يبدو أن شهر آب (أغسطس) الماضي كان الشهر الأكثر عنفًا في مصر، فبعد فض اعتصامي الإخوان في رابعة العدوية وميدان النهضة، للمطالبة بإعادة الرئيس المعزول محمد مرسي، والاحتجاجات التي تلت ذلك، تم تسجيل 557 حالة عنف.
القاهرة: قال تقرير حقوقي إن شهر آب (أغسطس) الماضي، كان الأعلى في معدلات العنف السياسي بمصر، مشيرًا إلى أنه شهد 557 حالة عنف، بمتوسط 20 حالة يومياً، و3 أحداث كل 4 ساعات، كرد فعل على إسقاط الرئيس السابق محمد مرسي.
وفقاً لتقريرالمركز التنموي الدولي، فإن ثلاثة أطراف رئيسية اشتركت في صنع العنف، وهم جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم من جانب، والأهالي وعدد من النشطاء السياسيين من جانب آخر، وقوات الأمن من الشرطة والجيش كضلع ثالث.
14 أغسطس الأكثر عنفاً
وأوضح التقرير الذي تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه، أن يوم 14 أغسطس تصدر المشهد 150 حادثة عنف، تلاه 16 أغسطس بعدما شهد 87 حادثة، في حين إحتل 30 أغسطس المركز الثالث بعدما شهد وقوع 44 حادثة عنف، مشيرًا الى أن أغلب أحداث العنف وقعت بعد أحداث فض إعتصامي الإخوان في رابعة العدوية وميدان النهضة؛ حيث شهدت الأيام الثلاثة عشر الأولى من أغسطس 116 حادث عنف بنسبة 21% من أحداث العنف خلال الشهر، في حين شهدت الفترة من 14-31 أغسطس وقوع 441 حادثة عنف بنسبة 79% من أحداث العنف التي شهدها الشهر، وهو ما مثل ردة الفعل القوية والعنيفة التي انتهجتها الجماعة وأنصارها تجاه فض إعتصاماتهم بالقوة من قبل قوات الأمن.
استفزازات الإخوان والأهالي
وأوضح التقرير أن شهر أغسطس شهد 193 حالة إشتباك مسلح بين الأهالي وأنصار جماعة الإخوان لأسباب متعددة تتلخص في حالة من الإحتقان الشديد لدى الأهالي تجاه جماعة الإخوان وأنصارها، وحالة من العنف المباشر من الإخوان وأنصارها تجاه كل من أيّد ما أسموه الإنقلاب العسكري، المقابل لمصطلح الثورة لدى غالبية الشعب المصري.
ولفت الى أن quot;تلك الإشتباكات مثلت رد فعل تجاه الإستفزاز المتبادل بين المدنيين وأنصار الجماعة، فبينما تمتلئ مسيرات الإخوان بهتافات ضد كل من المشاركين في مظاهرات 30 يونيو وما بعدها، وهو ما تقابله ردود المدنيين المعبرة عن كرههم للإخوان وتأييدهم للنظام الحالي بشكل يشعل الأجواء ويحول المسيرات الإحتجاجية لأعمال عنف وشغب وإشتباك مسلح إستخدمت فيه كافة أشكال الأسلحة البيضاء و العديد من الأسلحة النارية بشكل يطرح العديد من التساؤلات حول تسليح المظاهرات الخاصة بالإخوان وإنتشار السلاح لدى المدنيين بشكل يفرض تهديدًا مزدوجًا.
ويشير التقرير الىأن معظم تلك الإشتباكات قد بدأت بهتافات متبادلة أو رفع لافتات و شعارات وصور ثم تطورت لإستخدام أغانٍ من الطرفين لكن تلك الأدوات التعبيرية عن الرأي تحولت جميعها في النهاية لأحداث عنف مفرط نتج عنه العديد من الخسائر البشرية والإقتصادية.
اشتباكات مسلحة ومهاجمة الشرطة
بحسب ما ورد في التقرير، فإن quot;الإشتباكات المسلحة تصدرت خريطة العنف السياسي خلال الشهر بنسبة 34.7%، وكانت مهاجمة أقسام و نقاط الشرطة والمواقع الأمنية هي ثاني أكثر وسيلة عنف سياسي إنتهجتها الجماعة وأنصارها خلال شهر أغسطس، حيث نفذوا 147 هجمة على تلك المنشآت الأمنية، بنسبة وصلت 26.40% من أشكال العنف المنتهجة خلال الشهر، بشكل عكس العديد من التساؤلات حول طبيعة تصدي الجهاز الأمني لمثل تلك الهجمات، حيث هوجمت بعض النقاط أو الأمكنة الأمنية بعينها لعشرات المرات بشكل متتالٍ مثل كمين الريسة الذي هوجم في 46 حادثة، في حين تمت مهاجمة أقسام شرطة العريش مرات متتالية، ونجد أن هناك بعض النقاط التي تهاجم في اليوم الواحد أكثر من مرة، في شكل يفرض تساؤلات حول التدابير الإحترازية والدفاعية التي تنتهجها قوات الأمن لصد تلك الهجمات وحماية أفرادها، وهل من المعقول أن يستهدف كمين أمني بـ 46 هجمة متتالية دون إظهار أي رد فعل دفاعي ضد تلك الهجماتquot;.
حرق وتخريب إخواني
وانتقد التقرير ما وصفه بـquot;إستمرار إنتهاج وسيلتي الإقتحام والتخريب و الحرق بشكل ممنهج من قبل الاخوانquot;. وأوضح أن quot;أنصار الجماعة فقد نفذوا 43 حالة إقتحام وحرق لمؤسسات حكومية، في حين نفذوا 39 حادثة حرق وتخريب لكنائس وممتلكات قبطية، بشكل عكس قباحة إستخدام العنف الطائفي كأداة لتحقيق مكاسب سياسية، وخلق حالة من الشحن الطائفي، حيث رصد المؤشر أكثر من خمس حالات عنف طائفي تبعت أحداث فض الإعتصام لكنها لم تكن لأسباب سياسية ظاهريًا ولكنها عكست التوترات الواضحة بين مؤيدي الإخوان والمدنيين الأقباط، حيث كانت أحداها حادثة المطب الصناعي الذي أقامه مسيحي وتسبب من وجهة نظر أحد المواطنين في عرقلة أحد الأطفال، الأمر الذي نشبت عنه مشاجرة راح فيها عشرات الضحايا وعدد من القتلى بشكل يثير الكثير من الجدل حول تلك الأحداث التي لم تتأجج إلا عندما أشعل فتيلها أنصار الجماعةquot;. وهنا طرح العديد من التساؤلات حول الدور الأمني المنوط به حماية تلك المنشآت العامة والخاصة وقدسية أماكن العبادة.
وأفاد التقرير بأن quot;المدنيين فضوا 29 مسيرة احتجاجية لجماعة الإخوان وأنصارها مستخدمين العديد من الوسائل بداية من محاصرتهم أو غلق الشوارع أمام مرورهم أو منع وقوفهم في نطاق جغرافي معين أو إلقاء القمامة والمياه عليهم من الشرفات، في حين رد الإخوان بتنفيذ 28 حالة حرق وتحطيم لممتلكات المواطنين، الأمر الذي قوبل بتنفيذ 25 واقعة حرق لمقرات وممتلكات جماعة الإخوان من قبل الأهالي والمواطنين و 9 حالات هجوم على أئمة مساجد بسبب إستخدامهم المنبر للترويج لموقف الجماعةquot;.
العنف الرسمي
واتهم التقرير الحكومة المصرية بممارسة ما وصفه بـ quot;العنف الرسمي ضد جماعة الإخوانquot;، وأوضح أن quot;العنف الذي إنتهجته السلطات ضد أنصار الجماعة يتمثل في 3 وقائع أساسية أثارت العديد من التساؤلات على المحيط المحلي والإقليمي والدولي، وهي: فض إعتصامي رابعة والنهضة بالقوة وبشكل أثار العديد من الجدل حول أعداد القتلى خلال هذا الفض و أحرج الدولة المصرية على كافة المستوياتquot;، ودعا التقرير إلى quot;ضرورة إجراء تحقيقات واسعة حول طبيعة إنتهاج القوة في فض الإعتصامات و نتائجها، حتى ينعكس سيادة دولة القانون في ظل الشفافية والمحاسبيةquot;.
أما حادث العنف الرسمي الذي رصده التقرير فهوquot;حادثة قتل 38 معتقلاً في سجن أبو زعبل، وكشفت تحقيقات النيابة تورط بعض أفراد الأمن في الواقعة بشكل يعكس إنتهاجًا للقوة الوحشية ضد معتقلين عزل، وهنا يطالب التقرير بمحاسبة كاملة لا تكتف بتقديم بعض التضحيات من أجل حماية المتورطين الأعلى في السلم الوظيفيquot;.
ورصد التقرير حالة العنف الرسمي الثالثة، وتتمثل في quot;إقتحام قوات الأمن للعديد من منازل المناصرين للجماعة بهدف ملاحقتهم لإتهامهم بالإشتراك في أحداث العنفquot;، مشيراً الى أنه quot;رصد العديد من الشكاوى حول نقل قوات الأمن للعديد من الممتلكات الخاصة و الأموال معهم أثناء عمليات القبض والتفتيش، والأخطر هو الشكاوى المتعلقة بالقبض على أقارب المتهم في حالة عدم وجوده لتحقيق ضغط يدفعه لتسليم نفسهquot;، داعيًا الى quot;ضرورة التحقيق في تلك الشكاوىquot;، وأعرب التقريرعن قلق وتخوف من الإستخدام الجائر لقانون الطوارىء وللوضع الأمني الحالي.
تضارب أرقام الضحايا
كما انتقد تقرير quot;المركز التنموي الدوليquot; ما وصفه بـ quot;التضارب الشاسع في الإحصاءات الحكومية الرسمية حول أعداد الضحايا، مشيراً الى أنها quot;إتسمت أغلبها بالفوضوية و غير المنتظمة و غير واضحة الجهة، فوزارة الصحة تعلن أعداداً للقتلى والمصابين على فترات متقطعة من جهة و تقابلها تصريحات لوزارة الداخلية حول ضحاياها من جهة أخرى، في حين شارك مجلس الوزراء في إعطاء المزيد من الإحصائيات غير المكتملة ليزيد من ضبابية الصورة.
وأوضح أن quot;الأرقام الرسمية تشير الى أن العدد 700 قتيل مقابل ما يقارب 5000 مصاب، في حين تعكس بعض تقارير المنظمات المدنية عن أعداد تتراوح بين 1800 قتيل و8000 مصاب، في حين تصرح قيادات الجماعة بأعداد فلكية للقتلى تتعدى الـ 3000 قتيل من الإخوان فقط ويتعدى العشرة آلاف مصاب، لكن التقرير قد إستطاع التحقق فقط من أعداد تقريبية للقتلى و الجرحى تصلالى 1000 قتيلو6000 مصابquot;. وطالب الدولة بالإعلان عن كافة الأعداد و الإحصاءات الدقيقة كأحد أول وأهم خطوات تحقيق العدالة في جو من الشفافية و إتاحة المعلومات عوضًا عن تلك الضبابية، وهذا التداخل الواضح بين مصادر المعلومات وإختصاصات الوزارات والأجهزة الحكومية.
حملات الاعتقالات
وذكر التقرير أن ثمة quot;غياباً تاماً للشفافية حول أعداد المعتقلين من جماعة الإخوان وأنصارهم أو مثيري الشغب، على حد وصف وزارة الداخلية التي أعلنت في وقت سابق أنها إعتقلت 1004 منهم، في حين أعلنت الجماعة بالأسماء والمحافظات إعتقال ما يزيد عن 1800 من أنصارها في القاهرة والمحافظات المختلفة، وفي تصريحات عن إعتقال ما يزيد عن 8 آلاف مناصر للجماعة، بشكل يضع العديد من التساؤلات حول طبيعة الأعداد الحقيقية للمعتقلين في ظل غياب أدنى إحصائيات دورية تعكس العدد الحقيقي للمعتقلين وأماكن تواجدهم والتهم الموجهة إليهم، وهو الدور المنوط بجهتي الضبط والتحقيق لتمكين ذويهم من تقديم المساعدة و تمكين الرأي العام من حقه الخالص في إتاحة المعلومات المتعلقة بآليات كفالة الدولة لحقوق المواطن و خاصة في ظل حالات المحاكمات العسكرية التي بدأت تطل من جنبات أحداث الإعتقال المتعددةquot;.
التعذيب في رابعة
واتهم التقرير أنصار الجماعة بتعذيب بعض المعارضين لها وبعض المواطنين على خلفية أحداث رابعة والنهضة، مشيراً الى التقارير الخاصة بالمنظمات المدنية رصدت عشرات الحالات من التعذيب (44 حالة) خلال ثلاثة أيام فقط، وقتل 22 حالة منهم جراء التعذيب، في شكل يعكس مدى خطورة القضية في ظل تدني وندرة المعلومات حولها أو حول نتائج التحقيقات بها. وطالب التقرير الدولة باتخاذ ما يلزم تجاه التحقيق في وقائع التعذيب التي يتهم أنصار جماعة الإخوان وقياداتها بالقيام بها وأن تعلن كافة نتائج التحقيقات على الرأي العام، كما يطالب الدولة و المنظمات المدنية بالتحرك الفوري لتقديم العون والمساعدة اللازمة لكافة الضحايا الذين وقعوا فريسة لتلك الجرائم الوحشية و أن تتم محاكمة المتسببين عن تلك الجرائم بشكل يحقق الردع العام.
الاخوان والدولة عنف متبادل
ويرجع التقرير إرتفاع أحداث العنف السياسي خلال شهر أغسطس إلى فض إعتصامي رابعة والنهضة و إستخدام جماعة الإخوان أقصى درجات القوة و العنف لتحقيق مآرب سياسية في مواجهة نظام جديد يستخدم كافة أشكال و وسائل القوة والضغط لفرض سيطرة الدولة على كافة أراضيها وسط متغيّرات ومواقف و أحداث محلية و إقليمية ودولية غاية في الصعوبة.
ودعا المركز إلى عدم استخدام صلاحيات قانون الطوارىء في غير مقاصدها بشكل يجعل عودة الدولة الأمنية أو البوليسية هو الخيار، مشيرًا الى أنه خيار لم يعد يقبله الشارع المصري حتى وإن كان مقبولاً خلال تلك المرحلة.
كما دعا جماعة الإخوان المسلمين و أنصارها إلى أن quot;يتطهروا فوريًا من كافة المتسببين والمشاركين في أحداث العنف والإرهاب التي مورست ولا تزال ضد المواطنين والممتلكات العامة والخاصة وأن تعود لتندمج في المجتمع بدلاً من أن ينبذها المجتمع بشكل سوف يجعلها تحتاج أكثر من تاريخها لكسب ثقة المواطن المصري مرة أخرىquot;.
التعليقات