لأول مرة منذ اندلاع الانتفاضة السورية قبل عامين ونصف العام، تقدم الكرملين بمبادرة وصفها مراقبون بأنها quot;ضربة معلم دبلوماسيةquot;، حين أوجد لادارة اوباما مخرجًا من الزاوية التي وجدت نفسها محصورة فيها، وفي الوقت نفسه تصوير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على انه حمامة سلام وصانع صفقات.

جاء المقترح الروسي بوضع ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيماوية تحت اشراف دولي مهربًا ينفذ منه البيت الأبيض، رغم تعهد الرئيس الأميركا باراك اوباما بالمضي قدمًا بطلبه موافقة الكونغرس على توجيه ضربة عسكرية إلى نظام الرئيس بشار الأسد. وفي يوم الثلاثاء، أكمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الطُعم الذي رماه لادارة اوباما، قائلا إن مشروعه لا يمكن أن يُترجم إلى خطوات عملية إلا إذا سحبت الولايات المتحدة تهديدها باستخدام القوة.
المخرج الروسي
يبدو أن الغموض يكتنف مصير المبادرة الروسية الآن بتصادم قرارين مطروحين على مجلس الأمن الدولي، قرار فرنسي وآخر روسي. لكن ما لا شك فيه أن روسيا استعادت المبادرة الدبلوماسية بعد أن اقتصر دورها على اجهاض أي تحرك في مجلس الأمن الدولي لمعاقبة النظام السوري على جرائمه، وانهاء الأزمة السورية بما يستجيب لتطلعات الشعب السوري في الديمقراطية والسلام، منذ اندلاع الانتفاضة في العام 2011.
وقال غيورغي ميرسكي، الخبير المختص بشؤون الشرق الأوسط في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في موسكو، إن المبادرة الروسية هي المشروع الوحيد الذكي والحاذق على امتداد عامين ونصف العام من الدبلوماسية الروسية. ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن ميرسكي قوله: quot;إن المسألة لا تتعلق بمساعدة الولايات المتحدة، بالرغم من أن الروس اعطوا اوباما مخرجًا من مأزقه، فهم يقولون للعالم إن لا شيء يمكن تسويته من دون روسياquot;.
ليست روسية صرفة
لا يُعرف على وجه التحديد من أين صدرت المبادرة في الأصل، لكن يبدو أن روسيا والولايات المتحدة تمكنتا من انهاء جفوتهما الأخيرة والتعاون على وضع خطة، قال عنها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم الثلاثاء إنها ليست مبادرة روسية بالكامل، في اشارة على ما يبدو إلى تصريحات اطلقها نظيره الاميركي جون كيري في لندن يوم الاثنين. قال كيري للصحفيين إن بامكان نظام الأسد أن يتفادى الضربة العسكرية إذا سلَّم اسلحته الكيماوية. وفي اليوم التالي طرح لافروف المبادرة الروسية. واتضح أن الاثنين بحثا القضية على هامش قمة مجموعة العشرين في مدينة سانت بطرسبورغ. وقال لافروف عن المبادرة إنها انبثقت quot;من اتصالات اجريناها مع زملائنا الاميركيين، من تصريحات جون كيري، الذي اثار امكانية اجتناب الضربات إذا امكن حل المشكلةquot;.
ولاقت المبادرة الروسية اصداء واسعة في الداخل، حيث بدت روسيا وكأنها انتصرت على الولايات المتحدة في لعبتها، وحمت سوريا من عدوان اميركي، كما لاحظ ميرسكي. واضاف: quot;هذه هي المرة الأولى التي تمكن البيت الأبيض والكرملين من العمل معا منذ الحملة الاميركية في ليبيا في العام 2011quot;.
لا إنذارات
لكن النصر الدبلوماسي الروسي قد يكون قصير العمر. بالرغم من اعلان لافروف أن روسيا تعمل مع النظام السوري على خطة ملموسة، مختصرة وعملية، فإن الأخذ والرد بدأ حول التفاصيل، فيما قالت فرنسا انها ستقدم إلى مجلس الأمن مشروع قرار ينص على التهديد بعمل عسكري إذا لم يسلم النظام السوري مخزونه من الأسلحة الكيماوية.
وبحسب فيدور لوكيانوف، المحلل في مجلة الشؤون العالمية الصادرة في موسكو، أوضحت روسيا انها لن تقبل الانذارات أو تضمين القرار عواقب عسكرية. وقال لوكيانوف: quot;ستعرقل روسيا اي قرار يرتبط بعواقب عسكرية، وسنعود إلى الوضع الذي كنا فيه سابقًاquot;، في اشارة إلى شلل مجلس الأمن الدولي، وعجزه عن اصدار قرارات حازمة ضد النظام السوري بسبب الفيتو الروس خلال العامين الماضيين. في غضون ذلك، أكد خبير الأسلحة الكيماوية الكسندر غوربوفسكي أن عملية تدمير مخزون النظام السوري من الأسلحة الكيماوية يمكن أن تستغرق نحو ثلاث سنوات. ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن غوربوفسكي: quot;الخطوة التالية التي على سوريا أن تتخذها هي تدمير كل مخزونها من المواد السامة المعدة للاستعمال العسكري، وتدمير العناصر الكيماوية قد يتبع السيناريو الليبيquot;. ويُعتقد أن لدى النظام السوري زهاء ألف طن من الأسلحة الكيماوية، بقدر ما اكتُشف في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي. وقال غوربوفسكي أإن وحدات متنقلة ستدمر الأسلحة الكيماوية في اماكن بعيدة عن المراكز السكانية.