تحيي اسرائيل بحسب التقويم العبري يوم 14 أيلول (سبتمبر) ذكرى حرب تشرين أو يوم الغفران بحسب التقويم العبري، وسط ازمات اقليمية جديدة على رأسها على رأسها هاجس السلاح الكيميائي الذي يمتلك النظام السوري أكبر ترسانة منه في الشرق الأوسط.



لندن: يصادف يوم 14 ايلول )سبتمبر( 2013 مرور 40 عامًا على حرب تشرين الأول (اكتوبر) العربية - الاسرائيلية عام 1973 بالتقويم العبري. ويتذكر ناخمان شاي عضو الكنيست عن حزب العمل الذي كان المراسل العسكري للتلفزيون الاسرائيلي يومذاك، أن رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية الجنرال ايلي زئيرا، دعا عددًا محدودًا من المراسلين العسكريين إلى لقاء خاص عقده في الساعة الواحدة بعد ظهر السبت في 6 تشرين الأول (اكتوبر) 1973.
قال الجنرال زئيرا في اللقاء quot;إن الحرب ستبدأ مع غروب الشمس في حوالي الساعة السادسة مساءquot;. وبعد 40 دقيقة سُلم قصاصة ورق قرأ ما فيها واعلن quot;ايها السادة، ان الحرب اندلعتquot;. ثم غادر الغرفة، بحسب شاي.
ويتفق المحللون العسكريون ان الهجوم المصري ـ السوري في quot;يوم الغفرانquot; أو ما يسمونه في مصر quot;حرب اكتوبرquot; للثأر من هزيمة 1967 فاجأ اسرائيل وأصابها بصدمة ما زالت آثارها تُدرَّس في الكليات الحربية والمعاهد الأكاديمية.
وكان القادة الاسرائيليون على امتداد أشهر قبل الحرب يخطئون في قراءة المؤشرات مفترضين أن الجيوش العربية ليست جاهزة للهجوم.
وحتى في الساعات النهائية، عندما أصبحت الدلائل واضحة لا تُخطئها عين بأن الهجوم وشيك، اطمأنت القيادة الاسرائيلية إلى معلومات استخباراتية كاذبة عن موعد الهجوم. وحين سارعت القيادة العسكرية إلى استدعاء الاحتياط وأخفقت طيلة ايام في احتواء الهجوم أو صده، انتشر بين الاسرائيليين إحساس بقرب الساعة، فيما ابدى الاسرائيليون الأكثر تفاؤلا خوفهم من كارثة محدقة.
ذكرى على ايقاع أزمات اقليمية
بعد 40 عامًا تحيي اسرائيل ذكرى الحرب بموجب تقويمها، على ايقاع ازمات اقليمية جديدة وفي ظل قرار اتخذته الولايات المتحدة بتفضيل الدبلوماسية، في هذه المرحلة على الأقل، على الضربة العسكرية ضد النظام السوري ردًا على استخدام أسلحة كيمائية في هجوم على غوطة دمشق الشهر الماضي.
وحفلت الصحف والبرامج التلفزيونية والاذاعية الاسرائيلية السبت بالذكريات والتذكير بدروس المباغتة العربية عام 1973 رغم إصرار القادة الاسرائيليين على ان احتمالات الوقوع في ورطة جديدة وتكرار الخطأ نفسه، تبقى مستبعدة داعية الاسرائيليين إلى مواصلة حياتهم بصورة طبيعية.
ولكن أصداء الماضي أحيت لدى بعض الاسرائيليين تساؤلات كامنة عن صدق التقييمات الاستخباراتية ومخاطر هجوم مباغت جديد.
وقال شاي quot;ان أي اسرائيلي بمنظور يمتد 40 عاما تساوره شكوكquot;. وكان شاي المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي خلال حرب تحرير الكويت عام 1991 عندما لجأ الاسرائيليون إلى غرف أُغلقت كل منافذها وارتدوا أقنعة الغاز بعد سقوط عدد من صواريخ سكود عراقية على تل ابيب. ويؤكد محللون أن حرب 1973 ومخاوف الكيميائي في حرب 1991 تركت أثرا غائرا في نفسية الاسرائيلي.
ولكن مسؤولين امنيين سابقين، ومحللين آخرين شددوا على وجود اختلافات كبيرة في الوقت الذي اعترفوا بوجود تهديدات مماثلة لتلك السنوات.
اميركا طورت دفاعات اسرائيل
وعلى سبيل المثال، سارعت الولايات المتحدة سارعت عام 1991 إلى نشر عدد من بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ في اسرائيل بنقلها من اوروبا، ولكن البطاريات لم تفلح في اعتراض صاروخ واحد من صواريخ سكود. ومنذ ذلك الحين استثمرت اسرائيل والولايات المتحدة مليارات الدولارات في تطوير دفاعات اسرائيل الجوية بمنظومات السهم وباتريوت والقبة الحديدية.
وأصبح الاسرائيليون معتادين على صوت صفارات الإنذار وفكرة الهجمات الصاروخية بعد سنوات من المواجهات مع المقاومة في قطاع غزة وجنوب لبنان. ولكن اسرائيل ليست مستعدة بالقدر نفسه لهجوم كيميائي كبير رغم استخدام اسلحة كيميائية على الجانب الآخر من حدودها الشمالية، في سوريا قبل اقل من شهر، متسببا في تدافع الاسرائيليين على اقنعة الغاز امام مراكز التوزيع. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين اسرائيليين أن هناك ما يكفي لتزويد 60 في المئة فقط من الاسرائيليين بهذه الأقنعة وان الامدادات المتوفرة تنضب بسرعة.
وتقدر التقييمات الأمنية الاسرائيلية احتمالات أي هجوم على اسرائيل الآن بأنها ضئيلة واحتمالات الهجوم الكيميائي بأنها معدومة عمليا.
تقييمات فاشلة
عام 1973 كان فشل التقييمات الاستخباراتية بشأن مصر وسوريا مزدوجا. فهي أخطأت في قراءة نوايا المصريين والسوريين واخطأت في تقدير قدراتهم العسكرية.
وقال الرئيس السابق للموساد افريم هاليفي quot;ان تغطيتنا، من استخبارات بشرية واستخبارات لرصد الاشارات وغيرها من اشكال العمل الاستخباراتي كانت تغطية لا تُضاهى. وكنا نعتقد أنه بمقدورنا ان نحتوي في البداية أي هجوم أو نصده في غضون يومين. لكننا اخطأنا في تقييم قدرات المصريين والسوريين. وهذا في رأيي كان الفشل الحاسمquot;.
وأكد هاليفي ان اسرائيل في وضع مختلف اليوم، وقال إن الجيش السوري مستنزَف ومنهمك في خوض معارك داخلية، والجيش المصري منشغل بتحدياته الداخلية، ومنها حملته ضد المسلحين الاسلاميين المتطرفين في سيناء. وحزب الله غارق في دعم رئيس النظام السوري بشار الأسد في حين أن الايرانيين لا يريدون إعطاء اسرائيل مبررًا لضربهم quot;لا كمعتدية بل كضحية هجوم ايرانيquot;، على حد تعبير رئيس الموساد السابق.
كما استبعد هاليفي أن تكرر اسرائيل أخطاءها الكارثية السابقة في التقييمات الاستخباراتية. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن هاليفي ان لدى اسرائيل الآن quot;تعددية في استخباراتنا... وأن خطر إجراء تقييم خاطئ ما زال قائما لأننا بشر ولكنه أقل بكثير من ذي قبلquot;.
ويعزو العديد من المحللين التقصير الذي حدث في حرب 1973 إلى الغطرسة الاسرائيلية. وقال شلومو افنيري استاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية ومدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية في منتصف السبعينات quot;كان هناك تجاهل للمعلومات الاستخباراتيةquot;. وتابع quot;ان الأشياء لا تتكرر بشكل واحد مرتين والحروب لا تنتهي ابدًا بالطريقة المتوقع لها ان تنتهيquot;.
وفوجئت اسرائيل، مثلها مثل غالبية الدول الأخرى، بالعديد من الأحداث التي شهدتها السنوات الأخيرة. فالانتفاضتان الفلسطينيتان اندلعتا بصورة فاجأت اسرائيل، وكذلك الربيع العربي والثورتان المصريتان.
وقال افريم كام الخبير الاستراتيجي في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل ابيب الذي عمل اكثر من 20 عاما في الاستخبارات العسكرية quot;ان المنطق في عام 1973 كان يقول ان مصر وسوريا لن تهاجما ولأسباب وجيهة. ولكن هناك دائما اشياء لا نعرفهاquot;. واشار كام إلى quot;ان المعلومات الاستخباراتية تكون دائما جزئية وثغراتها تُملأ بالمنطق والتقييمquot;.
يتذكر الجنرال المتقاعد عوزي عيلام في يومياته عن حرب 1973 التي نشرها مؤخرا صوت صفارات الانذار في يوم الغفران وتوجهه بسرعة إلى مقر القيادة حيث مر به رئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال ايلي زئيرا شاحب الوجه. وقال عيلام quot;ان لمحة عابرة قالت لي انه لم يعد ايلي زئيرا الواثق بنفسهquot;.