في انعكاس غير متوقع لفضيحة الفساد التي تهز تركيا، وفي محاولة للتصدي لمن يتهمهم رئيس الوزراء التركي بالسعي إلى الاطاحة به، تقرب رجب طيب اردوغان من الجيش، الذي كان يصنفه في خانة الاعداء.


تجسد التغيير التركي المشهود، الذي لم يكن أحد حتى اسابيع قليلة ماضية يتخيله، بعد ثلاثة اسابيع من ازمة غير مسبوقة في اعلى هرم الدولة. فرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يخطب ود الجيش، ليكون له عونًا ضد جماعة فتح الله غول، الذي يتهمها بالتآمر عليه.

إعادة المحاكمة

وقبيل مغادرته في جولة آسيوية، أعلن أردوغان أنه على استعداد لاعادة المحاكمات في قضيتين اخيرتين عرفتا بـquot;يد المطرقةquot; وquot;ارغينيكونquot;، وحكم فيهما مئات الضباط بالسجن بعد ادانتهم بالسعي لقلب نظام الحكم. وقال: quot;ليس عندي أي اعتراض على إجراء محاكمات جديدة، شرط أن تكون على اساس قانونيquot;.

وقبل هذه التصريحات بأيام، مهد يلسين اكدوغان، المستشار المقرب من اردوغان، الدرب أمام رئيس الوزراء بقوله في تصريحات للصحف إن العسكريين القابعين في السجن هم ضحايا مؤامرة حاكها القضاة ذاتهم المكلفون التحقيق في قضية الفساد التي تهدد السلطة. وتلقت قيادة الجيش التركي الرسالة واقتنصت الفرصة لاعادة الاهلية لضباطها، وتقدمت بطلب مراجعة احكام القضيتين بداعي أن الادلة التي ادين بها الضباط quot;تم التلاعب بهاquot;.

وضع شروطه

ولا يشكك المراقبون في أن هذه التحركات نتيجة مباشرة للحرب المفتوحة المستمرة منذ اسابيع بين اردوغان وجماعة فتح الله غولن الاسلامية القوية. وكتب الصحافي عصمت بركان في صحيفة حرييت: quot;الحكومة قامت بهذه المبادرة لجلب الجيش إلى صفها في المعركة التي تخوضها مع جماعة غولن، فالجيش وضع شروطه وهي مراجعة القضيتين اللتين حكم فيهما على الضباطquot;.

حتى وان لم تتم الاشارة اليها بالاسم، فإن اردوغان يشتبه في أن جماعة غولن تقف وراء توقيف 20 رجل أعمال ونوابًا مقربين من الحكم واستقالة ثلاثة وزراء وتعديل وزاري كبير. وقبل تعكير صفو العلاقات بينهما، خصوصًا بسبب غلق مدارس الجماعة الخاصة والمختصة في الدعم المدرسي، فإن جماعة غولن واردوغان كانا حليفين ضد الجيش.

وكانت المؤسسة العسكرية التركية ذات التقاليد العلمانية سيطرت لفترة طويلة على الحياة السياسية في البلاد، ولم تنظر بعين الرضا لتولي حزب العدالة والتنمية ذي الخلفية الاسلامية الحكم منذ العام 2002. وكان الجيش وراء ثلاثة انقلابات في 1960 و1971 و1980، وأجبر أول حكومة اسلامية للبلاد على الاستقالة في العام 1997.

تغير ميزان القوى

تمكن اردوغان، مستفيدًا من نفوذ جماعة غولن في الشرطة والقضاء، من ضبط الجيش بفضل سلسلة من عمليات التطهير والمحاكمات بتهم محاولات انقلاب كانت موضع انتقاد المعارضة. ولاحظ سولي اوزيل، الاستاذ في جامعة قدير هاس، أن الحكومة تعاونت مع غولن لضرب التأثير الذي مارسه الجيش على الحياة السياسية، وغضت الطرف على اتهامات بالظلم، لكن ميزان القوى تغير، واردوغان يعتبر غولن خصمًا له وبدأ يتقرب من الجيش للتصدي لهquot;.

وفي صراع النفوذ هذا، قام رئيس الحكومة بعملية تطهير غير مسبوقة في الشرطة والقضاء، وقرر الاعتماد على الجيش قبل ثلاثة اشهر من الانتخابات البلدية التي ستكون نتيجتها حاسمة في مستقبله السياسي. ويقول غاريث جنكينز، الخبير في مركز الدراسات سيلك رود باسطنبول: quot;اذا أثبتت الحكومة أن هذه القضايا مفتعلة ستنجح في ضرب مصداقية جماعة غولن ومصداقية شبهات الفساد التي تطالهاquot;.