يشكل التحالف المفاجئ بين جون ماكين وخصمه باراك أوباما في انتخابات 2008 والذي خلده البيت الأبيض في صورة، ضرورة أساسية في الحملة التي يخوضها الرئيس الأميركي لإقناع الكونغرس بالموافقة على توجيه ضربات لسوريا بعد اتهام النظام بشنّ هجوم كيميائي في 21 آب/أغسطس.


واشنطن: كان ماكين تعامل مع اوباما باعتباره quot;من المشاهيرquot; خلال الانتخابات الرئاسية، وبذل كل ما هو ممكن لافشال الاصلاحات التي اراد ادخالها في الملف الصحي، الذي تم التصويت عليه واقراره في 2010.

ووجّه انتقادات لاذعة إلى ادارة اوباما بشأن ادارة الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي في 11 ايلول/سبتمبر 2012. كما يرفع صوته عاليًا منذ عامين في انتقاد الاستراتيجية الاميركية في سوريا، والتي اعتبرها ضعيفة.

حليف جديد
لكن السناتور الجمهوري، البالغ من العمر 77 عاما، بات اليوم حليفا اساسيًا للرئيس والديموقراطيين في ملفات سياسية عدة، وبات في الكونغرس الصوت الاعلى الداعي إلى استخدام القوة ضد نظام الرئيس بشار الاسد. وهو ما يتوافق مع اهوائه. وبعدما هاجم سوزان رايس بشأن هجوم بنغازي عندما كانت تمثل بلادها في الامم المتحدة، جلس الاثنين بين رايس واوباما في البيت الابيض لمناقشة الملف السوري، في مؤشر إلى قدرة واشنطن على قلب المنطق وتغير التحالفات.

وقال جون ماكين لوكالة فرانس برس الخميس ان quot;الأجواء جعلت البيت الابيض الآن يتصل بيquot;. واضاف ان quot;الرئيس في ولايته الثانية، مثل كل الرؤساء، قلق على حصيلته، وهو يعرف ان بامكانه ان يثق بي، واني ساحترم كلمتي (...) انه يتصل بي واتصل به، وسعيت إلى العمل معه، وهذا ما ترغب فيه غالبية من انتخبونيquot;.

انتخب ماكين في 1982 في مجلس النواب، ومنذ 1986 في مجلس الشيوخ، وهو خبر ويلات الحرب، بعدما امضى خمس سنوات في الاسر خلال حرب فيتنام، ولا تزال اثار التعذيب بادية عليه، فهو غير قادر على رفع ذراعيه أعلى من كتفيه. لكن السناتور الشيخ يبدو ممتلئا نشاطا وحيوية بحضوره على شاشات التلفزيون للحديث عن النزاع المأساوي في سوريا.

وهو من بين القلائل، الذين اجتازوا الحدود التركية السورية الى الاراضي التي يسيطر عليها المقاتلون المعارضون للقاء قائد الجيش السوري الحر اللواء سليم ادريس في ايار/مايو. ويعود الفضل الى ماكين بالدرجة الاولى في اقرار اصلاح قانون الهجرة في مجلس الشيوخ في حزيران/يونيو، ويرى فيه زملاؤه الديموقراطيون محاورًا مميزًا في مسائل الميزانية والدفاع.

تحصيل حاصل
ويقول ماكين quot;على خطى رونالد ريغان (...) أنا مستعد لتقديم تنازلات دون التنازل عن مبادئيquot;. ولكن في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، يجد ماكين نفسه على هامش الحزب الجمهوري بدعوته إلى التدخل العسكري.

فاميركا اليوم لا تريد الحديث عن الحرب بعد مقتل اكثر من 4400 جندي في العراق. ويتساءل مناوئوه: هل عارض اي حرب من الحروب؟، مشيرين الى ان ماكين وهو من quot;الصقورquot; دعا باستمرار الى تعزيز التدخل الاميركي في البوسنة والعراق وافغانستان وجورجيا وليبيا.

ويقول مستشاره الدبلوماسي السابق في مجلس الشيوخ ريتشارد فونتان، الذي يرأس اليوم مركز الامن الاميركي الجديد، ان quot;ماكين وصف نفسه بانه واقعي مثالي: انه يؤمن بعمق بان القوة الاميركية يجب ان تستخدم لاهداف مثالية، ولكنه براغماتي وواقعي في تطبيق هذه القوةquot;.

يرفض ماكين وصفه بانه quot;يدق طبول الحربquot;، ويقول quot;عارضت رئيسي المفضل رونالد ريغان عندما ارسل المارينز الى لبنان، لاني كنت اخشى مما سيحدثquot;. ولكن جيلا جديدا من الجمهوريين في الاربعين والخمسين من العمر، مثل راند بول، وهو احد ابطال حزب الشاي المحافظ، يكتسبون المزيد من النفوذ داخل الحزب الجمهوري. وهؤلاء على خلاف كبير مع توجه ماكين، ويدعون الى الانعزال او عدم التدخل في الخارج. وكان الجدال احتدم بين الطرفين عندما رفض حزب الشاي تمرير الميزانية الفدرالية اذا لم يحصلوا على مطالبهم في مسائل اخرى.

وقال راند بول عن ماكين ومؤيديه بعد نقاش حام في اذار/مارس حول استخدام الطائرات بدون طيار على الاراضي الاميركية quot;انهم يقفون في الجانب السيء من التاريخ. انهم يعتقدون اننا في حرب في كل مكانquot;. ويقول ماكين من جانبه quot;انا قلق، شديد القلق، حول النقاش داخل الحزب الجمهوري (...) بين الانعزاليين والداعين الى التدخل على الساحة الدوليةquot;.

الصوت الأعلى
ويقول ارون ديفيد ميلر من مركز ويلسن ومستشار وزراء الخارجية الجمهوريين والديموقراطيين لعشرين عامًا انه quot;سناتور لديه رصيد ووجهات نظر راسخة في السياسة الخارجية. هذا يجعله الشخص المطلوبquot; لاوباما. ويضيف انه quot;اصبح الصوت الاعلى لدى الحزب الجمهوري المتطلع الى سياسة خارجية وسطية بين بوش واباماquot;.

ويتهم ماكين بانه يدعم الحروب والتدخل العسكري بلا تردد، حتى انه اقترح بقاء القوات الاميركية في العراق لمائة سنة. ونظرا إلى صراحته وبداهته المعهودة، يمازح ماكين الصحافيين باستمرار في اروقة الكونغرس رغم مكبرات الصوت. والتقطت له صورة الثلاثاء وهو يلعب البوكر على هاتفه الجوال خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ حول سوريا.

وهو يقول ان صراحته واستعداده للمساومة ليس الهدف منها تجميل حصاده السياسي قبل ذهابه للتقاعد في 2016. ويقول ان quot;القول إنني كنت متمردا، ومن ثم اصبحت عجوزا ناقما، ومن ثم عدت منفردا، كل هذه ترهات. انا لا ازال كما انا، اقاتل بشغف واسعى لفعل ما هو جيدquot;.