أثار سعي أكراد سوريا للحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي غضب قوى إقليمية لاسيما تركيا المجاورة، وسط تساؤلات حول نتائج مثل هذه الخطوة، واذا ما كانت ستؤدي إلى تقسيم سوريا التي تشهد حربًا أهلية وثورة للمطالبة بإسقاط نظام الأسد.

تساءل مراقبون ما إذا كان إعلان أكراد سوريا تشكيل حكومة إقليمية في شمال البلاد عشية مؤتمر (جنيف 2) مقدمة لإنقسام سوريا.
وكان أكراد سوريا أعلنوا يوم الثلاثاء تشكيل حكومة إقليمية، مما يعزز وجودهم الجغرافي والسياسي عشية محادثات للسلام في سويسرا لن يحضروها.
وقال بيان تشكيل الحكومة الإقليمية إن الأكراد عانوا على مدى قرن من نتائج مؤتمر لوزان، ولذلك فإنهم لن يسمحوا بأن يكون quot;جنيف 2 لوزان أخرى لهمquot;.
وسيدير المجلس الإقليمي شؤون واحدة من ثلاث مناطق إدارية شكلها الأكراد الذين اغتنموا فرصة الفوضى التي أحدثتها الحرب الأهلية السورية لتأكيد سيطرتهم على شمال شرق البلاد.
ومعظم أكراد سوريا هم من المسلمين السنة، وبعضهم من اليزيديين إضافة إلى عدد قليل من المسيحيين والعلويين.
غضب اقليمي
وأثار سعي أكراد سوريا للحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي غضب قوى إقليمية لاسيما تركيا المجاورة التي تتعامل بالفعل مع مطالب مماثلة من سكانها الأكراد.
وسيشرف المجلس الإقليمي الكردي على منطقة تضم مدينتي الحسكة والقامشلي، وسيتألف من رئيس ووزراء للخارجية والدفاع والعدل والتعليم، كما ستجري انتخابات في غضون أربعة أشهر.
وطلب أكراد سوريا إرسال وفد مستقل إلى محادثات quot;جنيف 2quot; قائلين إن مطالبهم في المفاوضات على مستقبل سوريا تختلف عن مطالب الحكومة والائتلاف الوطني السوري المعارض الذي يسعى للإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد.
لكن حزب الاتحاد الديمقراطي، الجماعة الكردية الرئيسية في سوريا، قال إن طلبه قوبل بالرفض ملقيًا المسؤولية في عرقلته على قوى إقليمية مثل السعودية وتركيا وعلى الولايات المتحدة.
لا التزام بقرارات جنيف
ووافقت بعض الأحزاب الكردية على حضور المحادثات تحت مظلة الائتلاف الوطني المدعوم من الغرب، لكن حزب الاتحاد الديمقراطي قال إنه لن يلتزم بأي قرارات يتم التوصل إليها في سويسرا.
وحزب الاتحاد الديمقراطي متحالف مع حزب العمال الكردستاني الذي خاض حربًا استمرت ثلاثة عقود مع الدولة التركية أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 40 ألف شخص.
وانتقدت المظلة السياسية لحزب العمال الكردستاني المحادثات الأسبوع الماضي، وقالت في بيان إن المعارضة ليست أفضل حالاً من حزب البعث الحاكم بزعامة الأسد الذي عمل لفترة طويلة على تهميش الأقلية الكردية في سوريا.
وجاء في البيان إنه في الوقت الذي دعيت فيه جميع الأطراف الى المؤتمر، فإن مطلب الاكراد للمشاركة جرى تجاهله.
وتابع قائلاً إن موقف المعارضة السورية لا يختلف عن موقف النظام البعثي، والاثنان لا يتعاملان بجدية مع مطالب الشعب الكردي، وهو بالضبط موقف تركيا.
وشبه البيان مؤتمر جنيف بمؤتمر لوزان في 1923، الذي رسم الحدود بين كل من إيران وتركيا والعراق وسوريا مقسمًا وطن الأكراد إلى اربعة اجزاء.
قمع اتاتورك
ويشار الى أن قسماً كبيرًا من الأكرادفي سوريا هاجر من تركيا في 1925 عقب ثورة الشيخ سعيد بيران، التي كانت قمعتها حكومة مصطفى أتاتورك بقسوة، وفي السنوات التي تلت ذلك نتيجة القمع التركي والاشتباكات بين الجماعات الكردية والجيش التركي.
والمجتمع الكردي في سوريا صغير جداً بالمقارنة مع نسبة الأكراد في إيران والعراق وتركيا، وقد غيّر الأكراد في سوريا تكتيكاتهم بعد نشوء أول حزب لهم عام 1958 فقد بدأوا يطالبون بحقوقهم رسميًا. يعيش معظمهم في شمال شرق سوريا في محافظة الحسكة، وفي منطقتين صغيرتين في شمال محافظة حلب هما عين العرب (التي يسكنها الآشوريون أيضاً) وعفرين والمناطق المحيطة بهما، وهم يشكلون اليوم الغالبية في هاتين المنطقتين. أكبر المدن الكردية في محافظة الحسكة هي القامشلي، وهناك أيضا الكثير من الأكراد يعيشون في المدن الكبيرة مثل دمشق وحلب.
تجريد من الجنسية
وفي عام 1962، تم تجريد 20 في المئة من السكان الأكراد في سوريا من الجنسية السورية، مما أثار مخاوف بين جماعات حقوق الإنسان.
ووفقاً للحكومة السورية، كان سبب هذا التشريع هو تسلل مجموعات من الأكراد إلى محافظة الحسكة في عام 1945. وتزعم الحكومة السورية أن الأكراد أتوا من البلدان المجاورة، وخاصة تركيا، وعبروا الحدود إلى الأراضي السورية بصورة غير شرعية.
كما تقول الحكومة إن هؤلاء الأكراد استقروا تدريجيًا في مدن مثل عامودا والقامشلي حتى أصبحوا الأكثرية في بعض هذه المدن. وتزعم الحكومة أيضًا أن الكثير من الأكراد استطاعوا أن يسجلوا أنفسهم في سجلات رسمية بشكل غير قانوني. وتكهنت الحكومة أيضًا أن الأكراد أتوا إلى سوريا لكي يستقروا ويحوزوا على الممتلكات العربية السورية.
هجرة غير شرعية
ونتيجة لما تقوله الحكومة السورية من زيادة في الهجرة غير الشرعية، قررت الحكومة السورية إجراء تعداد عام في 5 أكتوبر عام 1962 في محافظة الحسكة، مع الادعاء بأن هدفها الوحيد هو تنقية السجلات والقضاء على المتسللين الأجانب.
وقد شمل الأحصاء 100 ألف كردي سوري فقط، وقد تم تجريد 150000 كردي من الجنسية السورية، وتجاهل حوالي 700000 في التعداد النهائي للسكان الأكراد في سوريا آنذاك.
ووفقاً لمنظمة هيومان رايتس واتش فقد تم فصل الأسر الكردية نفسها، فبعض الأكراد الذين حصلوا على الجنسية السورية، جردت في الوقت نفسهالجنسية من أفراد آخرين من عائلاتهم. وأن الأكراد المجردين من الجنسية هم محرومون من الحقوق المدنية، حيث أنه لا يحق لهم التملك أو السفر أو التوظيف الرسمي، وغير ذلك من الحقوق المدنية حتى يومنا هذا، حيث أن تعدادهم الحالي يقارب النصف مليون.
كما أنه، وفقاً لهيومان رايتس ووتش، لا يمكن استخدام اللغة الكردية في المدارس في سوريا، ولا يسمح لهم بتعلم لغتهم في المدارس أو إنشاء مدارس للغة الكردية، ويحظر نشر الكتب وغيرها من المواد المكتوبة كالصحف أو المجلات باللغة الكردية.