصوى للترشح لرئاسة الجمهورية لتمكين رئيس حزب نداء تونس (الباجي قائد السبسي) من الترشح للانتخابات الرئاسية، مؤكدًا أنّ الموافقة لن تكون إلا بقرار من المؤسسات العليا للحركة بعيدًا عن اللقاءات الإعلامية أو الحزبية، على حدّ تعبيره.

وأشار القيادي في حركة النهضة العجمي الوريمي إلى أنه : ''ينبغي أن يفهم الجميع أن هناك حدودًا للتنازلاتquot;، وأضاف: quot;حركة النهضة تناقش مبادرات ولا تعقد صفقاتquot;، وذلك في معرض رد له على أنباء تؤكد وجود quot;صفقةquot; بين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي.

ارتباك

يرى علي الجلولي القيادي في حزب العمال أنّ التباين في مستوى مواقف قياديي حركة النهضة في الفترة الأخيرة وبعد إعلان راشد الغنوشي قبوله مبادرة اتحاد الشغل، يعكس مدى الارتباك الحاصل بحكم تعمق الأزمة السياسية في تونس وخاصة منذ اغتيال محمد البراهمي.

يضيف لـquot;إيلافquot;: بما أن الأزمة عميقة وشاملة، فالتعاطي معها يمكن أن يخلق اختلافات خاصة بالنسبة لحزب يمسك بمقاليد السلطة اعتبارًا إلى أنّ حركة النهضة عرفت مشاكل سابقًا من خلال وجود تيارات داخلها، وقد كشفوا ذلك في مؤتمرهم الأخير، وأعني تيارًا دعويًا وتيارًا سياسيًاquot;.

واعتبر الناشط الحقوقي عدنان الحسناوي أنّ الاختلاف بين قيادات حركة النهضة في التعاطي مع الأزمة الحالية يعكس رؤيتهم للخروج من الوضع الحالي من خلال تقييمهم للمعارضة، وكذلك في الاختلاف لتقييم النتائج عن التجربة السياسية والرؤى والحسابات لمختلف الأحداث.

وشدد على أنّ ذلك يعتبر أمرًا عاديًا، ففي كل الديمقراطيات quot;تظهر اختلافات داخل الأحزاب الكبيرة قد تصل إلى اختلافات استراتيجية في رؤيتهم للمرحلةquot;، على حدّ تعبيره.

وقالت أحزاب المعارضة إن موقف حركة النهضة غامض وهو لا يخرج عن سياق quot;المناورةquot; من أجل ربح مزيد من الوقت.

بين البراغماتية والسلفية

يؤكد علي الجلولي عن حزب العمال لـquot;إيلافquot; أنّ تباين التصريحات على مستوى قياديي حركة النهضة quot;يعكس أمرين، الأوّل هو التعدد داخل الحركة وثانيًا، التناقضات في كيفية التعاطي مع الوضع الحالي الذي تعيشه تونس، بين تيار براغماتي يتعاطي بنوع من النفعية مع الأزمة وما يقتضيه من تقديم تنازلات، وهناك تيار ايديولوجي كلاسيكي محنّط وهو تيار سلفي متشبث بنظرية تتمثل في أنّ الآخر عدوّ في المطلق، وبالتالي لا يمكن أن أمنحه تنازلاتquot;.

وقال الجلولي:quot; وإن كانت هناك مرونة محدودة من عدد قليل من القياديين، فإنّ هذه الأصوات صمتت اليوم رضوخًا لسيطرة الاتجاه الأقوى في الحركة، وهو الذي يتصدر اليوم المشهد الإعلامي، وإلا بماذا نفسر قبول الغنوشي بمبادرة اتحاد الشغل وبعد أقل من ساعتين تصدر الحركة بياناً ترفض فيه ما قاله رئيسها، أي ما يفترض أنه تم الاتفاق عليه مسبقًاquot;.

تبادل أدوار؟

شدّد الجلولي على أنّ هذا التباين في مواقف وآراء قياديي حركة النهضة يعكس في الواقع تناقضات داخلية حول كيفية التعاطي مع الأزمة التي تعيشها تونس، موضحًا أن حركة النهضة تعيش وضعاً إقليميًا بعد فشل التجربة الأم في مصر كما أن تيارات الإسلام السياسي الجهادية وغيرها تعيش تراجعًا واضحاً.

وقال: quot;ازدواجية الخطاب هو جزء من تاريخ الحركة، ويمكن أن يكون ذلك مقصودًا ، فتعدد المواقف قد يعكس أحياناً اختلافًا حقيقيًا في المواقف والآراء، ويمكن أن يدخل في إطار تبادل الأدوار لأهمية عامل الوقت، وهذه التباينات لا يمكن أن تعكس ديمقراطية داخل الحركة أو أن تفضي إلى تصدعquot;.

من ناحيته، يكشف الناشط عدنان الحسناوي في إفادته لـquot;إيلافquot; وجود quot;انضباط تنظيمي داخل حركة النهضة لا يمكن أن يصل بها إلى درجة الانقسام أو التصدع كما بعض العائلات السياسية المعروفة التي تنقسم ما إن تحصل اختلافات حول وضع معينquot;، مؤكدًا أنّ هذا التباين quot;سيجعل الحركة في موقف قوي لأن في تنوع مواقف قياداتها توسيع المجال للمناورةquot;.

وأشار إلى أنّ هذا التباين في المواقف لن يتواصل وأنّ مواقف راشد الغنوشي قد تتغيّر فهو رجل حوار وهو عبارة عن معدّل لمواقف مختلف الاتجاهات لمصلحة الحركة.

وأكد الحسناوي أنّ الاختلاف داخل حركة النهضة قديم، لكنه أصبح اليوم معلنًا بعد أن كان سابقًا في مجال ضيق إذ للنهضويين قدرة كبيرة على استيعاب الاختلافات ولذلك هم يملكون مجالاً أوسع للمناورة أكثر من غيرهم.